42/01/24
الموضوع: - التنبيه الخامس ( دوران الأمر بين التعيين والتخيير ) - الدوران بين الأقل والأكثر - مبحث أصالة الاشتغال ( الشّك في المكلف به )- مبحث الأصول العملية.
وقال الشيخ العراقي(قده): - إنه تحصل معارضة بين براءتين، حيث توجد عندنا براءة وهي أنَّ الشخص إذا صام شك في اشتغال ذمته بالإطعام فيجري البراءة، وهذه هي البراءة الأول، ولكن الشيخ العراقي(قده) ذكر شيئاً آخر حيث قال أنه قبل أن تطعم أو تصوم نقول إنه إذا كان الوجوب تخييرياً كما كان هي النتيجة على الاقتراح الذي نحن بيناه فنحن بعد أن صمنا وأكملنا الصوم أجرينا البراءة عن وجوب الإطعام وسوف تصير النتيجة هي البراءة عن تعيّن الإطعام وأني مخيّر، ولكن هنا يوجد محذور من التخيير، لأنني إذا أردت أن أقول أنا مخيّر بينهما فمعنى ذلك أنه يحرم ضم ترك الاطعام إلى ترك الصيام ويحرم ضم ترك الصيام إلى ترك الاطعام، فضم ترك هذا إلى ضم ترك ذاك يصير حراماً وأنا أجري البراءة عن حرمة الضم، فدائماً لازم الوجوب التخييري هو حرمة ضم ترك هذا إلى ترك ذاك، فهذه البراءة عن حرمة الضم تعارض تلك البراءة التي نحن اقترحناها، وبالتالي لا يمكن جريان البراءة الأولى لمعارضتها بهذه البراءة الثانية التي اقترحناها، لأنَّ نتيجة البراءة الثانية التي اقترحناها هي أنه إذا أجرينا البراءة عن حرمة الضم فسوف يصير الوجوب تعيينياً، لأنه إذا كان تخييرياً فتوجد حرمة ضم هذا الترك إلى ذاك ونحن أجريانا البراءة عنه، وإذا كان تعيينياً فلا توجد حرمة ضم لأنه يوجد واحدٌ وسوف يصير من باب حرمة ترك الواحد التعييني، فإذاً تلك البراءة معارضة بهذه البراءة فتتساقطان وبذلك يثبت الاشتغال، وتصير النتيجة هي أنه لابد من الإطعام ولا يكفي ذلك العدِل المحتمل وهو الصيام. [1] [2]
وفي الجواب نقول:- إنَّ حرمة ضم هذا إلى ذاك وبالعكس هي ليست حرمة شرعية مجعولة وإنما هي تعبير آخر عن جوب الجامع، فدائماً إذا كان أحد الفردين واجباً - إما الاطعام أو الصيام - فهذا يعني حرمة ضم ترك هذا إلى ترك ذاك وبالعكس، فإذاً وجوب الجامع ليس شيئاً مغايراً لهاتين الحرمتين المنضم أحدهما إلى الأخرى بل هو هما وهما هو، فأنت دائماً حينما تقول إنَّ الجامع بين الاثنين واجباً فهذا يعني أنه يحرم ضم ترك هذا إلى ترك ذاك وبالعكس، وحيث إنَّ البراءة لا تجري عن وجوب الجامع - فإنها متيقنة - فلا تجري البراءة عن حرمة ضمّ ترك هذا إلى ذاك أو بالعكس، فالبراءة عن هاتين الحرمتين غير قابلة للجريان في حدّ نفسها
والنتيجة: - هي أنَّ هذه البراءة - أي البراءة عن حرمة ضم هذا إلى ذاك وبالعكس - غير قبلة للجريان، لأنَّ هاتين الحرمتين هما عبارة عن وجوب الجامع ووجوب الجامع لا تجري البراءة عنه، فإذاً البراءة لا تجري عن وجوب الجامع ولا تجري عن حرمة وجوب الضم، فهذه البراءة التي اقترحها الشيخ العراقي(قده) لا تجري.
ومن المنبهات الوجدانية على أنه لا توجد حرمة لضم ترك هذا إلى ذاك وبالعكس وأنه لا توجد حرمتان هو أنه إذا كانت توجد حرمتان فلازمه أنَّ يستحق المكلف عقابين إذا ترك كلا الفردين، لأنَّه خالف حرمة ذلك الضم وحرمة هذا الضم والحال أنَّ الأمر ليس كذلك، وهذا دليل واضح على أنه لا توجد حرمتان إنما مرجع هاتين الحرمتين إلى وجوب الجامع، فإذا ترك كلا الفردين فقد خالف الجامع، ويوجد وجوب للجامع وحرمة لترك الجامع، فيستحق عقوبة واحدة لا أنه يستحق عقوبتين.ويوجد شيء آخر وهو أن نقول: - إنَّ البراءة لا تجري عن حرمة هذا الضم ولا عن ذاك في حدّ نفسها، لأنَّ لازم البراءة عن حرمة ضم ترك هذا إلى ذاك - أي إذا كانت البراءة الواحدة لا تجري بغض النظر عن المعارضة - هو أنه إذا تركت الإطعام وتركت الصيام فسوف لا أستحق عقوبة، لأنَّ البراءة قد جرت عن حرمة الضم، فلازمه حينئذٍ جواز ترك هذا وترك ذاك معاً لجريان البراءة، فأصلاً البراءة في نفسها لا تجري عن حرمة الضم من دون مسألة المعارضة بين هذه البراءة وتلك البراءة، بل البراءة باطلة جزماً، لأنَّ لأزم البراءة عن حرمة الضم جواز ضم ترك هذا إلى ترك ذاك - أي جواز ضم التركين - يعني جواز المخالفة القطعية، وهذا غير محتمل.
فإذاً ما أفاده الشيخ العراقي(قده) قابل للمناقشة بما أشرنا إليه.