41/11/15
الموضوع: - الدوران بين الأقل والأكثر - مبحث أصالة الاشتغال ( الشّك في المكلف به )- مبحث الأصول العملية.
الجواب الثالث: - وحاصله أن يقال: إنَّ الأصول تجري من دون معارضة، يعني أنَّ الأقل معلوم الوجوب فأصل البراءة لا يجري بلحاظه، ويجري أصل البراءة بلحاظ الأكثر، فينحل العلم الإجمالي انحلالاً حكمياً، وشرط منجّزية العلم الإجمالي تعارض الأصول، والأصول هنا ليست متعارضة فيجري أصل البراءة بلحاظ الأكثر ولا يعارض بأصل البراءة عن الأقل، لأنك إذا أردت أن تجري البراءة عن وجوب الأقل فهل تجريها عن وجوب الأقل حال الاتيان بالأكثر أو حال ترك الأكثر؟ فإن اجريتها حال الاتيان بالأكثر فهذا تناقض، فإنك إذا أتيتي بالأكثر فقد أتيت بالأقل فما معنى البراءة عن الأقل؟!!، وإذا أجريتها في الأقل حال ترك الأكثر فهذه مخالفة قطعية، وأصل البراءة لا يجري لإثبات الرخصة في المخالفة القطعية.
وهذا الجواب جيد، وربما ينسب إلى السيد الخوئي(قده) حسب ما ذكر السيد الشهيد(قده)، ولكني لم أره في التقرير، ولكن هذه قضية ليست مهمة.
والجواب:- نحن تارةً ننظر عالم العهدة، وأخرى ننظر إلى عالم جعل الوجوب وإنشائه وصبّه، فإن نظرنا إلى عالم العهدة فهذا التطويل لا نحتاجه بل هناك طريق أخصر ومع وجوده لا تصل النوبة إلى الطريق الأطول، فإذا نظرنا إلى عالم العدة فنقول إنَّ عهدتنا قد انشغلت بالتسعة أجزاء جزماً أما الزائد فيوجد في شك في أصل التكليف فيكون مجرى للبراءة، وإن نظرنا إلى عالم جعل الوجوب فصحيح أنه في عالم جعل الوجوب لعل الوجوب صُبَّ على الأقل ولعله صبَّ على الأكثر فكلا الاحتمالين موجود، ولكن نقول ما هي القيمة لعالم الجعل، بل المهم هو عالم العهدة، فإنَّ الانشغال يكون بلحاظ عالم العهدة والذمة لا عالم جعل الوجوب، فإنَّ عالم جعل الوجوب مصطلح أصولي ليس بمهم، وإذا نظرنا إلى العهدة فهي مشغولة بالأقل جزماً أما الزائد فنشك في تعلّق الوجوب به فيكون مجرى للبراءة ولا حاجة إلى التطويل الذي ذكره السيد الخوئي(قده)، وإذا نظرنا إلى عالم جعل الوجوب فإنَّ أصل هذا النظر يكون عبثاً، لأنَّ المهم أنَّ الانشغال يصير بلحاظ عالم العهدة لا بلحاظ عالم جعل الوجوب، فلا معنى لملاحظة عالم جعل الوجوب، نعم لو لاحظنا عالم جعل الوجوب فيوجد احتمال كون الوجوب قد انصبَّ على الأقل ويوجد احتمال كونه انصبَّ على الأكثر ويأتي كلام السيد الخوئي(قده)، ولكن نحن نقول إنَّ ملاحظة عالم جعل الوجوب عبث ولا فائدة فيه، بل المهم أنَّ الأصولي والمكلف يلحظ عالم العهدة وشغل الذمة، وبلحاظ عالم العهدة يوجد يقين بتعلّق الوجوب بالأقل وشك في تعلقه بالزائد، فلا نحتاج إلى هذا التطويل وأن الأصول ليست متعارضة، بل يقال إنَّ العلم الإجمالي بلحاظ عالم العهدة منحل انحلالاً حقيقياً، لأننا نجزم بوجوب التسعة جزماً وشك بدوي في وجوب الأكثر، فبلحاظ عالم العهدة لا يوجد علم اجمالي أصلاً وإنما يوجد يقين تفصيلي بوجوب الأقل وشك بدوي في جوب الزائد فتجري البراءة عن الأكثر حينئذٍ، فإذاً المهم هو ملاحظة عالم العهدة دون عالم الوجوب.
إذاً المنهجية التي سار عليها اليد الخوئي(قده) هي منهجية باطلة، فإنها تتم فيما إذا لاحظنا عالم جعل الوجوب، ولكن المهم ملاحظة عالم العهدة والذمة، وبلحاظ عالم العهدة حتماً ذمتنا قد اشتغلت بالأقل أما الأكثر فنشك في تعلق الوجوب به فنجري البراءة حينئذٍ عن وجوب الأكثر، أما الأقل يكون معلوماً تفصيلياً، فيكون الانحلال حقيقياً من دون حاجة إلى عدم تعارض الأصول.
والنتيجة من كل ما تقدم: - هي أنَّه اتضح أنَّ الدليل الأول لوجوب الاحتياط - والذي يقول إنه يوجد لدينا علم اجمالي بتعلق وجوب نفسي إما بالتسعة أو بالعشرة - باطل، حيث نقول:- إذا كنّا نتكلم بلحاظ عالم العهدة فليس لنا علم اجمالي وإنما يوجد عندنا علم تفصيلي بوجوب الأقل بالوجوب النفسي وشك بدوي بوجوب الأكثر بالوجوب النفسي فتجري البراءة عن الأكثر، نعم أنت شكّلت علماً اجمالياً بتعلق الوجوب النفسي إما بالتسعة أو بالعشرة، ولكن هذا في عالم جعل الوجوب وإنشائه وهو ليس بمهم، وإنما المهم هو عالم العهدة، وفي عالم العهدة هذا العلم الإجمالي منحلٌّ من أساسه.
الدليل الثاني: - وحاصله أن يقال: نحن نعرف أنَّ كل الأحكام تابعة دائماً للغرض والملاكات وإلا يلزم العبث، وهذا من الواضحات، والمغرض هنا في وجوب الصلاة واحد وليس متعدداً، إذ لو كان متعدداً لم يصر المورد من الأقل والأكثر الارتباطيين وإنما صار من الأقل والأكثر الاستقلاليين فلابد أن تفترض كون الغرض واحداً، فإذا افترضته واحدا نضم مقدمة ثانية وهي أنه يلزم تحصيل الغرض لأنه روح الحكم، وبالتالي حينما نأتي بالأقل دون الأكثر نشك في تحقق ذلك الغرض فيلزم الاحتياط بالإتيان بالأكثر، لأنَّ أغراض الأحكام يلزم تحصيلها ولا يجزم بتحصيل الغرض إلا بالإتيان بالأكثر، أما إذا أتيتي بالأقل فلا تحرز ذلك، فإذاً يلزم الاحتياط ولا تجري البراءة.