الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

42/01/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - التنبيه الرابع ( دوران الأمر بين وجوب الخاص ووجوب العام ) - الدوران بين الأقل والأكثر - مبحث أصالة الاشتغال ( الشّك في المكلف به )- مبحث الأصول العملية.

التنبيه الرابع: - دوران الأمر بين وجوب الخاص ووجوب العام.

إنَّ الواجب تارة يدور أمره بين المشروط والمطلق، كما في عتق الرقبة فإما أن يكون الواجب هو عتق الرقبة الذي هو المطلق أو الرقبة المشروطة بالإيمان، وأخرى يكون الدوران بين النوع والجنإن صحّ التعبير - كما إذا فرض أننا لا ندري هل صدر من المولى أمر بإكرام فلان أو إطعامه، فمثلاً قال في باب الكفارة ( إن ارتكبت الشيء الفلاني فأكرم الفقير ) أو قال ( فأطعم الفقير ) والنسبة بين الاكرام والإطعام هو أنَّ الاطعام فرد ونوع من الاكرام والاكرام هو بمثابة الجنس، والمورد ليس من قبيل الشرط والمشروط.والفرق بين الشرط والمشروط وبين النوع والجنس هو أنه في الشرط والمشروط يكون متعلّق الأمر شيئاً واحداً كأعتق رقبة المشروط هو عتق الرقبة الصادق على المؤمنة وعلى الكافرة - أي على المطلق وعلى المقيد - فلاكهما مشمولان لعتق الرقبة ولكن أحدهما مطلق والآخر ليس مقيداً فكلاهما عتق رقبة، أما في باب الجنس والنوع فلا يكونان واحداً وإنما هما اثنان فالإطعام شيء والاكرام شيء آخر، فإن الإكرام غير الاطعام، نعم هو فرد منه ولكن ليس نفسه بخلاف عتق الرقبة بأن يقول ( اعتق رقبة ) فهذا مطلق، أو يقول ( اعتق رقبة مؤمن ) فالاثنين هو عتق رقبة، أما هنا فالاثنين ليسا اطعاماً وإنما أحدهما إكرام الذي يشمل الاطعام وغيره والآخر هو إطعام الذي هو فرد من افراد الاكرام، فالإكرام شيء والاطعام شيء واحد كما في عتق الرقبة المؤمنة وعتق الرقبة المطلقة.

والسؤال: - هو أن نقول إذا كان المورد من المطلق والمشروط بأن شككنا أن الواجب هو عتق رقبة مطلقة أو عتق رقبة بشرط الايمان فما هو الحكم؟ نتمكن أن نقول إن أصل عتق الرقبة التكليف به متيقن وجزمي والزيادة وهي أن يكون العتق عتقاً للرقبة المؤمنة مشكوك فتكون مجرى للبراءة، أما إذا كان المورد من العام والخاص بأن قال إذا افطرت في نهار شهر رمضان أكرم الفقير أو قال أطعم الفقير فهل تجري البراءة هنا؟ فالمناسب هو اجراء البراءة، إذ نقول إنه جزماً ذمتي مشغولة بالإكرام أما الاكرام المقيد بأن يكون إطعاماً فأشك في ذلك فيكون مجرى للبراءة، فقيدية الإطعام مشكوكة الوجوب أما أصل الاكرام في الجملة فأنا أعلم بوجوبه، أما بقيد أن يكون إطعاماً وصداقاً للإطعام فهذا مشكوك فنجري البراءة عن خصوصية الاطعام.

هذا ولكن الشيخ الخراساني(قده) [1] في الكفاية في التنبيه الأول من تنبيهات الدوران بين الأقل والأكثر فصّل وقال:- إنَّ الخاص تارةً يكون من قبيل النوع مثل الحيوان والانسان فإنَّ الانسان هو نوع للحيوان ومثاله في موردنا مثاله الاكرام والاطعام، ومرة يكون المورد من قبيل المشروط والمطلق، فإن كان المورد من قبيل المطلق والمشروط كما في مثال اعتق رقبة أو اعتق رقبة مؤمنة فهنا سلّم بجريان البراءة عن قيد الايمان، لأنه بالتالي الواجب عليَّ هو العتق أما بقيد أن يكون المعتوق مؤمناً فهذا شيء مشكوك الوجوب فتجري البراءة عنه لأنه كلفة زائدة، فإذا توجد موافقة بيننا في هذا المقدار.

ثم قال وأما ما كان من قبيل النوع والجنس فيمكن أن يقال إنَّ هذا من المتباينين - أي يجب الاحتياط - والنكتة في ذلك هي أنَّ المشروط ينتزع من الأمر بالشيء مع الشرط - أي بعتق الرقبة مع الشرط - فنشك في وجود أمر زائد بالشرط فأمر بعتق الرقبة موجود جزماً ولكن توجد زيادة أمر لشرط الايمان فهذا شك في كلفة زائدة فيكون مجرى للبراءة، أما في باب النوع والجنس فإنَّ نوعية النوع ذاتية وليست ناشئة من جهة الأمر، فإنَّ الانسان هو نوع وخاص بذاته لا بسبب الأمر، فإذا كان نوعاً خاصاً بذاته فيصير مردداً بين شيئين ذاتيين، يعني بين الانسان أو الحيوان فإن إنسانية الانسان ذاتية وحيوانية الحيوان ذاتية ولا معيّن لهذا الذاتي على ذاك الذاتي، وفي مثالنا الإطعام والإكرام فإنَّ الاطعام نوعيته ذاتية لا بسبب الأمر صار نوعاً، وكذلك والإكرام جنسيته ذاتية لا بسبب الأمر، فالأمر يدور بين أمرين ذاتيين ولا معيّن لهذا الذاتي على ذاك الذاتي، فلا يمكن اجراء البراءة، قال(قده):- ( لدلالة مثل حديث الرفع على عدم شرطية ما شك في شرطيته وليس كذلك خصوصية الخاص فإنها إنما تكون منتزعة عن نفس الخاص فيكون الدوران بينه وبين غيره من قبيل الدوران بين المتباينين ولا معيّن لهذا بلحاظ ذاك ).


[1] كفاية الأصول، الآخوند الخراساني، ج1، ص367.