الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

42/01/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - التنبيه الثاني - الدوران بين الأقل والأكثر - مبحث أصالة الاشتغال ( الشّك في المكلف به )- مبحث الأصول العملية.

وفيه:- إنَّ بقاء الوجوب الجامع وعدم بقائه ليس أثراً لحدوث ذلك الزائد - أي لوجوب الجزء العاشر المشكوك - حتى تقول إذا نفينا وجوب ذلك المشكوك الزائد - أي الجزء العاشر أي أصالة عدم وجوب الأكثر - وبضمه إلى وجوب الأقل سوف يثبت بذلك تحقق السقوط ولا يجري آنذاك استصحاب بقاء الوجوب، كلا فإنَّ هذا ليس أثراً لذاك كما أوضحنا، فإنَّ بقاء اشتغال الذمة وعدم بقاء اشتغالها ليس معلولاً وليس أثراً لثبوت الوجوب للجزء الزائد المشكوك حتى إذا نفينا تعلّق الوجوب بالأكثر أو بالجزء الزائد المشكوك يثبت سقوط الوجوب، فإنه لا توجد بينهما ملازمة شرعية أو بالأحرى أنَّ هذا أثر لذاك، وشرط باب الحكومة أن يكون أحد الشيئين أثراً شرعياً للشيء الآخر، كنجاسة الثوب فإنها أثر لإصابة النجاسة له، فلو شككنا في إصابة النجاسة فننفي إصابة النجاسة فينتفي تنجس الثوب، لأنَّ الملازمة بينهما ملازمة شرعية، وتنجس الثوب أثر شرعي لإصابة النجاسة له، فالأصل عدم إصابة النجاسة فتنتفي نجاسة الثوب، وهذا صحيح هناك، أما في موردنا فإنَّ بقاء الوجوب وعدم بقاءه ليس أثراً لتعلّق الوجوب بالجزء العاشر المشكوك حتى يقال مادام وجوب الأقل متيقن عندنا فسوف نضم إليه أصالة عدم تعلّق الوجوب بالجزء العاشر فيكون حاكماً على استصحاب بقاء الوجوب، كلا فإنه لا توجد بينهما ملازمة شرعية وهذا ليس أثراً لذاك وليس مسبَّباً شرعياً لذاك، وفي باب الأصل الحاكم يقول كل الأصوليون أنه لابد أن يكون المحكوم أثراً للحاكم كما مثلنا بنجاسة الثوب وأنها أثر لإصابة النجاسة له فإذا كان أثراً فباستصحاب عدم الإصابة تنتفي نجاسة الثوب، والأمر هنا ليس كذلك كما أوضحنا، فإنَّ بقاء الوجوب وعدم بقاءه ليس أثراً لتعلّق الوجوب بالزائد - أي بالجزء العاشر - حتى ننفي تعلّق الوجوب بالجزء العاشر فنقول إنَّ التسعة واجبة جزماً أما الجزء العاشر فوجوبه منفي بالأصل فإذاً لا يجري استصحاب بقاء شغل الذمة بعد الاتيان بالأقل، كلا فإنه لا توجد بينهما ملازمة شرعية، فلأجل هذا تكون هذه الحكومة التي ذكرها السيد الخوئي(قده) مردودة بما أشرنا إليه.

أما المثال الذي استعان به فجوابه أن نقول: - إنَّ الاستشهاد بهذا المثال مرفوض، والوجه في ذلك: هو أنَّ لهذا المثال خصوصية، والخصوصية هي أنَّ الآية الكريمة تدل على أنَّ من أراد الصلاة فإن كان محدثاً بالأصغر توضأ وإن كان محدثاً بالأكبر فعليه الغسل، فهي قالت ﴿يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلوة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين﴾ وهنا بيّنت الوضوء عن الحدث الأصغر، ثم قالت ﴿ وإن كنتم جنباً فاطّهّروا ﴾[1] يعني اغتسلوا، فإذاً المحدث بالأصغر يتوضأ والمحدث بالأكبر يغتسل، وفي مثل هذه الحالة أنا محدث بالأصغر، أما أني محدث بالأكبر فإنَّ الآية الكريمة قالت إذا كنت محدثاً بالأكبر فاغتسل ولا يوجد مثبت لكوني محدثاً بالأكبر لأصالة عدم تحقق الحدث الأكبر، فإنها تنفي وجوب الغسل بمقتضى الآية الكريمة ويكتفى حينئذٍ بالوضوء، وبالتالي لا معنى لجريان استصحاب بقاء الحدث، لأنَّ الآية الكريمة هي تقول إذا كنت محدثاً بالأصغر فإنه يكتفى منك بالوضوء وإذا كنت محدثاً بالأكبر فإنك تحتاج إلى غسل، وأنا أجزم بكوني محدثاً بالأصغر، أما أني محدث في الأكبر فهذا أشك فيه والأصل العدم، فيكتفى منّي بالوضوء آنذاك، واستصحاب بقاء الحدث لا معنى له بعد أن قالت الآية الكريمة إذا كنت جنباً يقيناً فاغتسل، وأنا لا توجد عندي جنابة يقينية فالغسل مرفوع عني، ولا معنى للاستصحاب لأجل أنَّ الآية الكريمة موجودة وهي تفصّل بهذا الشكل، وحينئذٍ لا تصل النوبة إلى استصحاب بقاء الحدث.

وأين هذا من مقامنا الذي نعلم فيه بأنَّ الأقل من أجزاء الصلاة وهي التسعة واجبة أما الجزء العاشر فنشك في وجوبه، ففي مثل هذه الحالة إذا شككنا في وجوب الجزء العاشر فلا معنى حينئذٍ لأن تقول إنَّ استصحاب بقاء الوجوب لا يجري لأصالة عدم تعلّق الوجوب بالجزء العاشر، لأنه لا توجد عندنا آية تفصّل بهذا الشكل، نعم في مورد الجنابة والحدث توجد آية كريمة فصّلت بهذا الشكل حيث قالت إنَّ المحدث بالأصغر يلزمه الوضوء والمحدث بالأكبر يلزمه الغسل، وحيث أشك أني محدث بالأكبر أو لا - سواء كنت محدثاً بالأصغر أو لم أكن محدثاً بالأصغر - فالأصل العدم، فيكتفى منّي بالوضوء، فإذاً توجد خصوصية في المثال وذلك لأجل وجود الآية الكريمة بالبيان الذي أسرنا إليه، فقياس المقام على مثال الحدث قياس مع الفارق.

وإن شئت قلت: - إنَّ التفصيل في الآية الكريمة قاطع للشركة، فلا يمكن أن تصير وظيفتي الوضوء والغسل معاً، وبما أني متيقن بالحدث الأصغر فوظيفتي هي الوضوء ولا يجب عليَّ الغسل، وإذا كنت متقيناً بالحدث الأكبر فوظيفتي هي الغسل ولا حاجة إلى ضم الوضوء، فتفصيل الآية الكريمة بين النحوين - والتفصيل قاطع للشركة - بنفسه يكون دليلاً على عدم جريان الاستصحاب منضمّاً إلى الوضوء بحيث يجب الاثنين، كلا بل هذا قياس مع الفارق.

والمناسب في مقام الجواب يقال: - إنَّ استصحاب بقاء الوجوب الكلّي لا يجري فإنَّ استصحاب الوجوب فرع الشك، وفي المقام لا يوجد عندنا شك، أما الأقل وهو التسعة فنحن نجزم بالاتيان به فأين الشك حتى يجري الاستصحاب؟!!، وأما الزائد على ذلك وهو الجزء العاشر فنشك في أصل وجوبه فكيف يجري الاستصحاب؟!!

فإذاً لا استصحاب التسعة قابل للجريان للجزم بالاتيان بها ولا استصحاب العشرة قابل للجريان للشك في تعلّق الوجوب بها وشرط جريان الاستصحاب وجود يقين سابق وشك لاحق وهذا ليس بمتوفر، فإذاً لا يجري الاستصحاب لا بلحاظ التسعة ولا بلحاظ العشرة.

[1] سورة مائدة، آیة 6.