42/03/03
الموضوع: - شرائط جريان الأصول العملية - مبحث الأصول العملية.
الرواية الثالثة: - ما ورد في السؤال عن الذبيحة.
وقد قلنا: - إنَّ هذا فيه تأمل، فلعله من باب سوق المسلمين، وسوق المسلمين أمارة، فلا يمكن أن نتعدى إلى مطلق الأشياء.
الأمر الرابع الذي يمكن أن نتمسك به لعدم لزوم الفحص - يعني دعماً لإطلاق حديث الرفع -: - هو رواية مسعدة بن صدقة، وهي: - ( مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه السلام سمعته يقول:- كل شيء هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة والمملوك عندك لعل حرّ قد باع ننفسه أو خدع فبيع قهراً أو امرأة تحتك هي أختك أو رضيعتك والأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة )[1] ، ودلالتها واضحة على لزوم الفحص.
ولكن يمكن أن يقال: -أولاً: - إنَّ مسعدة بن صدقة لم تثبت وثاقته إلا على بعض المباني، ولكن هذه قضية ثانية.
ثانياً:- إنَّ الأمثلة التي ذكرها الامام عليه السلام هي أمثلة فيها خصوصية ونحتمل أه لأجل تلك الخصوصية قال الامام علي السلام هي حلال وما شاكلها حلال، فمثلاً في المثال الأول ( مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة ) فهنا أنا أحتمل أني حينما لبسته شككت أنه مسروق من قبل البائع فهنا توجد أمارة على أنه ليس بسرقة وهي اليد فإنَّ البائع صاحب يد فبسبب هذه الأمارة تطبيق عليه أحكام غير السارق، فلعل الامام عليه السلام ألغى احتمال الشرقة من باب وجود أمارة، وأما المثال الثاني وهو ( والملوك عندك لعله حرّ قد باع ننفسه أو خدع ) فالمملوك هو قد اشتراه من النخاس والنخاس صاحب يد، فلا يعار أهمية لاحتمال كونه قد خذع أو هو حرّ باع نفسه، فإذاً المثال الأول والثاني يشتركان في وجود أمارة وهي اليد فلعل الامام عليه السلام لم يوجب الفحص من ناحية أنه توجد أمارة ونحن كلامنا في حالة عدم وجود أمارة فنحن نريد اجراء أصل الحل من دون أجراء الامارة أما مع وجود الأمارة فالأمارة نفسها كافية، وأما المثال الثالث وهو ( أو امرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك ) فهنا يوجد استصحاب العدم الأزلي للأختية، وفي الرضاع يوجد استصحاب العدم النعتي، لأنه حينما ولدت في الساعة الأولى لم ترتضع من حليب والدة هذا الرجل جزماً وإن ارتضعت منها فهو بعد ذلك، فنستصحب عدم تحقق الرضاع من والدة هذا الرجل في تلك الفترة - أي حين ولادة هذه المرأة -، هذا مضافاً إلى أنَّه قد جرى العقد ونشك في صحته بعد ذلك فتجري قاعدة الصحة في صحة العقد، فالإمام عليه السلام اعتمد على هذه الأمور وقال ( الأشياء كلها على ذلك ) يعني ما كان من هذا القبيل، يعني إذا كان يوجد أمارة أو أصل أو ما شاكل ذلك، لا أنه إذا لم يكن كذلك يجري أصل الحليّة أيضاً، فإذا يشكل استفادة التعميم من هذه الرواية.
يبقى شيء: - وهو أنَّ الذي نتمسك به لإثبات عدم لوزم الفحص في الشبهة الموضوعية ما هو إلا حديث الرفع، فهو بإطلاقه شامل للشبهة الموضوعية فينفي وجوب الفحص، نعم نقيده في الشبهة الحكمية لأجل الروايات الخاصة.
ولكن قد ينقش في هذا ويقال: - إنَّ الاطلاق إما أن يكون ثابتاً أو ليس بثابت، أما أنه ثابت من زاوية الشبهة الموضوعية ومقيد من زاوية الشبهة الموضوعية ليس بصحيح، فهذا التبعيض في تقييد الاطلاق باختلاف الجهات قد لا يكون عرفياً، فإن قبلت به فبها ونعمت، ولكن إذا شكك شخص من هذه الناحية فلابد وأن نفتش عن شيء آخر يطمأن إليه لإثبات عدم وجوب الفحص في الشبهة الموضوعية، ويمكن أن يقال في هذ المجال إنَّ مسألة الابتلاء بالشبهة الموضوعية ولزوم الفحص قضية ابتلائية لعموم الناس والمعروف بين الفقهاء عدم وجوب الفحص فيها، أما لماذا فهذا ليس بمهم، ولكن هذا هو المعروف عنهم، وهذا يورث الاطمئنان للفقيه بأنَّ الذي وصل إلينا يداً بيد من العصوم عليه السلام هو عدم وجوب الفحص، إذ لو كان الواصل هو وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية فلا أقل يحصل اختلاف بين الفقهاء، فإنه إذا كان المعهود في عصر العصمة والطهارة ومن بعده لزوم الفحص في الشبهة الموضوعية فهذا يلقي بظلاله على فقهائنا في عصر الغيبة ولا أقل يصير بينهم اختلاف واضح، فعدم الاختلاف الواضح يورث للفقيه الاطمئنان بأنَّ هذا هو الحكم الشرعي، أي لا يجب الفحص.
نعم قد يستثنى من مسألة عدم وجوب الفحص في الشبهة الموضوعية موارد معدودة.