الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

42/02/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - شرائط جريان الأصول العملية - مبحث الأصول العملية.

الاشكال الثاني:- أنَّ الآية الكريمة والرواية الشريفة ناظرتان إلى حالة العلم الإجمالي بالتكاليف إما حتماً وإما احتمالاً، ويكفينا الاحتمال، فتصير حينئذٍ مجملة وليست شاملة للشبهة البدوية من دون علم اجمالي، ونحن كلامنا أنه في الشبهات البدوية نريد أن نرجع إلى البراءة أما مع وجود العلم الإجمالي فلا يجوز الرجوع إلى البراءة وهذه الأدلة ناظرة إلى حالة العلم الإجمالي وفي حالة العلم الإجمالي لا تجري البراءة، ونحن بيّنا فيما سبق أنه أولاً يلزم على الفقيه أن يحلّ العلم الإجمالي بأن يعثر على المعلوم بالاجمال من الواجبات والمحرمات فآنذاك يأتي الكلام أنَّ البراءة تجري من دون فحصٍ أو أنها تجري مع الحاجة إلى الفحص، فالآية والرواية ناظرتان إلى حالة العلم فيكونان خارجتان عن محل الكلام.

وفي مقام التعليق نقول: - إذا نظرنا إلى الآية الكريمة لم نجد فيها إشارة إلى حالة وجود علم إجمالي، فلماذا تحمّلها ما لم يذكر في لسانها؟!! فإنه لم يذكر في لسانها مثلاً ( أيها الناس في حالة العلم الاجمالي فلولا نفر من كل فرقة ) بل مادام يوجد عندك شك فلابد أن تنفر للتعلّم، وهذا مطلقاً سواء كان عندك علم اجمالي أو لم يوجد، فلسان الآية الكريمة لا يوجد في لسانها التقييد بحالة العلم الاجمالي، نعم إذا نظرنا إلى الرواية فقد نجد في بعض فقراتها إشارة إلى ما يقول، فمثلاً فقرة ( قد سئل عن الحجة البالغة، فقال:- إنَّ الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة عبدي أكنت عالماً فإن قال نعم قال أفلا عملت بما علمت ) يعني أنَّ هذه الفقرة ناظرة إلى حالة العلم، وهذه مساعدة للمحقق العراقي(قده) فإنَّ الرواية في شقها الأول يمكن أن نقول هي ناظرة إلى حالة العلم الاجمالي، ولكنها قالت في الشق الثاني ( وإن قال كنت جاهلاً قال له أفلا تعلمت ) وهذا يضرّ المحقق العراقي(قده)، فهي هنا أوجبت التعلّم رغم عدم وجود العلم الإجمالي بالأحكام، وهذا ردّ عليه.

الاشكال الثالث:- إنَّ الآية والرواية ناظرة إلى حالة كون الفحص مؤدياً إلى العلم بالحكم، وإذا كان الفحص مؤدياً إلى العلم بالحكم فكلنا متّفق على لزوم الفحص مادام لو فحصت فحتماً سوف تصل إلى الحكم وهذا خارج محل الكلام والكل هنا متفق على لزوم الفحص، وإنما محل كلامنا فيما إذا كان الفحص لا يوصلنا إلى الأحكام بنحو الجزم وإنما قد يوصلنا إلى الحكم وقد لا يوصلنا وقد يوجد حكم يوصلنا إليه وقد لا يوجد حكم، فعلى هذا الأساس هذه الآية والرواية لا تنفعانا لأنها ناظرة إلى حالة كون الفحص مؤدياً إلى العلم بالحكم، ونحن كلامنا في حالة كون الفحص لا نعلم أنه يؤدي إلى الحكم أو لا يؤدي إليه فتكون هذه خارجة عن محل الكلام.

وفي مقام الجواب نقول:- إنَّ الرواية في فقرتها الثانية قالت ( وإن كان جاهلاً قال له افلا تعلمت حتى تعمل )، فهذه الفقرة قد تساعد المحقق العراقي(قده)، يعني أنَّ فحصه يؤدي إلى الحكم وبالتالي سوف يعمل، فهذه الفقرة قد توحي بما ذكره، ولكن لو ذهبنا إلى الآية الكريمة لم نجد فيها هذا الإيحاء فإنها قالت ﴿ فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ﴾ فإنَّ التفقه وتعلّم الأحكام هو واجب، فعلى هذا الأساس هذه الآية الكريمة تدل على وجوب التعلّم والفحص ولا يوجد فيها ( إذا كان الفحص والتعلّم يؤدي إلى العمل ) بل قد يؤدي إلى العمل وقد لا يؤدي إليه، فعلى هذا الأساس المستفاد من الآية الكريمة أنَّ نفس عدم التعلّم هو موجب لاستحقاق الذنب، فإذاً هذا الوجه ليس بتام لأنَّ آية النفر لا تثبت وجوب التفقّه في حالة ما إذا أدى إلى العمل، بل سواء أدى إلى العمل أو لم يؤدّ إليه فالتفقّه بنفسه واجب على المكلّف، وإنما هذا ينفعك في الرواية ولا ينفعك في الآية، فإذاً الآية الكريمة تثبت وجوب التعلّم مطلقاً سواء أدى إلى العمل أو لم يؤد إليه.

وبهذا اتضح أنَّ جميع إشكالات المحقق العراقي(قده) على هذا الوجه قابلة للمناقشة، وبالتالي ليس من البعيد أن يقال إنَّ هذا الوجه تام وهو يدل على أنَّ الفحص وتعلّم الأحكام شيء لازم، فلا يتمكن الفقيه أن يجري البراءة من دون فحصٍ، بل نفس التفقّه والتعلّم هو واجب بمقتضى الآية الكريمة سواء أدى التفقّه إلى العمل أو لم يؤدّ إليه فإنَّ هذه قضية ثانية، ولكن نفس التفقّه والتعلّم شيء واجب ولا يمكن إجراء البراءة من دون تفقّه وتعلّم، إذ لو كان يمكن إجراء البراءة من دون تفقّه وتعلّم لما كان هناك حاجة إلى التفقّه والتعلّم، ولكانت الآية الكريمة تقول اجرِ البراءة رأساً من دون حاجة إلى تفقّه وتعلّم.

الوجه الخامس: - أن يقال إنه يوجد لدى المكلف علم إجمالي في مجموع الوقائع، ففي هذه الألف واقعة مثلاً يوجد مائة حكم إلزامي جزماً منها خمسين وجوباً وخمسين تحريماً مثلاً، ومادام هذا العلم الإجمالي موجوداً فكل واقعة من هذه الوقائع المائة مثل التدخين نشك أنه حرام أو لا فهنا لا يمكن اجراء البراءة قبل الفحص لاحتمال كونه من أحد تلك المحرمات الخمسين، هكذا قل.

أو قل بعبارة أخرى: - نحن عندنا علم إجمالي في مجموع الوقائع المائة بوجود أمارات من أخبار أو شهرات أو غير ذلك تدل وترشد إلى واجبات أو محرمات بقدر خمسين، فهنا يجب الفحص لاحتمال وجود خبرٍ في هذا المورد الذي أريد أن جري فيه البراءة يدل على الوجوب أو يدل على التحريم.

هذه صياغة جديدة لإثبات لزوم الفحص حتى يخرج المورد المشكوك الذي نريد أن نجري فيه البراءة عن الطرفية للعلم الإجمالي وإلا لا تجري البراءة، لأنه في أطراف العلم الاجمالي إما أن تجري البراءة في الجميع، أو لا تجريها أبداً، أما أنها تجري في بعض الأطراف دون بعضٍ فهذا ترجيح من دون مرجح، أما إذا فحصنا ولم نجد دليلاً على الحرمة أو الوجوب فسوف يخرج هذا المورد من الطرفية للعلم الإجمالي وحينئذٍ لا مانع من اجراء البراءة عن وجوبه أو حرمته.