41/11/22
الموضوع: - الدوران بين الأقل والأكثر - مبحث أصالة الاشتغال (الشّك في المكلف به)- مبحث الأصول العملية.
الدليل الخامس: - إن يقال: إذا كنّا نعلم بصدور حكم من المولى ولا ندري أنه قال أكرم عالماً أو قال أكرم هاشمياً ولكننا نعلم جزماً بأنه قال ( أكرم ) ولكن لا ندري هل قال اكرم عالماً أو قال كرم هاشمياً، فهنا يقال إنَّ الاشتغال القيني يستدعي اليقيني، لأنك تعلم بوجوب الاكرام جزماً، فلو أكرمت عالماً غير هاشمي فلا تجزم بفراغ الذمة، فتقوم بإكرام العالم وكذلك تقوم بإكرام الهامشي أيضاً، ونسبة الهاشمي والعالم هي نسبة العموم من وجه، فقد الشخص يكون عالماً غير هاشمي وقد يكون هاشمياً غير عالم، فبعد جزمك بصدور وجوب الاكرام إما إلى العالم أو إلى الهاشمي فلابد من الفراغ اليقيني، وذلك يحصل بإكرام العالم وأيضاً إكرام غير الهاشمي، أو أن تقوم بإكرام شخصٍ يكون مجمعاً للعنوانين وهو العالم الهاشمي، ومن دون ذلك لا يوجد فراغ يقيني، وفي موردنا نحن لا ندري بأنَّ الأمر قد توجه إلى التسعة أو توجه إلى العشرة فهنا النسبة تون بين الامتثالين هي العموم والخصوص من وجه، فقد يتحقق امتثال الأمر بالأقل دون الأكثر وذلك بأن تأتي بالتسعة أجزاء ولا تأتي بالجزء العاشر، وقد يتحقق بالامتثال لكليهما وذلك بأن تصلي صلاةً واحدةً فيها الأجزاء العشرة فحتماً صار هنا امتثال لأنه أتي بمجمع العنوانين، لأنَّ المفروض أنَّ الجزء العاشر- وهو السورة مثلاً - إذا لم يكن واجباً فهو ليس محرّماً وإنما يصير جزءاً مستحباً فالإتيان به لا يضر حتى إذا لم يكن واجباً، فأنت إذا أتيت بمجمع العنوانين فأنت قد امتثلت كلا الأمرين، أو أن يأتي بالأكثر بقصد امتثال الأمر بالأكثر إن كان وإلا فلا يكون قاصداً للامتثال، فإذا افترضنا هكذا صارت النسبة حينئذٍ العموم والخصوص من وجه، فيتحقق كلا الامتثالين إذا أتيت بالأكثر لكن من دون ضم هذا القصد - وهو بقيد الأكثر - وإما امتثال الأمر الواقعي فآتي بالأكثر، فإن كان المطلوب هو الأقل فالعاشر لا يضر، وإذا كان المطلوب هو العشرة قد أتيت به، وأما الامتثال للأقل فهو بالإتيان بالتسعة لوحدهما من دون الجزء العاشر، والامتثال للعشرة دون التسعة بأن تأتي بالعشرة بقصد امتثال الأمر بالعشرة بقيد امتثاله فقط، فارت النسبة بين الامتثالين هي العموم والخصوص من وجه، فإذا صارت النسبة بين امتثال التكليفين العموم والخصوص من وجه فيلزم الاحتياط، وذلك يحصل بأن تأتي بصلاة واحد بقصد امتثال الأمر الواقعي فإن كانت تسعة فتسعه وإن كانت عشرة فعشرة، والمفروض أنه إذا لم يكن عشرة فضم الجزء العاشر - وهو السورة - لا يكون مبطلاً وإنما يصير مستحباً وقد ثبت إذاً لزوم الاحتياط.
ويردّه: -أولاً: - إنَّ النسبة ليست هي العموم والخصوص من وجه إنما هي العموم والخصوص المطلق، فإنك قلت من قصد امتثال العشرة بقيد العشرة فإذا كان الواجب واقعاً هو التسعة فلا يقع امتثال للتسعة، ونحن نقول:- يمكن أن يقال إنَّ الواجب - وهو التسعة - قد حصل والمفروض أنَّ ضمّ الجزء العاشر لا يؤثر، فمجرّد أني لا أريد التسعة ولا أحبّها لا يؤثر شيئاً فإنك بالتالي قد أتيت بالتسعة، فإذاً أنت قد أتيت بها والمفروض أنك كنت قاصداً التقرّب إلى الله تعالى ولو بقصد امتثال العشرة، فأنت بالتالي قاصداً التقرب إلى الله تعالى فقد أتيت بالمطلوب وزيادة، والزيادة ليست مضرّة، فيقع الامتثال ولا مشكلة، فلا يجب الاحتياط.
ثانياً:- نحن نقول إنه قبل أن تصل النوبة بين الامتثالين فالعلم الاجمالي نحن قد حللناه واسقطناه عن الاعتبار في مرحلة أسبق قبل الوصول إلى مرحلة الامتثال، فمادام لا يوجد علم اجمالي في المرتبة السابقة فلا تصل النوبة إلى مقام الامتثال وأنَّ النسبة هي العموم والخصوص من وجه، بل من البداية هذا العلم الاجمالي ليس بمنجّز لما أشرنا إليه في مناقشة الدليل الأول الذي ذكره الشيخ الأعظم(قده) في الرسائل، حيث قلنا إذا نظرنا إلى عالم العهدة والذمَّة لا عالم صبّ الحكم وتوجيهه - والمناسب هو ملاحظ عالم العهدة والذمة فإنَّ الذي يشتغل هو العهدة والذمَّة لا عالم صبّ الوجوب - فأنا أجزم بأنَّ عهدتي مشغولة بالتسعة وأما الزائد فهو مشكوك فتجري البراءة عنه، ومع انحلال العلم الاجمالي في عالم العهدة إلى علمٍ تفصيلي بوجوب الأقل وشك بدوي بلحاظ الزائد فلا تصل النوبة إلى كون النسبة في عالم الامتثال هي نسبة العموم والخصوص من وجه، إنما يأتي هذا الكلام فيما إذا لم يمكن حل العلم الاجمالي في عالم العهدة، مثل أكرم عالماً وأكرم هاشمياً ففي عالم العهدة لا أدري هل الذمة مشغولة بهذه الخصوصية أو بتلك الخصوصية - أي بإكرام العالم أو بإكرام الهاشمي - فهنا يأتي مثل هذا الكلام، لأنه لا يمكن حلّ العلم الاجمالي في مرحلة أسبق، أما في مقامنا فيمكن حلّ العلم الاجمالي في مرحلة أسبق وهي عالم العهدة كما ذكرنا، ومعه لا موجب لملاحظة عالم الامتثال بعدما فرض أنَّ هذا العلم الاجمالي قد انحلَّ في مرحلة أسبق.
هذا كله بالنسبة إلى الأدلة على وجوب الاحتياط بالإتيان بالجزء المشكوك في جزئيته وقد ذكرنا خمسة أدلة وقد اتضح أنَّ جميعها قابل للتأمل والمناقشة.
ويوجد دليلان آخران خاصان بباب الصلاة ولا يأتيان في غير باب الصلاة وهما: -الدليل الأول: - إذا شككنا أنَّ السورة جزءاً من الصلاة أو ليست جزءاً فإن كانت جزءاً فيجب الاتيان بها وإن لم تكن جزءاً فيصير وجودها مانعاً، معه يحصل علم إجمالي بأنَّ الاتيان بالسورة إما أن يكون جزءاً أو يكون مانعاً، ومعه لا تجري أصالة البراءة من الجزئية للمعارضة بأصالة البراءة عن المانعية، وبالتالي لا يمكن اثبات البراءة وعدم الجزئية.