الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

42/02/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - شرائط جريان الأصول العملية - مبحث الأصول العملية.

إن قلت: - صحيح أنَّ هذا الحديث وارد لإمضاء ما عليه المرتكزات العقلائية والمرتكزات العقلائية تقتضي لابدية الفحص، ولكن نقول نحن فحصنا وبحثنا وتتبعنا فلم نجد دليلاً يدل على أنه يجب الاحتياط قبل الفحص في باب الشبهات التي يشك فيها في حرمة الشي أو عدم حرمته أو وجوبه وعدم وجوبه، وإذا لم يكن هناك دليل يدل على لزوم الفحص فحينئذٍ نجري البراءة عن لزوم الفحص فإنها براءةٌ بعد الفحص، وتصير النتيجة هي جريان البراءة من دون فحص، وبذلك يثبت عدم وجوب الاحتياط قبل الفحص، وسوف تكون النتيجة هي أنَّ المكلف في سعة.

قلنا: - نحن نجيب عن ذلك بجوابين: -

الأول: - إنه حصل التباس في معرفة مقصودنا، فحينما قلنا هل تجري البراءة قبل الفحص فإنَّ مقصودنا هو جريان البراءة قبل الفحص في المورد الخاص، يعني مثلاً حرمة التدخين فيلزم أن نبحث عن دليل يدل على حرمة التدخين بخصوصه، فإذا فحصنا عن هذا المورد بالخصوص ولم نجد دليلاً أجرينا البراءة حينئذٍ، وكذلك في وجوب الدعاء عند رؤية الهلال، فإنه إذا فحصنا عن هذا المورد بالخصوص ولم نجد دليلاً أجرينا البراءة، فالكلام هو في وجوب الفحص الذي يرتبط بالمورد الخاص، وأنت قلت في اعتراضك هذا إننا قد فحصنا عن وجوب الاحتياط في الشبهة البدوية قبل الفحص، ولكن هذا فحص عن الشبهة الكلّية وليس عن الشبهة في هذا المورد الخاص كحرمة التدخين أو وجوب الدعاء عند رؤية الهلال أو في كل مورد بخصوصه، فمحل كلامنا هو عن الفحص في المورد الخاص المرتبط بالقضية الجزئية، فهذا نحن نريد أن ندّعي بأنه لازم، ولا معنى لرد هذا بأن تقول نحن فحصنا فلم نجد دليلاً يدل على وجوب الاحتياط في الشبهة - يعني بعنوان الشبهة الكلية - قبل الفحص، فمحل كلامنا شيء وأنت ذهبت وتمسكت بشيءٍ آخر، فأنت نظرت إلى الشبهة الكلية وأنه لا دليل في الشبهة الكلية على لزوم الفحص فنجري البراءة، وهذا لا ينفعنا في إثبات ما نريد، فإن ما نريده هو أنَّ الفحص عن المورد الخاص فهذا نريد أن نقول هو لازم قبل إجراء البراءة لأجل أنَّ دليل البراءة هو وارد لإمضاء لما عليه العقلاء والعقلاء يبحثون عن الدليل أولاً ثم يجرون البراءة، فإذاً محل كلامنا شيء وأنت تمسكت بشيء آخر، فمحل كلامنا هو أنه في كل موردٍ بخصوصه إذا شككنا في هذا المورد هل يجب الدعاء عند رؤية الهلال مثلاً فهنا كلامنا هل يجب الفحص عن وجوب الدعاء فإن لم نجد فسوف تجري البراءة عن وجوب الدعاء، بينما أنت أخذت عنوان الشبهة بشكل كلي وهنا صحيح أنه لا يوجد دليل على أنه في كل شبهة يجب الفحص أولاً ثم تجري البراءة، ولكن ليس محلاً للكلام حتى تتمسك به، بل محل الكلام ما أشرنا إليه.

الثاني: - إذا سلّمنا الارتكاز وأنه هناك ارتكاز عقلائي على لزوم الفحص قبل تطبيق البراءة، فحينئذٍ إذا لم يكن دليل البراءة صالحاً للردع عن ذلك الارتكاز فيصير ذلك الارتكاز ممضىً ويكون هو دليلاً على جوب الفحص، فإذاً قد أتينا لك بدليل على وجوب الفحص.

وبهذا اتضح أنَّ الاشكال الأول الثاني على الوجه الأول للزوم الفحص ليسا تامين، فيكون هذا الوجه للوزم الفص تاماً لحد الآن.

ولكن نقول اعتراضاً على الوجه الأول: - من أين لك أنَّ دليل البراءة جاء إمضاءً لما عليه العقلاء فإنَّ هذه دعوى، نعم العقلاء عندهم هذا الشيء وهو أنه إذا فحصوا عن شيء ولم يجدوا دليلاً بالإلزام أو بالترك فهم يجرون البراءة، ولو قلت: - من أين لك هذا فهل هناك شاهد على ذلك؟ قلت: - لو كانت عندي سيارة مثلاً وأردت أو أوقفها في مكانٍ فسوف أنظر هل توجد لوحة تمنع الوقوف أو لا فإن لم أجد ذلك فسوف أوقفها في هذا المكان، وما شاكل ذلك من الأمثلة، ففي حياتنا العقلائية نفحص أولاً ثم نطبق الاباحة والبراءة، فإذاً الفحص ثابت عند العقلاء، فكون الارتكاز العقلائي مختص بحالة ما بعد الفحص شيء جيد وحديث البراءة وارد كإمضاء لذلك، وبالتالي سوف يتقيّد دليل البراءة بما بعد الفحص، ولكن نقول يوجد اعتراض على هذا:- وهو أنَّ دعوى حديث البراءة وارد كإمضاء لما عليه العقلاء - يعني أنه ناظر إلى ما عليه العقلاء ويريد أن يمضي ذلك – هي دعوى لا دليل عليها، نعم هو يقول شيئاً يتناغم مع ما عليه العقلاء ويتلاءم معه ولكن لا أنه وارد لبيان ذلك المطلب العقلائي، وإنما هو وارد لبيان لمطلبٍ كلّي أوسع، وهذا احتمال وجيه، فإنَّ ( رفع عن أمتي ما لا يعلمون )، فكل شيء لا تعلم به فهو مرفوع عنك، فهو يريد أن يفيد مطلباً وسيعاً، ونحن لا نريد أن ننكر بأنَّ الارتكاز العقلائي ببعدية الفحص، ولكن الذي نريد أن ننكره وهو أنَّ حديث الرفع وارد كإمضاء، فنجن ننكر هذه المقدمة، ولا نريد أن ننكر أن الارتكاز العقلائي، وإنما نحن نشكك في دعوى كون حديث الرفع وارد كإمضاء ما عليه العقلاء فنقول إنَّ دعوى الامضاء هي أوّل الكلام، فهو لم يثبت أنه وارد كإمضاء وإنما يريد أن يبين مطلباً كلياً وسيعاً يتناغم في الجملة مع ما عليه العقلاء، ولكن غاية ما عليه العقلاء دائرته ضيقة أما هو فيريد أن يبين مطلباً وسيعاً أوسع مما عليه العقلاء، لا أنه يريد أن يمضي ما عليه العقلاء في سلوكهم، ففكرة الامضاء لما عليه العقلاء نحن لا ننكرها، بل نقول هو يريد أن يبين مطلباً كلياً فإنه رفع عن أمتي ما لا يعلمون ولو قبل الفحص، فإذا كان الأمر كذلك - ولو أننا أبرزنا هذا على مستوى الاحتمال الوجيه - فعليه لم يكن هذا الدليل هو إمضاء لما عليه العقلاء، نعم هو موافق لهم في بعض المطلب ولكن ليس يريد أن يمضي الدائرة التي هم عليها لا أوسع من ذلك، فإذاً هذا الدليل محل مناقشة لما أشرنا إليه.