42/02/29
الموضوع: - شرائط جريان الأصول العملية - مبحث الأصول العملية.
والاعتراض الثاني للشيخ الأعظم(قده)على الوجه الخامس للزوم الفحص: - إنَّ الفقيه عادة هو يفحص ويفحص عن مجموعة أحكام ويحصل له المقدار المعلوم بالاجمال وبالتالي ينحل العلم الإجمالي، فنحن نعلم بحرمة جملة من الأشياء كالخمر والخنزير والقمار واليانصيب ولحم الكلب وغير ذلك، فيحصل لدى الفقيه علم تفصيلي بمقدار المعلوم بالاجمال من الأحكام الإلزامية من دون فحصٍ فينحل العلم الإجمالي بسبب العثور على مقدار من الأحكام الإلزامية بنحو العلم التفصيلي مساوٍ المعلوم بالاجمال، وكل فقيهٍ قد ضبط ذلك وذكره في رسالته العملية، فهو يعلم كم هو عدد المحرمات أو الواجبات، فلو سئل عن شيء جديد فيستطيع أن يجري البراءة، لأنَّ العلم الإجمالي منحل عنده، لأنه قد عثر على مقدار المعلوم بالاجمال، فيلزم عدم الحاجة إلى الفحص، فالعلم الاجمالي منحل عند كل فقيه بسبب حصول علم تفصيلي له بمقدار المحرمات والواجبات، فيلزم عدم الحاجة إلى الفحص، فكيف تقولون إنَّ أصل البراءة في الشبهة البدوية لا يجري إلا بعد الفحص لوجود علم اجمالي بأنَّ جملة من المحرمات أو الواجبات موجودة؟!، بل لا يحتاج إلى فحص في الوقائع المتعددة ،كما لو سئل في واقعة جديدة كلعبةٍ جديدة أو حيوان أو من الحيوانات قضية من القضايا فإنه يستطيع أن يجري البراءة من دون حاجة إلى الفحص، والحال أنَّك يا صاحب الوجه الخامس ذكرت دليلاً على وجوب الفحص وهو أنَّ الفقيه يوجد عنده علم اجمالي بوجود أحكام إلزامية في بعض الوقائع، ولكن نقول بل لا علم اجمالي له لأنه قد انحل بسبب عثوره على مقدار من المعلوم التفصيلي يعادل المعلوم الإجمالي، وهذه قضية وجدانية ليست قابلة للشك.
وما الفرق بين هذا الاعتراض وبين الاعتراض الأول للشيخ الأنصاري؟والجواب:- إنَّ الاعتراض الأول كان يقول إذا فحص الفقيه في المرة الأولى لو سئل عن شيء وفحص فإما أنه يفترض أنه يعثر على مقدار المعلوم بالاجمال أو لا، فكانت القضية ترديدية، فإما أن يعثر أو لا يعثر، فإن عثر انحل العلم الإجمالي إلى تفصيلي والزائد يجري فيه البراءة من دون حاجة إلى فحص في بقية الوقائع، وأما إذا كان العلم الإجمالي بعد باقياً فيلزمه اجراء الاحتياط في كل الوقائع لأنَّ العلم الإجمالي بعدُ باقٍ، فكانت القضية ترديدية فيرد الاشكال على كلّ شق، أما في هذا الاعتراض الثاني صار إلى واقع الحال فواقع الحال الفقهي غذا كان ينظر فعلمه الاجمالي منحل لأنه يعلم مثلاً بوجود مائة حكم إلزامي ضمن الوقائع وهذه المائة هو قد حصل عليها فيلزم عدم وجوب الفحص إذا سئل الفقيه عن شيء من الأشياء ويمكنه اجراء البراءة من دون فحص، وهل تلتزم بذلك؟! إنَّ هذا إشكال، فإذاً صار الفرق بين الاعتراض الأول والاعتراض الثاني واضحاً، فإنَّ الاعتراض الأول ترديد، وأما الاعتراض الثاني يوجد جزم بانحلال العلم الإجمالي، ولا يخفى لطفه، فليس من البعيد أن الفقيه يستطيع أن يذكر لك الواجبات والمحرمات من دون أن يفحص فيلزم عدم وجوب الفحص إذا سئل عن محرم من المحرمات الجديدة، وهل تلتزم بذلك؟
وردّ الشيخ النائيني(قده) عليه فقال:- نحن عندنا علم اجمالي بوجود تكاليف إلزامية ضمن الألف واقعة حتماً يوجد مائة حكم إلزامي، فمرة نقول إنَّ هذه المائة ليست معلمة بعلامة أبداً، ومرة نقول هي معلمة بعلامة وهي أنَّ روايات الأحكام الإلزامية في الكتب الأربعة، فإذا كان من القبيل الأول فهنا صحيح إذا عثر على مائة حكم إلزامي في مجموع الوقائع الألف كحرمة الأرنب وحرمة الخنزير ووجوب الصلاة ووجوب الحج وغير ذلك فحصلت على مائة حكم إلزامي فانحل العلم الاجمالي ويتم ما ذكره الشيخ الأعظم(قده) ويكون وجيهاً، وبالتالي لا يلزم الفحص في بقية الموارد، وأما إذا قلنا إنَّها معلّمة بعلامة وهو أنَّ هذه الأحكام المائة موجودة في الكتب الأربعة فهنا لا ينحل العلم الإجمالي بالحصول على مائة حكم إلزامي كيفما اتفق بل لابد أن تكون المائة التي عثر عليها الفقيه موجودة في الكتب الأربعة، فلا ينفع العثور على مائة حكم كيفما اتفق، لأنَّ الذي أعلم بثبوته هو مائة حكم معلم بعلامة وهي ( في الكتب الأربعة ) فهي مقيدة بهذا القيد، فلا يكفي العثور على مائة كيفما اتفق من الأحكام الإلزامية، ثم استشهد لذلك بمثال الطومار - والطومار هي الرسائل التي تطوى وتوضع في ظرف - فلو فرض أنّي كنت مديناً لشخص ولكن لا أدري هل أنا مدين له بعشرة درهماً أو خمسة عشر ولكني أعلم بأنها مسجلة في الطومار فهنا لو تردد بين العشرة والخمسة عشر فلا يجوز أن تبني على أنه عشرة وتنفي الزائد بالبراءة وتقول إنه مشكوك، بل عليك أن تفحص كلّ الطومار حتى تتأكد من المقدار، فإذا ثبت أنه عشرة دراهم فسوف ننفي الزائد بالبراءة، وإن ثبت أكثر فستعطيه ذلك المقدار، ومحل كلامنا كذلك، إذ المفروض أنَّ الأحكام المائة موجودة في الكتب الأربعة، فلا يصح أيها الفقيه أن تحصل على مائة حكم كيفما اتفق، بل عليك أن تراجع الكتب الأربعة وتحصل على الأحكام المائة من الكتب الأربعة، ولا يكفي أن تحصل عليها من غير ذلك - لأنَّ بعض الأحكام قد نحصل عليها من الاجماعات والروايات الموجود في مستدرك الوسائل وتحف العقول وليست موجودة في الكتب الأربعة وهذا لا ينفع -، فإذاً لابد من تحصيل المائة حكم من الكتب الأربعة، قال(قده):- ( ألا ترى انه ليس للمكلف الأخذ بالأقل لو علم باشتغال ذمته لزيد بما في الطومار وتردد ما في الطومار بين الأقل والأكثر بل لابد من الفحص التام في جميع صفحات الطومار كما عليه بناء العرف والعقلاء )[1] ، فهو يريد أن يقول إنه هنا أيضاً يلزم الفقيه أن يفحص عن هذه الأحكام المائة في الكتب الأربعة بتمامها.