الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

41/11/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الدوران بين الأقل والأكثر - مبحث أصالة الاشتغال ( الشّك في المكلف به )- مبحث الأصول العملية.

وفي مقام التعليق نقول: - إنه استعان بمصطلح ( تنجز الأقل ) حيث قال لو كان الأقل منجّزاً حتماً لزم خلف الفرض - يعني أنَّ الأكثر يكون ليس منجزاً ويلزم - وإذا كان الأكثر ليس منجزاً لزم أن يكون الأقل ليس منجّزاً فلا يحصل الانحلال، ونحن نقول:- لنترك كلمة ( منجّز ) وحينئذٍ نقول إنَّ الأقل واجب جزماً، لأنه إما أن يكون واجباً نفسياً إذا كان الواجب واقعاً هو التسعة أو جوباً غيرياً مقدمياً إذا كان الواجب واقعاً هو العشرة، وهذا لا كلام فيه، فإذا صارت التسعة واجبة وعلمنا بوجوبها جزماً ففي مثل هذه الحالة نقول إنَّ العشرة لا علم لنا بوجوبها وإنما نشك في ذلك أما التسعة فنجزم بوجوبها، فإذا كانت التسعة واجبة جزماً فأصل البراءة لا يجري بلحاظ التسعة، أما العشرة فنشك في أصل وجوبها فيجري فيها أصل البراءة وهذا انحلال حكمي.

ويمكن أن نجعله انحلالاً حقيقياً، فنحن نعلم جزماً بوجوب التسعة لا أكثر، فمرجع علمي الإجمالي إلى وجوب التسعة أو العشرة إلى أني عالم بوجوب التسعة جزماً أما العشرة فلا يوجد عندي علم بوجوبها، وهذا انحلال حقيقي أيضاً، فلا يلزم محذور الخلف الفرض أو أنه يلزم من الانحلال عدم الانحلال.

والخلاصة: - إنه يمكن أن يقال لحد الآن كما قال الشيخ الأعظم(قده) أن العلم الإجمالي منحل انحلالاً حكمياً أو انحلالاً حقيقياً كما ذكر في البيان المتقدم.

والصحيح في المناقشة أن يقال: - إنَّ الانحلال الذي يدعيه الشيخ الأنصاري(قده) - وأنَّ العلم الإجمالي بوجوب إما الأقل وإما الأكثر ينحل بالعلم التفصيلي ينحل بالعلم التفصيلي بوجوب الأقل لأنَّ الأقل جزماً هو الواجب لوجود العلم التفصيلي به فهو إما أن يكون واجباً بالوجوب النفسي أو واجباً بالوجوب الغيري - ولكن نحن نقول: - هل مقصودك من الانحلال الانحلال الحقيقي أو الانحلال الحكمي؟ وكلاهما باطل.

أما بطلان الانحلال الحقيقي: - لأنَّ الذي نعلم بثوبته بالاجمال هو العلم الإجمالي بوجوب نفسي متعلق إما بالتسعة أو بالعشرة، فالمعلوم بالاجمال هو الوجوب النفسي، وإنما صار معلوماً بالاجمال لأننا لا نعلم أنه متعلق بالتسعة أو بالعشرة، أما المعلوم التفصيلي فهو وجوب الأقل، فالتسعة واجبة جزماً ولكن بأيَّ وجوب؟ إنه إما بالوجوب النفسي أو الغيري، فصار المعلوم التفصيلي مغايراً للمعلوم الإجمالي، فإنَّ المعلوم الإجمالي هو الوجوب النفسي إما متعلق بالتسعة أو متعلق بالعشرة، أما الوجوب المتعلق بالأقل فهو إما نفسي أو غيري، فصار المعلوم التفصيلي هو الوجوب الجامع بين النفسي والغيري بينما المعلوم بالاجمال هو الوجوب النفسي المتعلّق إما بالتسعة أو بالعشرة، فتغاير متعلق العلمين وليس ببنهما اتحاد وهذا العلم ليس مصداقاً لذاك، فإنَّ المعلوم الإجمالي هو الوجوب النفسي أما المعلوم تفصيلاً فهو أصل الوجوب الجامع بين الوجوب النفسي والغيري، وهذا ليس مصداق لذاك وإنما توجد بينهما مغايرة، وشرط الانحلال الحقيقي أن يكون هذا مصداقاً لذاك حتماً والمفروض هنا وجود مغايرة، فلا يمكن الانحلال الحقيقي.

وأما الانحلال الحكمي فهو غير ممكن أيضاً: - لأنَّ أصل البراءة يجري دائماً عن الوجوب النفسي ولا يجري عن الوجوب الغيري، لأنَّ الوجوبات الغيرية لا عقوبة عليها فلا تحتاج إلى تأمين، فإنَّ الواجب الغيري هو المقدمات فتركها لا يوجب العقوبة، فالمكلف حينما يترك الحج مثلاً فسوف يعاقب على ترك الحج فقط أما وجوب تهيئة مقدمات الحج من جواز السفر وتهيئة بطاقة الطائرة ووجوب شراء ثوب الاحرام وغير ذلك فهذه كلّها وجوبات غيرية لا عقوبة عليها وإنما العقوبة هي على الواجب النفسي فقط، والبراءة إنما تجري بلحاظ التأمين من العقوبة، فهي تجري بلحاظ الواجب النفسي دون الواجب الغيري، فبلحاظ الوجوب الغيري لا توجد عقوبة حتى يحتاج إلى تأمين، فإذاً لابد من حذف الوجوب الغيري من الحساب وبقاء الوجوب النفسي فقط، وإذا بقي الوجوب النفسي فقط فحينئذٍ نشك أنَّ الوجوب النفسي هل هو متعلق بالتسعة أو هو متعلق بالعشرة فيكون أصل البراءة من اجرائه في التعسة معارضة بأصل البراءة بإجرائه في العشرة فالانحلال الحكمي لا يتحقق بعد حذف الوجوب الغيري من الحساب.

إذاً لا انحلال حقيقي ولا انحلال حكمي لما أشرنا إليه، وبهذا اتضح أن الجواب الأول الذي ذكره الشيخ الأعظم(قده) لحلّ الدليل الأول محل تأمل.