الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

42/02/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - شرائط جريان الأصول العملية - مبحث الأصول العملية.

ويظهر من الشيخ الأعظم(قده)[1] في الرسائل ربما يوحي كلامه بوجود اعتراضين له في هذا المجال: -

الاعتراض الأول: - صحيح أنَّ المكلف يعلم بوجود عشرة تكاليف ضمن الألف، ولكن إذا فحص وأتم الفحص فالعلم الإجمالي بعد باقٍ على حاله أو أنه ينحل؟، وكيفية انحلاله هو أنه حينما فحص المجتهد فسوف يعثر على واجبات ومحرمات عددها عشرة أو خمسة عشر ولم يجد أكثر من ذلك في عدد الأمارات الألف، فهنا سوف ينحل العلم الإجمالي بوجود هذه المحرمات والواجبات في ضمن هذه العشرة أو الخمسة عشر أما في البقية فلا يوجد عنده علم إجمالي فيها وإنما يوجد عنده شك بدوي، فنحن نسأل هل العلم الإجمالي باقٍ بعد الفحص والعثور على عشرة أو خمسة عشر من الواجبات والمحرمات أو لا يوجد علم إجمالي؟ فإن قلت لا يوجد علم إجمالي في البقية فلازم ذلك أنه في موارد الشبهة الأخرى لو عرضت على الفقيه بأنَّ الشيء الفلاني حلال أو حرام أي توجد إليه سؤالاً ثانياً غير السؤال الأول الذي صار سبباً للفحص، فالسؤال الأول الذي توجه إليه كان حول لحم الأردب وهو ذهب وفحص ثم فحص فوجد عشر تحريمات أو وجوبات أما في الباقي فهل يوجد علم أجمالي بلحاظه أو لا؟ وقد قلنا لو سئل سؤالاً ثانياً غير الأرنب كما لو سئل عن الهدهد وأنه حلال أو حرام؟ فإذا كان العلم الإجمالي منحلاً فهنا يمكنه أن يقول هو جائز ولا حرمة فيه لأصل البراءة، لأنَّ العلم الإجمالي قد انحلّ ولا يلزم الفحص في الباقي وإنما الباقي شبهات بدوية، وكذلك لو سئل عن اللقلق أو عن أشياءٍ أخرى فيمكنه أن يجيب بالبراءة في كل المواد الباقية، لأنه يراجع في عمره مرة واحدة فوجد هذه العشرة محرمات والواجبات أما بقية الموارد فقد انحل فيها العلم الإجمالي فيمكنه أن يجري أصل البراءة فيها ولا يقول بذلك فقيه، وإن قلت إنَّ العلم الإجمالي لا يزول وإنما هو باقٍ فلازمه أنَّ البراءة لا تجري رغم أنَّ الفقيه قد فحص عن لحم الأرنب مثلاً فلا يستطيع أن يجري البراءة لأنَّ العلم الإجمالي بَعدُ باقٍ.

وإن شئت قلت بعبارة أخرى: - إنَّ الفقهاء أو الأصوليون عندهم بحثان في جملة ابحاثهم بحث بعنوان البراءة في الشبهات البدوية، وهذا خلاف بينهم وبين الاخباريين فقال الاخباريون بلزوم الاحتياط وقال الأصوليون بالبراءة.

والاشكال الذي يتوجه على الأصوليين: - هو أنه مادام يوجد لديكم علم اجمالي بوجود محرمات أو واجبات ضمن الألف كيف تصيرون إلى البراءة فإنَّ العلم الإجمالي يمنع من البراءة؟

وقد أجابوا عن ذلك:- بأنَّ العلم الإجمالي منحلٌّ بسبب العثور على مقدارٍ كافٍ بمقدار المعلوم بالاجمال، فإنَّ الفقيه ببحثه سوف يظفر بمقدار المعلوم بالاجمال، ومعه تعود الشبهة بدوية بلحاظ الباقي، ولكن عندهم بحث ثانٍ - أي في الخاتمة - وهو أنه هل يلزم الفحص في اجراء البراءة أو لا، وقد قالوا نعم يجب الفحص، وحينئذٍ يحصل التنافي بين البحثين، فهنا قالوا قد انحل العلم الإجمالي، فلو انحل العلم الإجمالي بالظفر بقدار المعلوم بالاجمال فحينما تصلون إلى مبحث لزوم الفحص في اجراء البراءة لابد أن يكون العلم الإجمالي منحلاً أيضاً بسبب الظفر بمقدار المعلوم بالاجمال ولا داعي إلى وجوب الفحص؟ هذا إشكال يوجه إلى الأصوليين فكيف الجواب عنه؟

ربما يظهر من كلمات الشيخ الاجابة عنه بهذا الجواب وحاصله:- إنَّ العلم الإجمالي بسبب البحث الأول في المورد الأول لا يزول وإنما يبقى ولكن الذي نريد أن نلفت النظر إليه أنَّ المعلوم بالاجمال مقيّد بقيد ومُعلَّم بعلامة، وهي أننا نعلم بوجود أحكامٍ عشرة أو عشرين ضمن الألف لو فُحِص عنها لعثر الفقيه عليها، فهي معلّمة بهذه العلامة، وحينئذٍ نقول في البحث الأول إنَّ الفقيه يلزم أن يبحث - ومقصودي من المبحث الأول هو مبحث البراءة والمبحث الثاني هو لزوم الفحص - فهو في ذلك المورد يفحص فحيث إنَّ المعلوم بالاجمال معلّم بعلامة فهو فحص وفحص فلم يظفر بدليل يدل على تحريم لحم لأرنب مثلاً، فحينئذٍ من حقه أن يفتي بالجواز والبراءة، ولكن العلم الإجمالي بَعدُ باقٍ ولا يزول، فحينما نصل إلى البحث الثاني - أي مبحث هل يلزم الفحص - نقول يلزم الفحص، لأنَّ لعلم الإجمالي بَعدُ باقٍ، نعم لحم الأرنب خرج عن كونه مصداقاً للمعلم بالإجمالي لا أنَّ العلم الإجمالي قد انحل، بل هذا الطرف ليس من العلوم بالاجمال وهو قد خرج عن المعلوم بالاجمال فيفتي الفقيه فيه بالبراءة، لأنه لم يظفر بدليل على تحريمه، ولكن علمه الإجمالي بَعدُ باقٍ، فهو يعلم اجمالاً بوجود محرمات لو فحص عنها لوجد دليلاً على تحريمها، فالعلم الإجمالي باقٍ على حاله ولكن لحم الأرنب خرج عن المعلوم بالاجمال فهو ليس مصداقاً للمعلوم بالاجمال لا أنَّ العلم الإجمالي قد انحل، فإذا خرج عن المعلوم بالاجمال فسوف يفتي الفقيه فيه بالبراءة، ولما كان العلم الإجمالي بَعدُ باقٍ على حاله فحينما يصل الفقيه إلى مبحث لزوم الفحص فسوف يفتي بلزوم الفحص، وأيّ شبهة جاءته فلو سئل عن غير لحم الأرنب كما لو سئل عن لحم الهدهد مثلاً فهنا يحتاج إلى فحصٍ جديد، لأنَّ العلم الإجمالي بَعدُ باقٍ على حاله ولم ينحل، وإنما خرج الأرنب من المعلوم بالاجمال لا أنَّ العلم الاجمالي قد انحل، وقد تبنى هذا الجواب الشيخ العراقي(قده)[2] أيضاً.


[1] فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج2، ص414.
[2] نهاية الأفكار، العراقي، ج2، ص472.