42/03/13
الموضوع: - قاعدة لا ضرر – شرائط جريان الأصول العملية - مبحث الأصول العملية.
هذا وللسيد الخوئي(قده) كلام[1] في صالح الفاضل التوني(قده) وحاصل ما ذكره:- إنَّ أصل البراءة أصل امتناني مستنده ( رفع عن أمتي ما لا يعلمون )، فهو وارد مورد المنّة، فإذا لزم الضرر على شخصٍ آخر نتيجة تطبيق حديث الرفع فلا يجري حديث الرفع، لأنه يكون خلاف المنَّة.
ويرد عليه: -أولاً: - إنَّ مدرك البراءة لا ينحصر بحديث الرفع، فصحيح أنَّ حديث الرفع امتناني ولكن توجد أحاديث أخرى ليس فيها هذا الامتنان من قبيل ( ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم ) أو ( لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها ) وغير ذلك، فإنه توجد مناشئ أخرى لحديث الرفع وهذه الألسنة ليست امتنانية، ومجرد كون اللسان في حديث الرفع امتناني لا يقيد بقية الألسنة، فتقبى بقية الألسنة على حالها، فهنا إن لم يمكن تطبيق حديث الرفع يمكن تطبيق الألسنة الأخرى.
فإذاً ما ذكره السيد الخوئي يكون وجيهاً فيما لو فرض انحصار مدرك البراءة بحديث الرفع فإنَّ هذا اللسان امتناني بقرينة قوله صلى الله عليه وآله وسلم ( رفع ) و ( عن أمتي )، أما بعد وجود ألسنة أوسع من ذلك والتي لا يوجد فيها ضيق وتحديد بالمنَّة، فإن لم يمكن تطبيق حديث الرفع أمكن تطبيق البقية ، ومجرد كون لسان حديث الرفع امتناني لا يوجب تقييد اللسان الآخر.
ثانياً: - سلّمنا أنَّ حديث الرفع ولك الأدلة اللفظية للبراءة لا يمكن تطيقها لأنها امتنانية ولكن تبقى البراءة العقلية وهي قاعدة قبح العقاب بلا بيان فإنه يقبل البراءة العقلية، فنحن لرفع شغل الذمة عن هذا الشخص الذي نشك بأنه ثبت عليه الضمان أو لم يثب عليه لا نطبق الأدلة اللفظية لأنه يوجد فيها ضيق ولكن توجد البراءة العقلية وهي لا ضيق فيها، فيمكن حينئذٍ تطبيقها وتكون بذلك مرجعاً فنتمسك حينئذٍ بالبراة العقلية، وهي ليست واردة مورد الامتنان حتى تقول متى ما لزم الضرر على الطرف الآخر فتطبيق الحديث سوف يلزم منه خلاف المنَّة، وإنما هذا حكم عقلي وليس لسان دليل، فهذا الكلام لا يأتي هنا.
ثالثاً:- نحن نرجع إلى الأدلة اللفظية ونقول صحيح أنها واردة مورد الامتنان حيث قالت ( رفع عن أمتي ما لا يعلمون ) ولكن الامتنان المنظور إليه في هذا الحديث يوجد فيه احتمالان، الاحتمال الأول أن يكون الرفع بلحاظ جميع الأمة الإسلامية ومجموع المسلمين فالمنة هي بلحاظ جميع الأمة الإسلامية، فمتى ما لزم خلاف المنَّة بلحاظ بعض أفراد الأمة الاسلامية لا يمكن تطبيق حديث الرفع، والاحتمال الثاني أن نقول إنَّ لمنة المنظور إليها هي بلحاظ الأفراد، يعني أنَّ الحديث ناظر إلى المنَّة الخصية فهو يريد أن يمتن على هذا الشخص أو يريد أن يمتن على ذاك الشخص ولكن كل واحدٍ المنَّة له تختلف عن المنَّة للثاني، فهناك مِنَنٌ بعدد أفراد المسلمين، فإن بنينا على الأول فهنا يأتي الاشكال من أنَّ اجراء البراءة في حق من فتح قفص الطير فهرب ورفع الضمان عنه يستلزم الضرر على فردٍ ثانٍ من المسلمين - وهو مالك الطير - فلا يمكن تطبيق حديث البراءة، وإن بنينا على الثاني فحديث الرفع يمكن تطبيقه على الشخص الذي فتح قفص الطير وفيه منَّة عليه، ولا تقل سوف يلزم منه خلاف المنَّة على مالك الطير فإننا قلنا إنَّ المرفوض أنَّ المنن متعددة بعدد المكلفين فلا معنى لملاحظة مالك الطير، وهذا أمر مبنائي ولا نستطيع أن نلزم به السيد الخوئي(قده) إنما ذكرناها كقضية علمية.
هذا ما ذكره السيد الخوئي(قده) في نصرة الفاضل التوني وقد اتضح أنه قابل للتأمل من جهات ثلاث.
ونلفت النظر إلى ثلاثة أمور جانبية: -الأمر الأول: - هل البحث عن قاعدة لا ضرر من الأبحاث المهمة جداً للفقيه أو أنه ليس من الأبحاث المهمة؟
والجواب: - هناك احتمالان: -
الاحتمال الأول: - أن نقول إنها مهمة جداً لأن كثيراً من الأحكام متى ما لزم الضرر فسوف نرفع الحكم بقاعدة لا ضرر، كما لو أراد شخص أن يتوضأ وكان الوضوء يضره فسوف نرفعه بقاعدة لا ضرر وكذلك لو كان يضره الصوم فنرفع وجوب الصوم عنه وكذلك لو كانت صلة الرحم تضره فسوف نرفعها بقاعدة لا ضرر وهكذا كل حكم إذا صار منه ضرر على المكلف فحينئذ يرتفع الحكم فهذه قضية مهمة تتدخل في مساحة كبيرة من الأحكام فالبحث عن قاعدة لا ضرر يكون بحثاً مهماً، وقد ذكر بعض العامة[2] إنَّ رحى الفقه تدور على خمس قواعد أحدها قاعدة لا ضرر، فإذا كان الأمر كذلك فالبحث عن هذه القاعدة يصير مهماً.
وفي المقابل قد يقال إنها ليست مهمة بهذه الدرجة من الأهمية، لأنه إذا لم يمكن اجراء قاعدة لا ضرر توجد قاعدة بديلة لا بتمام الكلمة وإنما بأغلب الكلمة فهي تقوم مقام قاعدة لا ضرر، وهي قاعدة نفي الحرج - ﴿ ما جعل عليكم في الدين من حرج ﴾ - فإذا لم تجر قاعدة لا ضرر فأنا الصائم بدلاً من ان تقول يضرني الصوم فإني سوف أقع في حرج فنتمسك بقاعدة لا حرج، وكذلك الحج مثلاً لو كان يضرني فهنا لو لم تجرِ قاعدة لا ضرر فسوف تجري قاعدة لا حرج ...... وهكذا بقية الأمثلة، وهذه نكتة لطيفة.
وإذا فرض أنه توجد بعض الموارد يلزم فيها الضرر من دون حرج فبالتالي إعطاء هذه الفخامة لقاعدة لا ضرر وأنَّ رحى الفقه تدور عليها ليس في محلّه.
القضية الثانية: - إنَّ قاعدة لا ضرر هي قاعدة فقهية وإنما بحثت في علم الأصول من باب أنَّ الفاضل التوني في حديث الرفع قال يشترط في جريان أصل البراءة شرطان الثاني منهما أن لا يكون المورد لقاعدة لا ضرر، فبهذه المناسبة صار بناء الشيخ الأنصاري(قده) البحث في قاعدة لا ضرر، فنحن نعترف أنَّ البحث فيها بحث فقهي وأنها قاعدة فقهية وليست أصولية لأنها تعطينا حكماً جزئياً لا حكماً كلياً ولكن بحثت في علم الأصول لهذه النكتة التي أشرنا إليها.
الأمر الثالث: - إنَّ قاعدة لا ضرر أخذت من الأصوليين وقتاً كبيراً وذكرت فيها أبحاث دقيقة نافعة وكتبت فيها رسائل وسوف نمرّ عليها إن شاء الله تعالى، ونحن الآن نمنهج بحثنا عن قاعدة لا ضرر حتى ندخل فيها: -
فهناك أبحاث أربعة في قاعدة لا ضرر: -البحث الأول: - مدرك القاعدة، وفي هذا البحث نشير إلى أمور ثلاثة، الأمر الأول روايات القاعدة، والأمر الثاني بيان أسانيد هذه الروايات وسنشير فيها إلى مجموعة نكات، والأمر الثالث بحث بعض النكات المرتبطة بهذه الروايات.
البحث الثاني: - المعنى الأفرادي للضرر والضرار، فما هو الضرر وما هو الضرار.
البحث الثالث: - المعنى التركيبي، فماذا يقصد من ( لا ضرر ولا ضرار ).
البحث الرابع: - تنبيهات ترتبط بقاعدة لا ضرر.