41/11/26
الموضوع: - الدوران بين الأقل والأكثر - مبحث أصالة الاشتغال ( الشّك في المكلف به )- مبحث الأصول العملية.
الرأي الثالث: - وهو للشيخ الخراساني(قده) في الكفاية حيث قال نحن لا نرجع إلى البراءة العقلية بل نرجع بالاشتغال عقلاً ولكن نرجع إلى البراءة النقلية، أما أنه لا نرجع إلى البراءة العقلية فقد بينا الوجه في ذلك حيث قال إنه يوجد عندنا علم إجمالي بوجوب إما الأقل أو الأكثر، وهذا لا يقبل الانحلال، فإنه لو انحلّ فسوف يلزم من ذلك محذوران الأول لزوم خلف الفرض والثاني أنه يلزم من وجود الشيء عدمه.
والمهم الذي نريد أن نقوله: - إنَّ صاحب الكفاية(قده) قال عن البراءة العقلية لا يجوز الرجوع إليها في مسألة الشك في الجزئية للمحذورين المتقدمين بل نرجع إلى البراءة النقلية يعني ( رفع عن أمتي ما لا يعلمون )، والسؤال الذي يأتي هنا هو أنه على ماذا نطبق البراءة النقلية؟ قال نطبقها على الجزئية المشكوكة، فنطبقها على جزئية السورة.
ثم قال إنه يرد إشكالان: -الاشكال الأول: - إنَّ جزئية السورة ليست مجعولاً شرعياً وليس لها أثر شرعي فكيف يمكن تطبيق حديث الرفع عليها؟ ولو قلت: - إن لها أثر شرعي وهو أنه لو كانت السورة جزء واقعاً ولم آتِ بها فهنا يجب اعادة الصلاة وهذا أثر شرعي؟!! ولكنه قال: - ووجوب الاعادة عند عدم الاتيان بالسورة لو كانت جزءاً واقعاً هو من آثار بقاء الأمر الأول المتوجه للكلف وهو أمر صلِّ فإنه لم يسقط بعد، فوجوب الاعادة هو من آثار أمر ( صلِّ ) وليس من آثار الجزئية فكيف تطبق حديث الرفع على الجزئية المشكوكة؟
أجاب وقال: - نحن نطبق حديث الرفع على الأمر بالكل، فصحيح أنا اطبقه على الجزئية ولكن من خلاله أرفع الأمر بالكل.
الاشكال الثاني: - إذا رفعت الأمر بالكل فكيف تثبت الأمر بالأقل، فإنَّ رفع الأمر بالكل لا يلازم ثبوت الأمر بالباقي فإنه لا توجد ملازمة شرعية نعم توجد ملازمة خارجية ولكن هذا أصل مثبت، فإذا رفعت الأمر بالأكثر وارتفع الأكثر فمن قال إنه يجب الاتيان بالباقي؟
أجاب وقال: - نحن نطبق حديث الرفع على أدلة الأجزاء، فكك جزء لا أعلمه رفع بحديث الرفع، فعلى هذا الأساس نحن لا نطبقه على الأمر بالكل وإنما نطبقه على الأجزاء، وبالتالي سوف يصير الرفع مخصص لكل جزء فهو يخصص كل جزء بحالة العلم، وجزئية السورة حيث لا نعلم بجزئيتها فتكون جزئيتها مرفوعة أما الباقي فهو باقٍ بأمره الأول لا أنه باقٍ بأمر جديد حتى تقول قد رفعناه بحديث الرفع كلا وإنما نطبق حديث الرفع على أدلة الأجزاء فيخصصها والنسبة بين حديث الرفع وأدلة الأجزاء هي نسبة المخصِّص إلى المخصَّص، فتتخصَّص جزئية كل جزء بحالة العلم، وبالتالي لم نرفع الأمر بالكل دفعة واحدة وإنما رفعناه بهذا الشكل، يعني بأدلة أجزائه خصصنا دليل جزئية كل جزء بحالة العلم، ونتيجة التخصيص تصير هي الأمر بالمعلوم، والمعلوم هو التسعة، فإنَّ هذا الأمر كان موجود وأبقيناه ولم نرفعه وإنما خصصت جزئية السورة بحالة العلم، قال(قده):- ( لأنه يقال نعم وإن كان ارتفاعه بارتفاع منشأ انتزاعه إلا أنَّ نسبة حديث الرفع الناظر إلى الأدلة الدالة على بيان الأجزاء إليها نسبة الاستثناء وهو معها يكون دالاً على جزئيتها إلا مع الجهل بها ).
ونحن نطرح ثلاثة أسئلة: -السؤال الأول: - لماذا طبق الشيخ الخراساني حديث الرفع على الجزئية المشكوكة ولم يطبقه على وجوب الأكثر، فإنَّ وجوب الأكثر ليس معلوماً فطبق الحديث الفرع على وجوب الأكثر، فمن الأول قل نحن نطبق حديث الرفع على دليل وجوب الأكثر حيث لا نعلم بوجوب الكل فنرفع وجوب الكل بحديث الرفع؟
والجواب عن ذلك واضح: - حيث إنه ذكر فيما سبق في بحث البراءة العقلية أنَّ العلم الاجمالي بوجوب الأكثر أو الأقل لا ينحل فلا يمكن تطبيق البراءة على وجوب الأكثر، فإذاً هو لم يطبق حديث البراءة على وجوب الأكثر لأن وجوب الأكثر أحد طرفي العلم الاجمالي كما أشرنا إليه عند البحث في البراءة العقلية، فلذلك اضطر إلى أن يسلك طريقاً آخر فيطبق حديث الرفع على الجزئية المشكوكة.
السؤال الثاني: - إنه ذكر أن نسبة حديث الرفع إلى أدلة جزية الاجزاء هي نسبة الاستثناء والتخصيص، فإنَّ حديث الرفع يستثني من دليل جزئية الأجزاء حالة الجهل فهو يخصصها ويخرجها ويبقي حالة العلم، فهل هذا الذي ذكره مقبول أو لا؟
السؤال الثالث: - هل نحتاج إلى وجود أمر بالباقي أو لا نحتاج إليه؟
أما السؤال الأول: - فقد أجاب عنه صاحب الكفاية(قده) عنه بما تقدم.
ولكن يرد على ما ذكره صاحب الكفاية في دفع التساؤل الأول: -أولاً: - نقول إنه حينما ترفع الجزئية المشكوكة بحديث الرفع فهل يراد رفعها هي أو يراد اتخاذ ذلك وسيلة إلى رفع الأمر بالكل؟ فإن كنت تريد رفع الجزئية بما هي جزئية فيرد ما ذكرته أنت من أنَّ الجزئية ليست مجعولة وليس لها أثر مجعول فكيف الآن تريد رفع الجزئية المشكوكة؟!، وإن كان مقصودك رفع الجزئية كجسر وكطريق إلى رفع الأمر بالكل فيرد عليه أنه برفعك للجزئية وقولك إنه ( إذا لم تكن الجزئية ليست بثابتة فبالتالي الأمر بالكل ليس بثابت ) فهذا أصل مثبت وهو ليس بحجة، لأنَّ هذه الملازمة عقلية وليست شرعية.
ثانياً: - هل المقصود برفع الجزئية هو الجزئية من خلال رفع الأمر بالكل أو من دون رفع الأمر بالكل؟ فإن مقصودك رفع الجزئية برفع الأمر بالكل وأنت في الحقيقة تريد رفع الأمر بالكل ومن خلال رفع الأمر بالكل ترتفع الجزئية فأنت قد قلت سابقاً إنه لا يمكن رفع الأمر بالكل لأنه أحد طرفي العلم الاجمالي، لأنك قلت فيما سبق نحن نعلم إجمالاً إما بالكل وإما بالأقل ولا يمكن تطبيق البراءة على أحدهما لوجود العلم الاجمالي، فأنت تريد أن ترفع الجزئية ومقصودك الأساسي هو رفع الأمر بالكل وهذا معناه رفع الأمر بالكل، والأمر بالكل لا يمكن رفعه لوجود علم اجمالي بتعلق الأمر إما بالأقل أو بالأكثر، وأنت قد قلت إنَّ هذا العلم الاجمالي موجود فلا يمكن تطبيق حديث الرفع عليه، ولذلك أنت سرت بطرقٍ آخر وقلت نحن نطبق حديث الرفع على الجزئية المشكوكة لأنه لا يمكن تطبيق حديث الرفع على طرفي العلم الاجمالي وهما الأمر بالأكثر أو الأمر بالأقل، فإن كان مقصودك من تطبيق حديث الرفع على الجزئية المشكوكة يعني رفع الأمر بالكل فسابقاً أنت قد قلت إنه لا يمكن رفع الأمر بالكل بحديث الرفع، وإن كان مقصودك أنك تبقي الأمر بالأكثر على حاله ولكن ترفع الجزئية المشكوكة فقط فهذا تناقض، إذ كيف يكون الأمر بالأكثر باقٍ والجزئية مرتفعة فإنَّ هذا تناقض؟!!
والاشكال الثالث إنما ذكرناه من أنه نطبق حديث الرفع على الجزئية المشكوكة إنما هو وجيه لو كان الدليل خاصاً، يعني تأتي رواية خاصة تقول ( يا أيها الذين آمنوا إذا ككتم في جزئية جزءٍ فهو مرفوع )، فإن جاءنا دليل خاص في المورد فمن باب دلالة الاقتضاء وصوناً لكلام الحكيم عن اللغوية نقول إنَّ مقصوده هو رفع الأمر بالكل، لأنَّ رفع الجزية من دون رفع الأمر بالكل لا يأتي، أما إذا فرض أنه لم يأت دليل خاص وإنما وردنا دليل عام بلسان ( رفع ما لا يعلمون ) فهذا نطبقه في المورد الذي لا يلزم فيه محذور مثل حرمة التدخين حينما نشك في حرمته فنطبق حديث الرفع، أو صلاة ركعتين قبل الدرس والمباحثة حيث نشك في وجوبها فنطبق عليها حديث الرفع، وهذا لا بأس به ، أما إذا كان تطبيق حديث الرفع على المورد يستلزم عناية بأن نفترض ارتفاع الأمر بالكل فالدليل العام لا يفي بهذه العناية، وهذه نكتة ظريفة ينبغي الالتفات إليها، وهي أنه دائماً يكون تطبيق الدليل العام إذا كان يستلزم عناية كما في موردنا - لأن تطبيق حديث الرفع على جزئية الجزء المشكوك يستلزم أن نفترض ارتفاع الأمر بالكل - فهنا لا نقول بشمول حديث الرفع لرفع جزئية الجزء المشكوك، نعم لو كان هناك دليل خاص قد ورد في المورد فبدلالة الاقتضاء - يعني صوناً لكلام الحكيم عن اللغوية - نقول إنَّ مقصوده هو رفع الجزئية المشكوكة - إذا كان الدليل الخاص وارداً فيها - وبالتالي مقصوده هو رفع الأمر بالكل، أما إذا كان الدليل عاماً كما في موردنا - وهو ( رفع عن أمتي ما لا يعلمون ) - وكان رفع الجزئية المشكوكة يستلزم عنايةً وهو رفع الأمر بالكل فهنا نقول إنَّ هذا الدليل العام لا يشمل هذا المورد، لأنَّ تطبيقه يحتاج إلى عناية ويختص بالموارد التي لا يلزم من التطبيق فيها عناية كما لو شككنا في أن تحية المسجد لازمة ليست بلازمة وأنَّ التدخين حرام أو ليس بحرام ... وهكذا.