42/03/14
الموضوع: - قاعدة لا ضرر – شرائط جريان الأصول العملية - مبحث الأصول العملية.
أما البحث الأول: - وهو مدرك القاعدة، وفيه ثلاث أمور: -
الأمر الأول: - الروايات.
قبل أن نعرض الروايات نشير إلى قضية:- وهي أنَّ الشيخ الأعظم(قده) بحث قاعدة لا ضرر مرتين مرة في فرائد الأصول ومرة عنده رسالة في قاعدة لا ضرر، وقد طبعت هذه الرسالة ضمن رسائل أخرى منها رسالة في القضاء عن الميت ورسالة في التقية من قبل لجنة تراث الشيخ الأعظم، وقد نقل في فرائد الأصول:- ( قد ادّعى فخر الدين في الايضاح في باب الرهن تواتر الأخبار على نفي الضرر والضرار )[1] ، وذكر في رسالته في قاعدة لا ضرر ما نصه:- ( مضافاً إلى حكاية تواتر نفي الضرر والضرار عن فخر الدين في الايضاح في باب الرهن لم أعثر عليه )[2] ، والشيخ الأعظم قال هنا أنه لم يعثر عليه والحال أنه ذكر في فرائد الأصول أنَّ فخر الدين قد ادعى تواتر الأخبار عليه، كما أنَّه ذكر أنَّ فخر الدين قد ادعى تواتر الأخبار على نفي الضرر والضرار، ولكن إذا راجعنا إلى الايضاح لم نجده ذاكراً للضرار وإنما ذكر الضرر فقط حيث قال:- ( والضرر منفي بالحديث المتواتر )[3] ، فيوجد اشتباه في النسبة.
وقد تسأل وتقول: - إنه بعد تواتر روايات لا ضرر - كما نقل فخر الدين - فما معنى نقل الروايات فإنه لا داعي إليه، بل يلزم أن نفعل كما فعل الشيخ العراقي(قده) في رسالته لا ضرر فهو لم ينقل الأخبار، لأنَّ القاعدة متواترة فلا داعي إلى نقل أخبارها.
ولكن نقول:- لابد من نقل الأخبار، لأنَّ في نقلها فوائد، الفائدة الأولى هي التأكد من أنه هل يوجد حقاً تواتر في الروايات كما ادعى فخر الدين في لا ضرر أو لا يوجد تواتر، وهذا مطلب يجب البحث عنه، والفائدة الثانية هي أننا نلاحظ التواتر وأنه هل هو بألفاظ نفي الضرر وهو ( لا ضرر ولا ضرار ) أو هو بشكل آخر، فقد يدخلون في الحساب ( إنك رجل مضار ) فإنه قد ورد هذا التعبير في بعض الروايات ولا يوجد تعبير لا ضرر ولا ضرار، فهل التواتر هو بعنوان لا ضرر ولا ضرار أو ليس بهذا العنوان وإنما ربما يكون بعضه من قبيل ( إنك رجل مضار )، والفائدة الثالثة هي أنه هل التواتر بلحاظ رواياتنا أو في روايات العامة أو المجموع المركب فإنَّ لكلٍ قيمته الخاصة، والفائدة الرابعة هي أنَّ قيد ( على الإسلام ) أو ( على مؤمن ) هل هو موجود أو ليس بموجود، لأنَّ بعض الروايات قالت ( لا ضرر ولا ضرار في الإسلام )، ولو قلت:- ما هو الأثر المترتب على ذلك؟ قلت: - إنَّ هذا سوف نستفيد منه في الأبحاث الآتية، فإذاً نحن نستعرض هذه الروايات كي نستفيد مجموع هذه الأمور أو أمورٍ أخرى ونتأكد منها.
روايات المسألة لدى الامامية: -وردت كلمة لا ضرر عند الامامية في موارد أربعة، المورد الأول قضية سمرة بن جندب، والمورد الثاني في باب الشفعة والمورد الثالث في باب منع فضل الماء لمنع فضل الكلاء، والمورد الرابع هو موارد مستقلة.
قضية سمرة بن جندب: - وهي وردت في روايتنا وفي روايات العامة، وفي رواياتنا وردت في بعضها مذيلة بذيل ( إنك رجل مضار ) أو ( لا ضرر ولا ضرار ) وفي بعضها لم ترد مذيلة، وايضاً في بعضها ورد قيد ( على مؤمن ) في بعضها الأخر لم يرد هذا القيد، والذي روى قصة سمرة في رواياتنا شخصان زرارة وأبو عبيدة الحذّاء، نعم القصة عن زرارة مرة ابن بكير ومرة رواها عبد الله بن مسكان، وكلاهما من ثقات أصحابنا، وهذا إنما نذكره لأن له تأثيراً في قضية التواتر وأنه بالتالي سوف تصير هذه ثلاث روايات أو هما روايتان، وفي البداية نقرأ رواية سمرة في مصادرنا، وهي ما نقله الشيخ الكليني في كتاب المعيشة تحت عنوان باب الضرر:- ( عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن أبيه عن عبد الله بن بكير عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال:- إنَّ سمرة بن جندب كان له عذق[4] في حائط لرجل من الأنصار وكان منزل الأنصاري بباب البستان وكان يمر به إلى نخلته ولا يتأذن فكلمه الأنصاري أن يستأذن إذا جاء فئابّى سمرة فلما تأبى جاء الأنصاري إلى رسول الله صلى اله عليه وآله فشكى إليه وخبره الخبر فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وخبّره بقول الأنصاري وما شكى وقال إذا أردت الدخول فاستأذن، فأبى، فلما أبى ساومه حتى بلغ به من الثمن ما شاء الله فأبى أن يبيع، فقال:- لك بها عذق يمدّ لك في الجنة، فأبى أن يقبل، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله للأنصاري:- اذهب فاقلعها وارم بها إليه فإنه لا ضرر ولا ضرار )[5] ، والعدة لا مشكلة فيها لما ذكرناه أكثر من مرة إما ببيان أن العدة أقلها ثلاثة واحتمال اجتماع ثلاثة من مشايخ الكليني على الكذب أو الاشتباه بعيد جداً بحساب الاحتمال، أو نقول إذا جعلنا فهرساً لمن يروي عنهم الشيخ الكليني فتقريباً ربع الكافي ينقله عن محمد بن يحيى وربع عن علي بن إبراهيم وربع فلان وهم من أجلة أصحابنا، فإذا كان الأمر كذلك فليس من البعيد أن يقول ( عدّة من أصحبانا ) وليس فيهم واحد من هؤلاء الذين يكثر الرواية عنهم، أما بقية السند فهم ثقات فإنه وإن كان فيهم عبد الله بن بكير وهو فطحي ولكنه ثقة أيضاً، وقد نقلها صاحب الوسائل[6] أيضاً، كما نقلها الشيخ الصدوق[7] مع اختلافٍ يسير.