الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

42/02/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - التنبيه السابع ( الدوران بين الأقل والأكثر في الشك في المحصِّل ) - الدوران بين الأقل والأكثر - مبحث أصالة الاشتغال ( الشّك في المكلف به )- مبحث الأصول العملية.

وأما الشك في الموضوع: - فله ثلاث حالات أيضاً: -

الحالة الأولى: - كما لو قال ( أكرم كل فقير )، أو قال ( لا تكرم أي ظالم )، فحينما قال ( أكرم كل فقير ) وأنا شككت أنَّ شخصاً هو فقير أو ليس بفقير فهنا يوجد شك في أصل فقره والمناسب هو البراءة، لأنه شك في أصل التكليف، وأما إذا كان الحكم تحريمياً فلو شككت في أنَّ هذا الشخص ظالماً أو ليس بظالم فهذا شك في أصل التكليف فيكون مجرى للبراءة، ولا فرق بين أن يكون العام استغراقيا ًأو مجموعياً، والاستغراقي يعني وجوبات متعددة بعدد أفراد الفقير، فلو كان عدد الفقراء مائة يعني مائة حكم في مقام الفعلية، فيجب إكرام هذا ويجب إكرام ذاك .... إلى المائة فرد، فلو أكرمت منهم خمسين دون خمسين فتوجد خمسين إطاعة وخمسين عصيان، وأما العموم المجموعي يعني أنَّ الحكم واحد والمطلوب هو المجموع من حيث المجموع، فأنا أريد أكرام كل الفقراء بوجوب واحد وليس بوجوبات متعددة كالإيمان بالأئمة عليهم السلام فإنه بوجوب واحد وإذا لم تؤمن بإمام واحد فكأنك لم تؤمن بأيّ إمام أبداً، فهو ليس وجوبات متعددة حتى تقول أنا مطيع من هذه الناحية دون تلك، كلا بل إذا لم تؤمن بإمام واحد فسوف تعدُّ غير مطيع رأساً، وهذا عام مجموعي بمعنى أنه يوجد حكم واحد للمجموع من حيث المجموع لا أنها أحكام متعددة بعدد أفراد المجموع، فنحن نريد أن نقول سواء كان العام مجموعياً أو استغراقياً فالحكم الذي ذكرناه يأتي في كليهما، وهو أنه إذا شككت بأنَّ هذا فقير أو ليس بفقير فلا يجب إكرامه سواء كان الحكم استغراقياً أو مجموعياً ولكن لا أدري أنَّ هذا الحكم الواحد موضوعه هو التسعة والتسعين أو المائة، فإن كان هذا الواحد من المائة فقيراً فيجب إكرامه فيكون داخلاً وإلا فلا، ومادمت لا أعلم بدلك فيكون مجرى للبراءة، لأنه يوجد شك في سعة التكليف.

فإذاً خرجنا بالضابط الأول في باب الشك في الموضوع، وهو إنه إذا كان الشك في التكليف بلحاظ الموضوع بأن كان شك في فردٍ أنه فقير حتى يشمله عموم ( أكرم كل فقير ) أو لا، أو ( يحرم إكرام كل ظالم ) ففي مثل هذه الحالة لو شككنا أنَّ هذا الشخص ظالماً أو ليس بظالم فحينئذٍ لا يحرم إكرامه.

فإذاً الضابط في الشك في فردية فردٍ للموضوع هو البراءة سواء كان الحكم وجوبياً أو تحريمياً وسواء كان العام مجمعياً أو كان استغراقياً، فعلى جميع التقادير يكون الشك في أصل التكليف وهو مجرى للبراءة، غاية أنَّ الشك تارة يكون في أصل التكليف وتارة في سعته، فبلحاظ التسعة والتسعين أعلم بوجود التكليف أما بلحاظ السعة وهي الزيادة على التسعة والتسعين بواحدٍ فأنا أشك فيها فيكون مجرى للبراءة.

ونذكر شيئاً: - وهو أنه إذا كان المورد من العموم الاستغراقي، فالشك في فردية فرد للعام وأنَّ هذا فقير أو ليس بفقير يكون من قبيل الأقل والأكثر الاستقلاليين، أما إذا كان العموم مجموعياً فالشك في فردية فرد وأنَّ هذا فقير أو ليس فقير فهذا دوران للأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين، لأنَّ الوجوب واحد فيصير دوران بين الأقل والأكثر الارتباطيين، ولكن في كليهما المورد مجرى للبراءة، نعم من يبني في الارتباطيين على الاشتغال لابد أن يبني هنا على الاشتغال، ولكن حيث نبني على البراءة وفاقاً للشيخ الأعظم(قده) فنبني على البراءة هنا أيضاً.

الحالة الثانية: - أن يكون الاطلاق بدلياً، كما لو فرض أنه قال ( أكرم عالماً ما ) فالمطلوب هو وجوب إكرام عالم واحد على نحو البدل - والاطلاق بدلياً بلحاظ الموضوع إنما يتصور في باب الحكم الوجوبي فقط ولا يتصور في باب الحكم التحريمي - وأدرت أن أكرم شخصاً ولكن شككت هل أنه عالم أو ليس بعالم حتى يجزيني أكرام واحد، فهو قال لي ( أكرم عالماً ما ) فهذا إطلاق بدلي بلحاظ الموضوع والعالم موضوع ولكني شككت أنه هذا الشخص من الموضوع أو لا فهنا الشك يكون مجرى للاشتغال، لأنَّ التكليف معلوم والشك في الفراغ بإكرام هذا الشخص، فهنا الشك ليس في أصل التكليف وإنما في تحقق الفراغ، فإنا أعلم بوجود تكليفٍ واحدٍ وهو إكرام عالم واحد ولكن لا أعلم أنَّ الفراغ يتحقق بإكرام هذا الشخص أو لا فيكون مجرى للاشتغال، لأنَّ الاشتغال اليقيني يستدعي الفرغ اليقيني.

الحالة الثالثة: - أن يكون الموضوع جزئياً خاصاً، كالتوجه إلى الكعبة أثناء الصلاة أو أثناء التخلّي، فالتوجه أثناء الصلاة أو أثناء ذبح لذبيحة هو واجب، وهو أثناء التخلي حرام، وهذا على مقتضى القواعد بغض النظر عن الروايات، فبمقتضى القاعدة هل أستطيع ذبح الذبيحة إلى جهة غير القبلة وكذلك الصلاة هل يصح أن أصليها إلى غير جهة القبلة؟ كلا لا يكتفى بذلك بمقتضى القاعدة، لأنَّ الذبيحة تحلّ إذا كان ذبحها نحو الكعبة وهذا التوجه ليس من المعلوم أنه توجه نحو الكعبة، فلا تحصل الحلّية، بل لابد أن تحصل على اتجاه الكعبة حتى تحصل الحلّية وإلا فعليك ألا تذبح حتى تتأكد من توجه الذبيحة نحو القبلة، نعم إذا كنت مضطراً فهذه قضية ثانية، أما مع عدم الاضطرار إلى الذبح فحينئذٍ تحرم هذه الذبيحة، فإذاً إذا كان الحكم وجوبياً بلحاظ الموضوع الجزئي يكون مجرى للاشتغال.

وأما إذا كان الحكم تحريمياً كحرمة التخلي إلى الكعبة، وأنا لا أدري هل الكعبة بهذا الاتجاه أو لا - وهذا بغض النظر عن الروايات وإنما نحن والقاعدة - فهنا يجري أصل البراءة.

فإذاً صار فرق بين الحكم الوجوبي والحكم التحريمي، ففي الحكم الوجوبي يكون مجرى للاشتغال، وأما في الحكم التحريمي يكون الحكم هو البراءة، فإذاً ينبغي التفصيل بهذا الشكل.