الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

42/03/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - قاعدة لا ضرر – شرائط جريان الأصول العملية - مبحث الأصول العملية.

أما الرواية الثانية: - وهي رواية زرارة أيضاً ولكن عن طريق عبد الله بن مسكان فهي توجد فيها عبارة ( لا ضرر ولا إضرار ) ولكنها تشتمل على الارسال، حيث ورد في سندها تعبير ( عن بعض أصحابنا )، فتكون ساقطة عن الاعتبار.

ولا يقولن قائل: - إنه وإن كانت ساقطة عن الاعتبار ولكن بضم واحدٍ إلى أخرى سوف ينفع ذلك.

ولكن نقول:- إنَّ هذه الرواية ضمها لا ينفع لأنها تنتهي إلى زرارة، نعم إذا كانت تنتهي إلى غير زرارة فسوف تسجل رقماً، ولكن المفروض أنها تنتهي إلى زرارة، فلا تضيف اضافة جديدة حتى لو كانت معتبرة السند، لأنَّ زرارة نقل مرة إلى هذا الراوي ونقل مرة أخرى إلى ذاك الراوي، فهو راوٍ واحد ينقل الرواية، وعليه فسوف لا تصير قوّة في الاحتمال، فإذاً هي ضعيفة بالإرسال، مضافاً إلى أنه بقطع النظر عن الارسال فيها مشكلة أخرى، فإن سندها هكذا:- ( علي بن محمد بن بندار عن أحمد بن ابي عبد الله عن أبيه عن بعض أصحابنا عن عبد الله بن سمكان عن زرارة )، وعلي بن محمد بن بندار يظهر من النجاشي أنه علي بن محمد بن أبي القاسم، وأبو القاسم اسمه بندار وقد وثق النجاشي علي بن محمد بن أبي القاسم، وحيث إنَّ أبي القاسم كنية لابن بندار فإذا ثبت هذا الشيء وحصل الاطمئنان به فلا مشكلة من هذه ناحيته، وابن بندرا توجد عنده روايات ليست بالقليلة فلو وثقناه فسوف نستفيد من وثاقته، فإذاً يوجد مجال لتوثيقه، وأما أحمد بن أبي عبد الله فهو البرقي وهو ثقة، ولكن تبقى المشكلة من ناحية الارسال.

الرواية الثالثة - وهي رواية أبي عبيدة الحذّاء - فنقول:- إنَّ الشيخ الصدوق ذكر الرواية :- ( وروى أبي الحسن الصيقل عن أبي عبيدة الحذّاء ... )[1] ثم نقل الرواية، وأبي عبيدة الحّذاء ثقة ولكن نحتاج إلى توثيق الحسن الصيقل وطريق الشيخ الصدوق إلى الحسن الصيقل، وطريق الشيخ الصدوق إلى الحسن الصيقل هو:- ( وما كان فيه عن الحسن بن زياد فقد رويته عن محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه عن علي بن الحسين السعد آبادي عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه عن يونس بن عبد الرحمن عن الحسن بن زياد الصيقل )[2] ، ومحمد بن موسى بن المتوكل لا يوجد توثيق في حقه، ولكن توجد قضية وهي أن يقال إنَّ الصدوق قد ترضّى عنه والصدوق لا يترضى إلا عن الثقة مثلاً فإن قبلت بهذا فبها ونعمت وإلا ففيه تأمل وإشكال، أما علي بن الحسين السعد آبادي فلا يوجد توثيق في حقه، أما الحسن بن زياد الصيقل لا يوجد في حقه توثيق أيضاً، نعم البرقي وأبيه ويونس بن عبد الرحمن فهم من ثقات أصحابنا، فإذاً هذه الرواية سندها ضيف كما أنه لم يذكر فيها قضية ( لا ضرر ولا ضرار ).

إذاً عرفنا أنَّ الرواية السالمة من هذه الروايات الثلاث هي رواية ابن بكير عن زرارة فهي موثقة فتكون تامة سنداً.

أما روايتي عقبة بن خالد التي وردت أحدهما في الشفعة والثانية في منع فضل الماء:- فطريق الشيخ الكليني هكذا: - (محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن محمد بن عبد الله بن هلال عن عقبة )، ومحمد بن يعقوب هو الكليني الثقة، ومحمد بن يحيى فهو الأشعري وهو من أجلة أصحابنا، ومحمد بن الحسين فهو ابن أبي الخطاب بقرينة محمد بن يحيى فإنَّ محمد بن يحيى يروي عنه كثيراً وهو ثقة ومن أجلة أصحابنا، وأما محمد بن عبد الله بن هلال فلا يوجد توثيق في حقة، وأما عقبة فلا يوجد توثيق في حقه أيضاً، فإذاً هذه الرواية ضعيفة السند وإن كان يوجد فيها تعبير ( لا ضرر ولا ضرار ).

وأما رواية عقبة الثانية الواردة في منع فضل الماء فالسند نفس السند، فالكلام فيها هو الكلام، يعني هي ضعيفة السند بعقبة ومحمد بن عبد الله بن هلال.

إذاً اتضح لحد الآن أنَّ المعتبر من جميع هذه الروايات هو رواية عبد الله بن بكير عن زرارة، وهي تكفينا ولكن قد يقول قائل إنه لا داعي إلى بقية الروايات، ولكن نقول لعلَّ البقية توجد فيها إضافة كتعبير ( في الإسلام ) أو غير ذلك فقد نستفيد منها بعض الأمور وإلا تكفينا معتبرة ابن بكير، أما إذا أثبتنا التواتر فلا نحتاج حتى إلى اعتبار سند الرواية الأولى.

وأما المراسيل: - فهي لا سند لها حتى نبحث عن سندها.

هذا واقع الحال بالنسبة إلى أسانيد الروايات المذكورة.

ولكن توجد عبارة للسيد الخوئي في مصباح الأصول لا نعرف كيف تفسَّر، وقبل أن نذكر نصَّ عبارته نقول إنه يوجد كلام في أنَّ مراسيل الصدوق التي لا يبدأها بكلمة روي وإنما ينسبها إلى الامام عليه السلام مثل ( قال عليه السلام:- لا ضرر ولا ضرار ) هل هي معتبرة أو لا؟ ذهب البعض إلى أنه إذا كان الارسال بلفظ قال فهذا معتبر من الصدوق، أما ما هي النكتة فهل هي من باب أنه حينما يقول ( قال ) فهذا يدل على النسبة الجازمة، فإذا كانت النسبة جازمة فهذا يدل على أنه قد عثر على مجموعة أسانيد أو سندٍ معتبر جزماً وإلا كيف الامامي ينسب إلى إمامه رواية بنحو الجزم إذا لم يكن متثبتاً؟!! وأما ما كان بلسان روي فهو غير معتبر، هكذا فصّل البعض، والسيد الخوئي كان يبني على هذا الرأي في كتاب دراسات في علم الأصول ثم عدل عنه بعد ذلك في مصباح الأصول ولذلك لم نسمعه منه في مجلسه، قال في المصباح:- ( فتلخص مما ذكرناه أن هاتين الجملتين[3] قد وصلتا إلينا بالحجة بلا زيادة[4] ومع زيادة على مؤمن كما في رواية ابن مسكان ومع زيادة في الإسلام كما في رواية الفقيه. والقول بأنَّ رواية الفقيه مرسلة ...... )[5] .

ولكن نقول: - إنه يوجد تأمل في قوله:- ( إنَّ هاتين الجملتين قد وصلت إلينا بالحجة بلا زيادة[6] ومع زيادة على مؤمن كما في رواية ابن مسكان )، فإنَّ جملة ( ومع زيادة على مؤمن ) هي عطف على ماذا؟ إنها عطف على المجرور وهو قوله ( بلا زيادة )، فيصير المعنى أنها قد وصلت إلينا بالحجة بلا زيادة كما قد وصلت إلينا بالحجة أيضاً مع الزيادة، فعبارته تدل على أنَّ فقرتي ( لا ضرر ولا ضرار ) وصلت إلينا مرة مع الحجة من دون زيادة بموثقة عبد الله بن بكير عن زرارة، وهذا صحيح، كما يقول إنها وصلت إلينا بالحجة الشرعية أيضاً مع زيادة ( على مؤمن )، والحال أن الزيادة وردت في رواية زرارة التي رواها عبد الله بن مسكان وهي مرسلة، فكيف يقول هي قد وصلت إلينا بالحجة؟!!، نعم عبارته الثانية ( ومع زيادة في الإسلام ) أمرها سهل، لأنها موجودة في الفقيه وهو كان يبني على اعتبار مراسيل الفقيه ولكن الآن نحن نغض النظر عن هذا، ولكن ورودها مع زيادة فقرة ( في الإسلام ) هو في رواية عبد الله بن مسكان عن زرارة وهي مرسلة عن بعض أصحابنا فكيف تقول هي قد وصلت إلينا بالحجة الشرعية؟!! فإذاً هذه العبارة محل تأمل، إلا أن يكون مقصوده شيئاً آخر، وهو أنه يبني على فكرة التواتر والاستفاضة، وهذا لا بأس به، فإن بنى على فكرة التواتر والاستفاضة فحينئذٍ هي قد وصلت إلينا بالحجة الشرعية بسبب الاستفاضة والتواتر، ولكن الاشكال عليه واضح، فإنَّ التواتر أو الاستفاضة وإن كان يثبت القطع بالمضمون ولكنه المضمون المشترك لا في مورد الافتراق، والمضمون المشترك هو ( لا ضرر ولا ضرار )، أما جملة ( في الإسلام ) أو جملة ( على مؤمن ) فهي ليست من المشتركات، فلا تثبت بالتواتر والاستفاضة.


[1] من لا يحضره الفقيه، الصدوق، ج3، ص59.
[2] من لا يحضره الفقيه، الصدوق، ج4، ص24 من المشيخة.
[3] أي جملة لا ضرر وجملة لا ضرار.
[4] أن من دون زيادة جملة في الاسلام أو جملة على مؤمن.
[5] مصباح الأصول، الخوئي، ج2، ص602.
[6] أي بلا زيادة على مؤمن أو في الإسلام.