41/11/19
الموضوع: - الدوران بين الأقل والأكثر - مبحث أصالة الاشتغال (الشّك في المكلف به)- مبحث الأصول العملية.
إن قلت:- لو كان الجزء العاشر دخيلاً في المرتبة العليا للغرض فهذه الدخالة تكوينية وليست دخالة شرعية، فمدخلية كل شيء في الغرض قضية تكوينية وليست قضية شرعية وهذه قادة عامة، ومعلوم أن حديث الرفع يرفع الأمور المجعولة المشكوكة شرعاً فما يشك في كونه مجعولاً شرعاً فهو يرفعه، فهو يقلو ( رفع عن أمتي كذا وكذا ) وهنا مدخلية الجزء العاشر المحتملة في الغرض قضية تكوينية لا أنَّ المولى يجعل هذا الجزء له دخالة في الغرض، ومادام قضية تكوينية فحديث الرفع كيف نطيقه هنا حتى نستفيد من ذلك ارتفاع مدخلية الجزء العاشر بعدما كانت دخالة الجزء العاشر في الغرض لو كانت فهي مدخلية تكوينية لا شرعية.
قلت: - صحيح أنَّ مدخلية كل شيء في الغرض هي مدخلية تكوينية ولكن نحن نرفع بحديث الرفع نرفع الضيق والثقل والاحتياط عن المكلف، وهذه أمور ليست تكوينية وإنما هي أمور جعلية، فالثقل يصير مني مثلاً بأن أقول له عليك أن تأتي بالسورة أو بالشيء الفلاني باعتباد دخالتها في الغرض فإذاً نطبق حديث الرفع لرفع الثقل والاحتياط عن المكلف، والثقل والاحتياط أمور مجعولة من قبل المولى وليست مدخليتها تكوينية، فهي قضية ليست مرتبطة بعالم التكوين وإنما مرتبطة بعالم الجعل.
إن قلت: - أنت ذكرت أن الغرض يمكن أن يكون واحداً ولكن له مرتبة عليا، فعلى هذا الأساس نشك في المرتبة العليا التي تتوقف على ضم الجزء العاشر فنجري البراءة عنها، ونحن نقول إنَّ هذا لا مثبت له، فلا يوجد مثبت لكون الغرض له مراتب بحيث نقول إنَّ المرتبة العالية تتوقف على ضم الجزء العاشر، فإذاً لا معنى لتطبيق حديث الرفع بعدما فرض أنه بالإمكان أن يكون الغرض ليس ذا مراتب وإنما هو واحد يتوقف على العشرة بما في ذلك الجزء العاشر، وحينئذٍ لا معنى لتطبيق حديث الرفع بعدما الأمر بهذا الشكل، وإنما يمكن تطبيق حديث الرفع إذا فرض أنَّ الغرض فيه مرتبة أخرى مشكوكة تتوقف على الجزء العاشر فنرفع الثقل والاحتياط من هذه الناحية بحديث الرفع، أما بعد كون الغرض واحداً وليس ذا مراتب فلا معنى لتطبيق حديث الفرع.
قلت: - صحيح أنه يحتمل أن يكون الغضر وحدانياً وليس ذا مراتب ولكن ما نقوله محتمل أيضاً، فإذا احتملنا أنَّ الغرض له مراتب ومرتبته العالية تتوقف على ضم الجز العاشر فيكفينا هذا الاحتمال للشك بلزوم الاتيان بالجزء العاشر فنجري البراءة لرفع هذه المرتبة العليا التي تتوقف على ضم الجزء العاشر، ولا نحتاج إلى الجزم بوجود مرتبة العليا وهو الغرض الكلي المشكك وإنما يكفي الاحتمال نف لا تستطيع تطبيق وجوب الاحتياط لأنَّ وجوب الاحتياط فرع احراز كون الغرض واحداً وليس له مراتب، أما إذا فرض أنه وحد ولكن له مراتب ووجوب الجزء العاشر نشأ من ذلك فبالإمكان تطبيق حديث الرفع حينئذٍ، لأنَّ حديث الرفع يمكن تطبيقه متى ما تصورنا الشك، فإذاً تصورنا الشك فحينئذٍ يمكن تطبيق حديث الرفع لصالح المكلف ويكون منَّة عليه، ونحن حيث نحتمل أنَّ هذه المرتبة العالية موجودة فنحن نحتمل أنَّ الجزء العاشر وجب بسبب هذه المرتبة العالية ونحن نشك في أصل المرتبة العالية فتجري البراءة، ولا نحتاج حينئذٍ إلى الجزم بأنه ذا مراتب وإنما يكفينا الاحتمال لأنه بالتالي سوف نشك في ثبوت التكليف في الجزء العاشر ويكفينا الشك لتطبيق حديث الرفع.
إن قلت: - إنَّ العقل يحكم بأن كل تكليف كوجوب الصلاة لابد أن يكون ناشئاً عن غرض للمولى جزماً حينما أوجبه، ولابد من احراز ذلك الغرض، ولا احراز إلا بضم الجزء العاشر.
قلت: - أنت أخذت عنوان الغرض وقلت إنه لابد من وجود غرض وحيث إنَّ الغرض لا نجزم بتحققه من دون الجزء العاشر فيلزم الاتيان بها، ونحن نقول إنَّ الأحكام ليست تابعة إلى عنوان الغرض وإنما هي تابعة لواقع الغرض - والذي بعبر عنه بالغرض بالحمل الشايع - وواقع الغرض يحتمل أنَّ له مرتبة شديدة تتوقف على ضم الجزء العاشر وبمرتبة أخرى تكفي التسعة، وكيفينا الاحتمال، فنجري البراءة عن هذه المرتبة العالية المستدعية للإتيان بالجزء العاشر.
إن قلت: - إنَّ الشيخ النائيني(قده)[1] قال أنت تريد اجراء البراءة عن ماذا، فهل تريد أن تجريها عن سببية الأكثر أو عن سببية الأقل؟ وكلاهما باطل، فلا تجري البراءة فيلزم الاحتياط، أما أنَّ سببية الأكثر لا تجري البراءة عنها فإنَّ الأكثر لا إشكال في أنه يحقق الغرض جزماً، فإذا أتيت بالصلاة مع السورة فجزماً هي تحقق الغرض ولا يوجد احتمال أنَّ السورة مضرَّة وإنما الكلام هي واجبة أو ليست واجبة أما أنها مضرَّة فلا يوجد احتمال لذلك، فسببية الأكثر لا معنى لإجراء البراءة عنها إذ لا نحتمل عدم اجزاء الأكثر وعدم كونه سبباً لتحقق الغرض فلا تجري البراءة عن سببية الأكثر، وكذلك لا تجري البراءة عن سببية الأقل، لأنَّ الأقل إذا لم يكن سبباً فهذا يعني أنه لا يكفي الأقل يعني يجب الاتيان بالأكثر وهذا خلف المنَّة، فإنَّ حديث الرفع امتناني واثبات وجوب الأكثر خلاف المنَّة، إذاً نحن حينما نشك في سببية الأقل وننفي سببية الأقل، فنحن حينما ننفي سبية الأقل يعني لرفع حتى الأقل ولا يكون له أثر في السببية فهذا باطل جزماً، فلابد أن يكون مقصودك هو اثبات الأكثر وإذا كان مقصودك هو اثبات الأكثر فصار خلاف المنَّة، لأنك أثبتَّ أنه يلزم الاتيان بالأكثر وحديث الرفع حديث منَّة.
ومن هنا بنى الشيخ النائيني(قده) في باب الطهارة على أنَّه إذا شككنا هل تكفي الغسلة أو الغسلتان كما لو تنجست عباءتي بالبول وشككنا هل تكفي الغسلة الواحدة أو تلزم غسلتان فقال لا يمكن اجراء البراءة ويلزم الاحتياط بالإتيان بغسلتين، لأنَّ الغرض وهو الطهارة نشك في أنه هل يتحقق بالأكثر ونجري البراءة عن الأكثر فهذا لا معنى له لأنَّ الأكثر مجزٍ بلا إشكال، وإن أجريت البراءة عن الأقل لإثبات الأكثر فهذا خلف المنَّة، فإذاً يلزم الاحتياك بغسلتين.
قلت: - إنه يوجد شق ثالث وهو أن نجري البراءة وهو أن نجري البراءة ليس عن الأكثر حتى تقول إنَّ الأكثر هو مجزٍ بلا إشكال فلا معنى لإجراء البراءة عن الأكثر، وإنما نجري البراءة عن خصوص الأكثر وتحتّم الأكثر، فإنَّ لزوم الأكثر وتحتّمه مشكوك فيه فنجري البراءة عن ذلك ويثبت بذلك أنك لست ملزماً بالأكثر.