42/02/03
الموضوع: - التنبيه السابع ( الدوران بين الأقل والأكثر في الشك في المحصِّل ) - الدوران بين الأقل والأكثر - مبحث أصالة الاشتغال ( الشّك في المكلف به )- مبحث الأصول العملية.
الدليل الثاني:- ما ذكره الشيخ النائيني(قده)[1] وهو أنَّه إذا أردنا أن نجري البراءة في باب الشك في المحصِّل فإما أن نجريها عن سببية الأكثر للطهارة - يعني العشرة - أو نجريها عن سببية الأقل للطهارة - يعني التسعة - وجوابه واضح، فإنَّ سببية العشرة للطهارة جزمية، فلا معنى لإجراء البراءة عن سببية الأكثر للطهارة، وإذا أردت أن تجري البراءة عن سببية الأقل للطهارة فلازم هذا سببية الأكثر للطهارة، يعني حصر السببية بالأكثر، وإلا لا يصح نفي الاثنين معاً، فأنت حينما تنفي سببية الطهارة للأقل فهذا معناه أنَّ الأكثر هو سببٌ للطهارة، وبهذا صار أصلاً مثبتاً، لأننا بنفي سببية الأقل للطهارة يصير الأكثر هو السبب للطهارة ولكن هذا أصل مثبت، لأنَّ الملازمة هنا ليست شرعية وإنما هي عقلية، إذ العقل يقول إذا لم تكن التسعة هي السبب للطهارة فالعشرة هي السبب، وكلّما احتاج الأصل إلى تطبيق ملازمة عقلية غير شرعية فسوف يكون أصلاً مثبتاً.
والجواب: - نحن نستطيع أنَّ جري البراءة عن سببية الأكثر - أي نختار الشق الأول - فهو قال إنَّ سببية الأكثر للطهارة قطعية فكيف تنفيها، ولكن نقول إنَّ مقصودنا هو سببية الأكثر فقط، فالأكثر فقط هو السبب للطهارة، فإنَّ سببية الأكثر بقيد ( فقط ) مشكوك، فهذا الذي نريد أن ننفيه، فيوجد عندنا شق ثالث في اجراء البراءة عن سببية الأكثر ولكن عن سببية الأكثر فقط للطهارة - أي العشرة بقيد فقط هي سبب للطهارة - وهذا مشكوك فننفيه بالبراءة، وهذا شق آخر لم يذكره الشيخ النائيني(قده) والحال أنه قابل للجريان، بذلك تنتفي سببية الأكثر بحدّها بإجراء البراءة.
ولو قلت: - إنك بهذا تريد أن تثبت سببية الأقل، فإن أردت هذا صار أصلاً مثبتاً؟
قلت: - إني لا أريد أن أثبت سببية الأكثر وإنما أريد نفي سببية الأكثر، فالأكثر ليس سبباً، أما سببية الأقل فهي ثابتة باليقين، أما أنَّ الأكثر هو السبب فهذا أشك فيه فأنفية بالبراءة.
الدليل الثالث: - ما ذكره الشيخ النائيني(قده)[2] أيضاً حيث قال: إنّ أصل السببية لا تجري البراءة عنها بقطع النظر عن سببية الأقل أو الأكثر، لأنها أمر انتزاعي وليست مجعولاً شرعياً، فسببية هذا أو سببية ذاك ليست مجعولة من قبل الشارع، فالشارع لا يجعل السببية وإنما يجعل الوجوب، فلا يمكن أن يقال نحن نجري البراءة عن سببية الأكثر أو نجريها عن سببية الأقل، فكلا الاثنين لا يجريان، لأنَّ السببية ليست أمراً مجعولاً إنما هي أمر انتزاعي، وبذلك لا تجري البراءة، وإذا لا تجري البراءة يعني أنَّ حديث الرفع لا يشمل إلا الأمور المجعولة، وحينئذٍ لا يمكن أن نثبت أنَّ سببية الأكثر مرتفعة، وأما سببية الأقل فهي ثابتة بالوجدان ولا يحتاج أن ننفيها أو نثبتها بالأصل، فالتالي لا يمكن أن نجري البراءة عن سببية الأكثر باعتبار أنَّ السببية أمراً انتزاعياً وليست أمراً مجعولاً والبراءة - أعني حديث الرفع - لا يجري إلا بلحاظ الأمور المجعولة، فإذاً لا يمكن أن نثبت أنَّ الواجب هو الأقل إلا بنفي سببية الأكثر وقد قلنا عن السببية ليست أمراً مجعولاً.
ولكن نقول: - إنَّ الذي نستعين به ليس هو السببية حتى تقول ( لا يمكن نفي السببية لأنها أمر انتزاعي وليس أمراً مجعولاً فلا يشملها حديث الرفع فإنَّ حديث الرفع يختص بالأمور المجعولة وليس الأمور الانتزاعية )، وإنما يوجد طريق آخر وذلك بأن نقول:- نحن نجري البراءة عن وجوب الطهارة من خلال العشرة، فنحن نشك هل الطهارة من خلال الأجزاء العشرة واجبة أو لا فنحن نشك في وجوبها فنرفعها بالبراءة، أما الطهارة من خلال التسعة فجزماً هي واجبة ولا يوجد عندنا شك فيها وإنما الشك في الزيادة - أي وجوب الطهارة من خلال العشرة - فنجري البراءة عن الزيادة.
فإذاً السببية ليست هي الواسطة الوحيدة لتطبيق البراءة، كلا وإنما هذا مصطلح استعان به الأصوليون ولكن يمكن أن نتركه ونجري البراءة كما أشرنا، فنحن نجري البراءة عن وجوب الطهارة من خلال العشرة، فنحن نشك أنَّ الطهارة من خلال العشرة أجزاء واجبة أو لا فننفي ذلك البراءة، أما الطهارة من خلال التسعة فتلك نعلم بوجوبها.
إن قلت: - إنك بنفي الطهارة من خلال العشرة ليست واجبة فبهذا تريد أن تقول إنَّ الطهارة واجبة من خلال التسعة، والملازمة هنا ليست شرعية فصار أصلاً مثبتاً.
قلت: - إنَّ الطهارة من خلال التسعة نجزم بوجوبها، ولكن الكلام في وجوب الطهارة من خلال العشرة، فإذاً نحن لا نريد أن نثبت وجوب الطهارة من خلال التسعة بواسطة تطبيق البراءة على وجوب الطهارة من خلال العشرة وأنه بنفي وجوب العشرة نثبت وجوب التسعة حتى تقول إنَّ الملازمة هنا ليست شرعية، كلا بل وجوب الطهارة من خلال التسع معلوم وإنما الشك في الزيادة، فوجوب الطهارة من خلال العشرة مشكوك فننفيه بالأصل.
الدليل الرابع: - إنَّ البراءة إذا جرت لنفي سببية الأكثر للطهارة فسوف يثبت لزوم إحراز الطهارة من خلال الأقل، فلو أردنا أن ننفي سببية الأكثر فهذا معناه أنك تريد أن تثبت سببية الأقل لحصول الطهارة، أي نريد أن نثبت أنَّ الذمة مشغولة بحصول الطهارة من خلال التسعة، وهذا أصل مثبت، ولا يمكن للأصل اثبات ذلك. وهذا الدليل لم يذكره أحد.
وجوابه: - نحن لا نريد أن نحرز أنَّ الذمة قد اشتغلت بالطهارة من خلال التسعة حتى تقول ( إنَّ هذا أصل مثبت إذ الملازمة بين نفي وجوب العشرة واثبات وجوب التسعة ليست شرعية )، وإنما وجوب التسعة معلوم بالوجدان، فالذمة نعلم باشتغالها بالطهارة الحاصلة من تسعة أما الزائد فهو مشكوك فننفيه حينئذٍ بالبراءة، فنحن لا نريد أن نثبت سببية الأقل لحصول الطهارة حتى يكون أصلاً مثبتاً.
وبهذا اتضح أنَّ هذه الوجوه الأربعة التي قد يستدل بها على أنَّ الشك في المحصِّل يلزم الاشتغال فيه - والاحتياط - قابلة للتأمل، والمناسب هو اجراء البراءة وفاقاً لما نسب إلى السيد الشيرازي الكبير(قده).