41/11/20
الموضوع: - الدوران بين الأقل والأكثر - مبحث أصالة الاشتغال (الشّك في المكلف به)- مبحث الأصول العملية.
ثانياً: - سلّمنا وجود غرض وأنَّ الغرض له مرتبة عالية، ولكن نقول من قال إنَّ أغراض المولى يلزم تحصيلها؟!! إنما الذي يلزم تحصيله هو امتثال تكاليف المولى، فالتكاليف التي صدرت من المولى يجب على المكلف امتثالها، أما الغرض الذي عند المولى فلا دليل على وجوب تحصيله، فنحن لا نسلّم بلزوم تحصيل الأغراض الثابتة في التكاليف، وإنما اللازم هو تحصيل امتثال تكاليف المولى، فإنَّ وظيفتنا هي امتثال التكليف أما تحصيل الغرض فليس بلازم، نعم إذا كان المكلف عرفانياً وذائباً في المولى ويريد تحصيل أغراض المولى فهذا لا مشكلة فيه، ولكن نحن لا نتكلم بلغة العرفان وإنما نتكلم بلغة الحق، فهل ثبت حق للمولى أكثر من امتثال تكاليفه؟ كلا لم يثبت أكثر من ذلك، فإنَّه لم يثبت لزوم تحصيل أغراضه وإنما يكفي امتثال تكاليفه، وعلى هذا الأساس نقول إنَّ التكليف المتيقن هو التسعة وقد أتيت به أما الجزء العاشر فلم يثبت التكليف به فأجري البراءة عنه، ولو قلت: - لعله لم يحصل غرض المولى؟ فأقول: - إنّ غرض المولى لا يلزم تحصيله.
إن قلت: - إنه بناءً على منجّزية الاحتمال نحتمل بالتالي أنه يلزم تحصيل أغراض المولى، صحيح انه لم يثبت بالدليل لزوم تحصيلها ولكن وجداناً يحتمل لزوم تحصيلها، وهذا لا يمكن إنكاره، فبناءً على فكرة منجزية الاحتمال عقلاً يلزم تحصيل الغرض وذلك بالإتيان بالعشرة ولا يكفي التسعة.
قلت:- إنه بناءً على منجّزية الاحتمال يلزم السير على طبق الاحتمال وهذا صحيح ولكن إذا لم يكن هناك مؤمّن شرعي، ونحن عندنا البراءة الشرعية، فمن حيثية العقل يقال بمنجّزية الاحتمال ولكن المؤمّن الشرعي موجود، فلا ينفع القول بمنجّزية الاحتمال، فإنَّ العقل يحكم بمنجّزية الاحتمال إن لم يحصل تأمين من قبل الشارع، أما مع حصول التأمين من قبل الشرع المقدس فنرفع اليد عن منجّزية الاحتمال، يعني أنَّ منجّزية الاحتمال تعليقية لا تنجيزية، فهي معلقة على عدم وجود تأمينٍ من قبل الشارع، وحيث ثبت التأمين الشرعي بالآيات والرايات فنرفع اليد عن منجّزية الاحتمال، وهذا البحث من الأمور الواضحة وهو أنَّ البحث عن منجّزية الاحتمال لا ثمرة عملية له وإنما هي قضية علمية فقط، ولعل البعض يبحث فيجد ثمرة لهذا كما ذكر السيد الشهيد(قده) في الحلقات، ولكن هذه ثمرة في زاوية معينة وإلا فعادةً التأمين الشرعي مادام موجوداً فالعقل يرفع اليد عن منجّزية الاحتمال، فإنَّ حكم العقل معلّق على عدم حصل التأمين الشرعي، وهذا من الأمور الواضحة وإنما ذكرناه لتكرار المطالب وتركيزها.
إن قلت: - كيف تقول إنَّ أغراض المولى لا يجب تحصيلها فإنَّ هذا مخالف لحكم لعقلاء قاطبة، فإنَّ العقلاء يقولون إنَّ أغراض المولى يلزم تحصيلها من دون إشكال، حيث نقول لو فرض أنَّ المولى كان نائماً في داره وكان العبد جالساً ورأى النار تأتي إلى الدار وسوف تحرقها ألا يلزم على العبد القيام بما يلزم وهل يتوقف أحد في لزوم ذلك؟! كلا لا يتوقف أحد في ذلك، وهذا اللزوم هو من ناحية التحفظ على أغراض المولى، فإنَّ المولى لم يقل إذا جاءت النار يا فلان فعليك إطفاؤها - فهو لم يقل له لا بالعموم ولا بالخصوص - فلا يوجد تكليف، ولكن يعرف أنَّ هذا من أغراض المولى، وهل يوجد عاقل هنا يتوقف في وجوب التحفظ على الغرض وبالتالي التحفظ على الدار من هذا الحريق؟! إنه لا يتوقف عاقل في ذلك، فهذا المثال وما شاكله نعم الشاهد المنبّه على أنَّ أغراض المولى يلزم تحصيلها.
قلت: - إنَّ هذا صحيح إذا كان المولى نائماً، فهنا العقل والعقلاء كلهم يحكمون وجوب اطفاء النار من قبل العبد، أما إذا كان المولى جالساً وهو ملتفت إلى النار ولكنه لا يتكلم بشيء فهنا هل يلزم على العبد أن يقوم ويطفئ النار والحال أنَّ المولى يتمكن من الأمر بذلك وعند أداة لإطفاء الحريق، فإذا كان المولى ملتفتاً فحكم العقل والعقلاء بأن يقوم العبد بسرعة ويطفئ الحريق فهذا أول الكلام، إنما هذا نسلّمه فيما إذا كان المولى غافلاً ونائماً لا ما إذا كان مستيقظاً ومتنبهاً، وحيث إنَّ مولانا الحقيقي هو الله عزَّ وجل لا تأخذه سِنَةٌ ولا نوم فلا نسلّم بأنَّ العقل يحكم بلزوم تحصيل أغراضه بعدما كان في حالة توجهٍ وعلمٍ دائم.
الدليل الثالث: - إننا لو أتينا بالتسعة من دون ضم الجزء العاشر فسوف نشك في سقوط الأمر، والشك في سقوط الأمر مجرى للاشتغال دون البراءة، أما لماذا نشك في سقوط الأمر بعدما كان الأمر متعلقاً بالتسعة؟ وذلك لاحتمال الارتباطية، فنحن نحتمل أنَّ الوجوب ارتباطي، فالتسعة من دون ضم الجزء العاشر كلا شيء، لأنَّ الامتثال ارتباطي، فلا يمكن أن يكون هناك امتثال للأقل مستقلاً عن امتثال الجزء العاشر، بل لو كان الجزء العاشر جزءاً فامتثاله مرتبط بامتثال التسعة وامتثال التسعة مرتبط بامتثال الجزء العاشر، فالامتثال ارتباطي، وأنا حينما آتي بالتسعة فحيث أحتمل الارتباطية وأنَّ التكليف ارتباطي وأنَّ الأجزاء ارتباطية وأنَّ الأجزاء أقل وأكثر ارتباطي فسوف أشك في سقوط الأمر، والشك في سقوط الأمر مجرى للاشتغال.
والجواب: - إنَّ هذا الدليل مركّب من صغرى وكبرى، أما الصغرى فهي إنَّ المورد هو من موارد الشك في سقوط التكليف - وهو الأمر بالتسعة-، وأما الكبرى فهي أنَّ الشك في السقوط مجرى للاشتغال دون البراءة، وهذا من المسلّمات، ولكن كلتا المقدمتين يمكن المناقشة فيهما: -
أما بالنسبة إلى الكبرى فنقول: - نحن نسلّم بأن الشك في السقوط مجرى للاشتغال كما قال ولكن إذا كان منشأ الشك هو الفعل وعدم الفعل، يعني أنا الآن شككت هل صليت صلاة الظهر اليوم أو لم اصلِّها، يعني هل أتيت بمتعلق التكليف أو لا وهل امتثلت أو لا فنعم هذا مجرى للاشتغال عقلاً[1] ، ولكن هذا إذا كان الشك في أصل الاتيان بمتعلّق التكليف، أما إذا جزم بالإتيان بمتعلّق التكليف وشك في سقوط الأمر من ناحية أخرى كما هو الحال في مقامنا، فإنه في مقامنا نشك في سقوط الأمر بالتسعة لا من جهة الشك في الاتيان بالتسعة وعدم الاتيان بها فإنَّ التسعة قد أتينا بها جزماً، وإنما نشك في سقوط الأمر بالتسعة من ناحية احتمال أنَّ التكليف بالتسعة تكليف ترابطي فإنه يحتمل ثبوت وجوب العشرة، فعلى تقدير وجوب الجزء العاشر امتثال التسعة يكون مرتبطاً بامتثال الجزء العاشر، لأنَّ الأمر واحد ولا يمكن تجزئته، فإذاً الشك في السقوط لم ينشأ من ناحية الشك في الاتيان بالمتعلّق وإنما المتعلّق قد أتيت به جزماً، والقاعدة التي تقول متى ما شككنا في الامتثال أو في سقوط الأمر يكون ذلك مجرى للاشتغال فهذا يكون فيما إذا شككنا في الاتيان وعدم الاتيان، أما هنا فقد أتينا بمتعلّق الأمر وهو التسعة ولكن نحتمل أنَّ الأمر بالتسعة ترابطي مع الجزء العاشر فلا يسقط الأمر بالتسعة رغم الاتيان بمتعلقه، فهنا هل يحكم العقل بالاشتغال؟! إنَّ هذا أوّل الكلام، فلا تعمم إلا موردنا وتقول إنَّ الشك في السقوط مجرى للاشتغال، بل ذاك خاص فيما إذا شك في الاتيان بمتعلّق الأمر وعدمه، أما مع الجزم بالإتيان بالمتعلّق والشك من ناحية أخرى فشمول قاعدة الاشتغال له أوّل الكلام.