41/11/05
الموضوع: - التنبيه الثامن ( الانحلال الحقيقي والانحلال الحكمي ) - الشبهة غير المحصورة - مبحث أصالة الاشتغال (الشّك في المكلف به)- مبحث الأصول العملية.
والجواب:- نقول إنه لا ينحل انحلالاً حكمياً إذا تأخرت شهاد الثقة لهذه النكتة، وهي أنَّ الثقة شهد بعد ساعة من العلم الاجمالي بأنَّ هذا الطرف وقعت فيه النجاسة فمن الآن أي من حين شهادة خبر الثقة أصل الطهارة يتوقف عن الجريان فيه ونحكم بنجاسته، وإلا ضمن الساعة شهادة الثقة لم تكن موجودة فأصل الطهارة يكون جارياً، فأصل الطهارة له قابلية الجريان في تلك الساعة وفي الاناء الآخر على طول الخط فالمعارضة بعد موجودة بين الأصلين بين أصل الطهارة في الفترة القصيرة وأصل الطهارة في الفترة الطويلة وهما متعارضان، فإذاً العلم الاجمالي هو باقٍ على حاله ولا ينحل انحلالاً حكمياً، نعم من بعد قيام الأمارة حينئذٍ لا بأس أن نقول يقف أصل الطهارة من بعد الساعة وحينئذٍ يجري أصل الطهارة في الطرف الثاني من دون معارض، ولكن بالتالي بلحاظ الساعة إذا نظرنا مع ذاك على طول الخط فالمعارضة بَعدُ موجودة ولا انحلال.
إذاً اتضح أنَّ لعلم الاجمالي إنما ينحل بقيام الأمارة انحلالاً حكمياً إذا كانت الأمارة موجودة من الأول على وقوع النجاسة في هذا الاناء أو كانت مقارنة للعلم الاجمالي، أما إذا كانت متأخرة عن العلم الاجمالي بساعة مثلاً فالعلم الاجمالي يبقى بلحاظ الساعة في هذا الطرف وبلحاظ ذاك على طول الخط فالمعارضة بَعدُ باقية والتنجيز بعدُ باقياً، وهذا بخلافه في الانحلال الحقيقي، فإذا فرض أنَّ الشهادة التي قامت في أحد الطرفين موجبة للعلم بأن جاء خمسة أو عشرة عدول شهدوا وقالوا إنَّ النجاسة في هذا الطرف فينحل حينئذٍ العلم الاجمالي انحلالاً حقيقياً ولا يجري أصل الطهارة في هذا الطرف من البداية، لأنه من البداية النجاسة موجودة لأنه حصل علم بها، فأصل الطهارة إذاً لا يجري من بداية العلم الاجمالي في هذا الطرف فيجري في ذاك الطرف من دون معارض أما إذا لم يكن مفيداً للعلم وإنما كان مفيداً للظن فالعلم الاجمالي يكون باقياً على حاله بلحاظ الساعة فالتنجيز بعد موجود ولا يحصل انحلال حكمي، قلت نعم ما بعد الساعة حيث لا يجري الأصل ألان فلا ينجّز من الآن أما بلحاظ ما سبق فالتنجيز يكون موجوداً لثبوت تعارض الصول وهذه نكتة ظريفة يجدر الالتفات إليها.
الفارق بين الانحلال التعبدي والانحلال الحكمي: -المقصود من الانحلال الحكمي ما أشرنا إليه:- يعني يفترض أن الثقة شهد - والتي هي لا تفيد العلم - مقارناً للعلم الاجمالي أو قبل العلم الاجمالي بأن هذا الاناء وقعت فيه نجاسة ثم علمنا بوقوع نجاسة إما في الاناء الأول أو في الاناء الثاني - ولا يشترط العلم بوقوع نجاسة ثانية وإنما حتى لو كانت نفس النجاسة - قلنا هنا ينحل العلم الاجمالي حكماً يعني لا يجري أصل الطهارة في المورد الذي فيه شهادة الثقة فيجري في الطرف الآخر من دون معارض وهذا يعبر عنه بالانحلال الحكمي، والنكتة في التعبير عنه بالانحلال الحكمي هي أنَّ العلم الاجمالي موجود حقيقةً لأننا فرضنا أنَّ شهادة الثقة لا تفيد العلم فعلى هذا الأسا العلم الاجمالي بعد موجود وبشهاد الثقة لا يزول العلم الاجمالي حقيقةً وإنما يزول حكماً يعني تنجيزاً لأن حكم العلم الاجمالي هو التنجيز فهنا التنجيز يزول فإنَّ تنجيز العلم الاجمالي فرع تعارض الأصول على راي المهور وليس منجزاً بذاته، وتعارض الأصول ليس بموجود، فمادام خبر الثقة موجود من البداية على كون هذا الطرف نجس فأصل الطهارة فهي لا يجري فيجري في الطرف الآخر من دون معارض، وهذا انحلال حكمي يعني هو في حكم الانحلال فإنَّ العلم الاجمالي قد انحل من حيث الحكم يعني زال تنجيزه بسبب عدم تعارض الأصول لجريان أصل الطهارة في الطرف الثاني من دون معارض، أما في الطرف الأول الذي فيه شهادة خبر الثقة لا يجري فيه أصل الطهارة، فهذا هو الانحلال الحكمي وهو واضح.
وأما الانحلال التعبّدي:- فهو أنَّ نفترض أنَّ الثقة شهد بأنَّ هذا الطرف وقعت فيه نجاسة ونحن نبني على مسلك جعل العلمية، يعني نفسّر حجية خبر الثقة بجعل العلمية كما هو مبنى الشيخ النائيني(قده) ويظهر من الشيخ الأعظم(قده) في الرسائل، فإذا قلنا إنَّ المجعول في خبر الثقة هو العلمية فإنَّ الشرع المقدّس حينما جعله حجّة فهو قد اعتبره علماً، فهو علم بحسب الاعتبار الشرعي، وبناءً على هذا فسوف يصير بمثابة العلم، فينحل العلم الاجمالي ويزول من دون حاجة إلى تعارض الأصول، لأنه بناءً على جعل العلمية يصير خبر الثقة مثل العلم، لأنَّ المجعول هو العلمية، فكما لو علمت بأنَّي رأيت بعيني وقوع النجاسة في الاناء الأول فهنا مسألة تعارض الأصول لا تأتي لأنَّ الطرف الذي رأيته هو النجس أما الطرف الثاني فلا يوجد علم بنجاسته فيكون شكاً بدوياً، وعلى هذا الأساس ينحل العلم الاجمالي كما ينحل العلم الاجمالي انحلالاً حقيقياً لو رأيت النجاسة بعيني ولا يتعارض الأصلان، ويعبر عنه بالانحلال الحكمي، كذلك لو لم أره بعيني وإنما الثقة شهد بأنَّ هذا الطرف نجس، فإنَّ خبر الثقة بناءً على مسلك جعل العلمية إخباره يورث العلم شرعاً، فهو يصير بمثابة العلم، فيصير هذا الطرف معلوم النجاسة كما لو رأيته بعيني، وذاك الطرف الثاني يصير مشكوكاً، فيصير بمثابة الانحلال الحقيقي، وفي مثل هذه الحالة سوف يصير فارقاً بين الانحلال التعبّدي والانحلال الحكمي، فالانحلال الحكمي يفترض فيه أنَّ الأصول تتعارض في الأطراف فيصير تنجيزاً وإذا شهد الثقة بأنَّ هذا الطرف نجس فسوف ينحلّ حكماً، يعني هو ليس بعلمٍ ولكن أصل الطهارة لا يجري فلا يحصل تعارض بين الأصول، فهذا انحلال حكمي، يعني هو في حكم الانحلال، إذ لا تعارض بين الأصول، أما بناءً على مسلك جعل العلمية يصير بمثابة العلم، يعني هو انحلال حقيقي ولكن بالتعبّد إن صحَّ التعبير، هذا فارقٌ بين الانحلال التعبّدي والانحلال الحكمي.
وتوجد ثلاث أسئلة في البين: -السؤال الأول: - ما هو الفارق بين الانحلال الحكمي والاحلال التعبدي؟
والجواب: - قد اتضح الفارق أنه في الانحلال الحكمي لا يحصل علم في أحد الطرفين بشهادة الثقة وإما الشك بعدُ موجوداً وتتعارض الأصول في الأطراف، فإذا شهد الثقة فلا يجري الأصل في الطرف الذي شهد بنجاسته فيجري الأصل في الطرف الثاني من دون معارض فينحل العلم الاجمالي حكماً، أما إذا شهد الثقة وبنينا على جعل العلية فالعلم الاجمالي ينحل انحلالاً حقيقياً ولكن بالتعبّد، فيصير بمثابة العلم إذا حصل، فكيف إذا حصل العلم ينحل العلم الاجمالي كذلك هنا ينحل العلم الاجمالي، غايته إذا حصل العلم بأني رأيت النجاسة الواقعة بعيني فهذا نسميه انحلالاً حقيقياً وإذا حصل بخبر الثقة وبنينا على جعل العلمية فهذا أيضاً يكون انحلالاً حقيقياً ولكن بالتعبّد حيث إنَّ الشارع جعل خبر الثقة علماً ولكن تعبّداً، وما بيّناه هو فارق نظري بين الانحلالين.
فإذاً إذا قام خبر الثقة ولم نبنِ على عل العلمية فالأصل هنا لا يجري ويجري في الطرف الآخر من دون معارض، وهذا انحلال حكمي، وإذا بنينا على جعل العلمية فيحصل حينئذٍ انحلال حقيقي ولكن بالتعبّد فهو بمثابة حصول العلم، فكما لو حصل علم هنا ينحل العلم الاجمالي ولا نحتاج إلى اجراء الأصل، لأنه في مورد الانحلال الحقيقي لا نحتاج إلى اجراء الأصل لأنه لا يوجد علم اجمالي حقيقةً، نعم إلا من باب الشك البدوي ككل شك بدوي فإنَّ كل شيء تراه لابد أن يجري فيه أصل الطهارة لأنه يوجد شك بدوي، أما من زاوية العلم الاجمالي فلا نحتاج إلى اجراء الأصل في الطرف الثاني مادام حصل علم بالنجاسة في الطرف الأول حقيقية أو حصل علم بالتعبّد فهنا لا نحتاج إلى اجراء الأصل في الطرف الثاني، نعم يوجد شك بدوي ككل شك بدوي، وإلا فالعلم الاجمالي قد انحلَّ، فكما في الانحلال الحقيقي لا نحتاج إلى اجراء الأصل هنا الأمر كذلك.
وهذا بخلافه على الانحلال الحكمي، فهنا إذا شهد الثقة بنجاسة أحد الطرفين فإنَّ أصل الطهارة لا يجري ولكن العلم الاجمالي بَعدُ موجودُ لم يزُل ولكن لا يجري الأصل لوجود خبر الثقة المقدَّم على الأصل، فنحتاج إلى اجراء الأصل في الطرف الثاني، لأنَّ العلم الاجمالي موجود حقيقةً.
فإذاً الفارق الأول هو أنه بناءً على كون خبر الثقة لا يفيد العلم إذا شهد بنجاسة هذا الطرف فالعلم الاجمالي بَعدُ موجود فنحتاج إلى اجراء أصل الطهارة في الطرف الثاني، أما بناءً على فكرة الانحلال التعبّدي - يعني جعلت العلمية لخبر الثقة - فسوف ينحل العلم الاجمالي ولا يبقى، فكما في صورة الانحلال الحقيقي للعلم الاجمالي هنا أيضاً لا يبقى علم اجمالي ولا نحتاج إلى اجراء الأصل في الطرف الثاني، نعم من باب الشك البدوي فهو ككل شك بدوي ونحن نجريه من باب الشك البدوي ولكن هذه قضية ثانية، أما العلم الاجمالي فليس بموجود.
السؤال الثاني: - هل هناك ثمرة بين فكرة الانحلال التعبدي والانحلال الحكمي؟
والجواب: - الظاهر عدم وجود ثمرة إلا بهذا المقدار الذي ذكرناه، يعني نقول إنه في الانحلال الحكمي - يعني إذا شهد الثقة ولم يكن مفيداً للعلم - نحتاج إلى اجراء الأصل في الطرف الثاني لأنَّ العلم الاجمالي بعد موجود، أما إذا كان الانحلال تعبّدياً فلا نحتاج إلى اجراء الأصل في الطرف الثاني لأنَّ الشارع عبدني بعدم العلم، فهذا هو الفرق بينهما ولا يوجد أكثر من ذلك.