42/01/19
الموضوع: - التنبيه الثاني - الدوران بين الأقل والأكثر - مبحث أصالة الاشتغال ( الشّك في المكلف به )- مبحث الأصول العملية.
إن قلت:- ما ذكرته صحيح، فإنَّ الأقل وإن كان متيقناً الفراغ منه والأكثر نشك في أصل اشتغال الذمة وهذا صحيح، ولكن لا تقيدنا بالمصطلحات والألفاظ بل علينا أن نسلك الطريق الصحيح ولا يهمنا تغيير الألفاظ، فنحن لا نأخذ الأقل بعنوانه حتى تقول قد فرغت الذمة منه يقيناً حيث أتينا بالتسعة، ولا الأكثر بشخصه، وإنما نأخذ الاشتغال فنقول كانت ذمتنا مشتغلة بالوجوب جزماً المردد بين بالتسعة أو العشرة، فهذا الاشتغال نشك زال أو لم يزل نشير إلى الاشتغال لا إلى وجب الأقل بخصوصه ولا الأكثر وإنما نشير إلى الجامع، وهو متيقن الحدوث ومشكوك الانتفاء، فهناك شغل ذمة جزي مسبقاً إما بالتسعة أو بالعشرة وبعد الاتيان بالتسعة أشك في زوال ذلك الاشتغال فنستصحب بقاء الاشتغال، وهذا قد تسميه من استصحاب الكلي من القسم الثاني أو لا فإنَّ هذا ليس بمهم، بل عليك أن يجيبني عن هذا؟
قلت: - إنك أخذتنا بالعناوين والمصطلحات والألفاظ وبعنوان شغل الذمّة، ولكن الذمّة لا تشتغل بالاشتغال، فإنَّ الذمة الثابت فيها هو إما الشغل بالتسعة أو الشغل بالعشرة أما أنها تشتغل بأصل الشغل بالكل فهذا لا معنى له، فأنت عليك أن تجيب، فإن قلت إنَّ الذمة مشتغلة بالتسعة فقد فرغت جزماً، وإن كانت مشتغلة بالعشرة فنحن نشك في أصل الاشتغال من البداية وعنوان الشغل ليس إلا مجرد عنوان ومفهوم ولفظ ولا يمكن أن نتمسك بهاذ ونرد الاشكال فلا يوجد عندنا شيء اسمه شغل حتى نقول هو متيقن ومشكوك، وإنما يوجد عندنا شغل بالتسعة وقد زال جزماً أما الشغل بالعشرة فنحن نشك في أصل ثبوته، أما شغل ثالث غير هذين فلا يوجد عندنا العنوان والذمة لا تشتغل بالعناوين.
إن قلت:- صحيح أنَّ الذمة لا تشتغل بالاشتغال بل إما أنها تشتغل بالتسعة وقد ارتفعت أو بالعشرة ونحن نشك في أصل حدوث الاشتغال بها ولكن نحن نشعر أنك غلبتنا بما ذكرت ولكن نحن نشعر بأنه يمكن أن يجري الاستصحاب، وذلك بأن نقول نحن لا نذهب إلى استصحاب الكلي - أي أصل الاشتغال - وإنما نذهب إلى استصحاب الجزئي الشخصي - يعني الشغل بالتسعة - فنقول إنَّ ذمتنا قد اشتغلت بالتسعة جزماً وهذا لا إشكال فيه، وإذا اقتصرت على التسعة فقط فسوف أشك في فراغ ذمتي من التسعة لاحتمال أنَّ التسعة قد اشتغلت بها الذمة بنحو الضمنية، يعني أن الذمة مشتغلة بالعشرة والاشتغال بالتسعة هو اشتغال ووجوب ضمني فأنا احتمل وجوب التسعة هو وجوب ضمني، فأنا أشير إلى التسعة وأقول إن ذمتي اشتغلت بالتسعة جزماً وإذا أتيت بالتسعة أشك بفراغ ذمتي لاحتمال أنَّ وجوب التسعة هو وجوب ضمني لا استقلالي فنستصحب بقاء الاشتغال بوجوب التسعة، وبناءً على هذا سوف لا يصير الاستصحاب من استصحاب الكلي وإنما هو استصحاب جزئي أي استصحاب الشغل بالتسعة.
ونحن نقول افترض أنَّ هذا الاستصحاب ليس استصحاباً ليس كلياً ولكن نقول سواء كان هذا الاستصحاب كلياً أو جزياً فبالتالي أجزم باشتغال الذمة بالتسعة جزماً وإذا افترصت عليها فسوف أشك في فراغ الذمة فيجري استصحاب بقاء اشتغال الذمة بالتسعة فكيف الجواب؟والجواب: - إنَّ الذمة أنا أجزم باشتغالها بالتسعة أما أكثر من ذلك - يعني كون ذلك الوجوب ضمنياً - فهذا لا أجزم به وإنما هذه مؤونة زائدة لا أعلم بها مسبقاً فإنه لم تشتغل بها الذمة بل هي مشتغلة بأصل التسعة، أما القيود من ضمنية أو استقلالية أو غير ذلك فدعنا عنها كلها وإنما ذمتي مشتغلة جزماً بالتسعة وقد أتيت بالتسعة فما اشتغلت به الذمة يقيناً قد فرغت منه يقيناً، أما أنك تقول إن احتمال وجوب التسعة كان ضمنياً فأقول إنَّه لم تشتغل به الذمة فإن هذه مؤونة زائدة ولا يقين باشتغال الذمة بها، فالذمة قد اشتغلت بهذا المقدار وهو وجوب التسعة لا أكثر وقد اتيت بالتسعة وأما وما زاد على ذلك لم تشتغل الذمة به ا
فلا معنى لقولك أنا اشك في سوقط وجوب التسعة لاحتمال كونه ضمنياً فأن هذا الكلام لا يأتي لأن الفرض أنَّ الذي اشتغلت به الذمة سابقاً هو التسعة لا أكثر من ذلك وقد أتيت بالتسعة فصار فراغ جزمي مما اشتغلت به ذمتي والقيد الزائد لم تشتغل به فلا معنى لمراعاته الآن، إذاً الذمة مشتغلة بالتسعة دون الحيثيات الأخرى والتسعة قد أتيت بها، وبهذا سددننا جميع الأبواب.التنبيه الثالث: - الشك في الشرطية أو المانعية.
كما لو شككنا في أنَّ الشيء الفلاني شرط أو ليس بشرط، كما في وضع إحدى اليدين على الأخرى أثناء الصلاة هل هو شرط أو ليس بشرط وهل هو مانع أو ليس بمانع، فرمة نشك في الشرطية وعدم الشرطية ومرة نشك في المانعية وعدم المانعية فهذا هو مقصودنا وليس مقصودنا أننا نشك في أن هذا الشيء الواحد هل هو شرط أو مانع فإن هذا سوف يأتينا فيما، أما هنا فالمقصود هو ما ذكرناه، فمثلاً وضع اليدين على الأرض حين السجود فهل هذا شرط أو ليس بشرط ، ومرة نشك هل حكّ المصلي لحيته أثناء الصلاة مانع من صحة الصلاة أو ليس بمانع، فإذاً هذان شكان وما هو حكمهما؟والجواب: - إنَّ حكم ذلك هو حكم الشك في الجزئية، فكما قلنا إن الشك في الجزئية هو مجرى للبراءة هنا الأمر كذلك، لأنه حينما نشك في شرطية شيء وعدم شرطيته يعني نشك في جزئيته وعدم جزئيته ولا فرق في ذلك، فمثلاً وضع كامل اليد على الأرض حين السجود نشك هل هو شرط او ليس بشرط يعني أنه جزء أو ليس بجزء، وهذا بحكم الجزئية فما قلناه في الجزئية يأتي هنا فنقول إن ذمتنا قد اشتغلت بالقل أما بإضافة هذا فهو مكوك فنجري البراءة عنه، وهكذا بالنسبة إلى من حك لحيته اثناء الصلاة فنحن نشك هل هذا مانع او ليس بمانع وهذا بروحه هو وبمثابة الشك في الجزئية يعني هل جزء من الصلاة أن لا نحكّ اللحية – يعين هو بمثابة الشك في الجزئية، فإذا كنّا نشك فحينئذٍ نأخذ بالمتيقن والزائد يكون منفياً بالبراءة كما قلنا في الجزئية.
والخلاصة أنَّ الشك في الشرطية من حيث الحكم هو بمثابة الشك في الجزئية والشك في المانعية هو بمثابة الشك في الجزئية أيضاً، ولكن في الجزئية هو شك في جزئية الوجود والشك في المانعية هو شك في جزية العدم، فما ذكرناه في الشك في الجزئية يأتي هنا، والمطلب لا يستحق الاطالة أكثر من هذا.