41/11/02
الموضوع: - التنبيه الثامن ( الانحلال الحقيقي والانحلال الحكمي ) - الشبهة غير المحصورة - مبحث أصالة الاشتغال (الشّك في المكلف به)- مبحث الأصول العملية.
وصلنا إلى المورد الرابع وذكرنا مثاله، ولعل المعروف هنا هو انحلال العلم الاجمالي الثاني انحلالاً حكمياً، بمعنى أنه ليس بمجّز، فالتنجيز يبقى للعلم الأول دون العلم الثاني، وفي هذا المجال توجد ثلاث آراء: -
الرأي الأول:- وهو يقول حيث إنَّ العلم الأول متقدم زماناً، لأنه أولاً وقعت نجاسة إما في الاناء الأول أو في الاناء الثاني ثم بعد ساعة صاب الشيء الثالث - العباءة - الاناء الثاني فيتكون العلم الاجمالي الثاني بفاصلٍ زمني، فيف مثل هذه الحالة يكون المنجز هو العلم الاجمالي الأول أما العلم الاجمالي الثاني لا يكون منجزاً، وذلك إما لما أفاده الشيخ الأعظم(قده) من أنَّ الأصول التي تدخل في عملية المعارضة هي الأصول ذوات الرتبة الواحدة وحيث إن الأصل في هذا الشيء الثالث هو أصل مسببي لأن الشك في نجاسته ناشئ من الشك في ناسة الاناء الأول فالك في نجاسة الاناء الأول شك سببي وأصل الطهارة الجاري فيه يصطلح عليه بالأصل السببي بينما الشك في الطرف الثالث- الملاقي - هو شك مسببي والأصل الجاري فيه هو الأصل المسببي، وحينئذٍ نقول إن المعارضة تصير بين الأصول ذوات الرتبة الواحدة، فعلى هذا الأساس يكون المنجّز هو العلم الأول.
إن قلت: - إنه بعد ذلك يتشكل علم جديد، يعني أنه بعد تحقق الملاقاة يحصل علم جديد، فحينما لاقى الطرف الثالث الاناء الأول سوف يحصل علم جديد بنجاسة إما الطرف الثالث أو الثاني ولا توجد بين الأصلين سببية ومسبَّبية إنما السببية والمسبَّبية هي بين الأصل في الطرف الأول والأصل في الطرف الثاني أما الأصل في الطرف الثاني والأصل في الطرف الثالث فلا توجد بينمهما سببية ومسبَّبية؟
قال: - إنَّ هذا صحيح ولكن الأصل في الطرف الثاني قد سقط في المعارضة الأولى، والساقط لا يعود.
فدخلت الفلسفة في علم الأصول من حيث أراد الشيخ الأعظم(قده) أو لم يرد، فبالتالي هو بنى على كون العلم الاجمالي الثاني منجّزاً لعدم تعارض الأصول في أطرافه، إذ الأصل في الطرف الثاني الذي هو أحد الطرفين في العلم الاجمالي الثاني قد سقط بالمعارضة الأولى والساقط لا يعود، وحينئذٍ يبقى العلم الاجمالي الأول هو المنجّز، أما العلم الاجمالي الثاني فليس بمنجّز، فيصير هناك شك بدوي في نجاسة الطرف الثالث - الملاقي - فنجري فيه أصل الطهارة من دون وجود أصلٍ يعارضه، لأن ذينك الأصلين قد سقطا بالمعارضة الأولى والساقط لا يعود، فيجري الأصل في الطرف الثالث - الملاقي - من دون معارض فنحكم بطهارته، وهذا انحلال حكمي.
الرأي الثاني: - وهو يقول إنه حتى لو كان العلمان قد حصلا في آنٍ واحد فرغم هذا يكون العلم بين الطرفين الأولين هو المقدَّم، فأصوله تتساقط فيكون منجّزاً، أما العلم الاجمالي الثاني فأصوله لا تتساقط فلا يكون منجّزاً، وكيف هذا حتى لو حصلا في آن واحد؟! كما لو فرض أنَّ ملاقاة الطرف الثالث للطرف الأول حصلت قبل العم الاجمالي الأول يعني اولاً عباءتي لاقت الاناء الأول ولكني لا أعلم بنجاسة الاناء الأول ولكن بعد ساعة علمت أن أحد الاناءين نجس قبل الملاقاة فالعلم الاجمالي بنجاسة أحد الاناءين الأولين حصل بعد الملاقاة ولكن رغم ذلك يكون العلم الأول منجّزاً فتتساقط الأصول في أطرافه، بخلاف العلم الثاني الذي يكون بين الاناء الثالث وبين الاناء الثاني، ولماذا؟
قال: - لأجل أنَّ المدار عند تعارض لأصول على وحدة الرتبة والرتبة هي واحدة بين الأصل في الطرف الأول والأصل في الطرف الثاني في العلم الأول فيتساقطان، وليس من المهم زمان العلم، فسواء زمان العلم الأول حصل بعد الملاقاة أو حصل قبلها فهذا غير مهم وإنما المهم أن هذان الأصلان رتبتهما واحدة، بخلافه في العلم الثاني فإن الأصل فيه مسببي فالمعارضة تصير بين ذينك الأصلين في العلم الأول سواء كان العلم الأول متقدماً في الزمان أو كان متأخراً بالزمان فإنه لا يؤثر من هذه الناحية والمهم هو ملاحظة رتبة الأصول.
وهذا دخولٌ في الفلسفة ومسألة الرتبة من حيث نعلم أو لا نعلم فقد بنى الشيخ النائيني(قده) على ذلك، فالمهم عنده أن تكون الرتبة واحدة، ورتبة العلم الأول متقدّمة وإن كان الزمن متأخراً، لأنَّ العلم الاجمالي الثاني تكوّن من العلم الاجمالي الأول، ولولا العلم الاجمالي الأول لم يتكون العلم الاجمالي الثاني، فإنَّ المعلوم بالعلم الثاني معلول للمعلوم بالعلم الأول، وخلاصتها أنهم قالوا بالانحلال ولكن لأجل ملاحظة وحدة الرتبة وأنَّ المعارضة تكون بين الأصول ذوات الرتبة الواحدة، فهم قالوا بالانحلال الحكمي.
الرأي الثالث: - وهو يقول بعدم الانحلال، يعني تصير النتيجة هي أنَّ كلا العلمين يصير منجّزاً ومسألة الرتبة وأن المنجّز لا يتنجز وغير ذلك فكلّها لا نقبلها في علم الأصول، فيثبت التنجيز لكلا العلمين، وبالتالي يجب اجتناب جميع الأطراف الثلاثة.
وشاهدُنا فيما ذكرناه هو على الرأي الأول وعلى الرأي الثاني، أما على الرأي الثالث فلا يوجد انحلال، فحتى الانحلال الحكمي لا يعترف به، فإذا كان لا يعترف به فإذاً لا يوجد انحلال حكمي على الرأي الثالث، وإنما الانحلال الحكمي موجود على الرأي الأول والثاني.
فارق بين الانحلال الحقيقي والانحلال الحكمي: -لا يشترط في مورد الانحلال الحقيقي تقدم الأمارة أو تأخرها أو مقارنتها، فإذا علمت بنجاسة أحد الاناءين ثم حصل العلم بالنجاسة فيحصل الانحلال الحقيقي سواء حصل العلم بالنجاسة قبل العلم الاجمالي أو بعده أو مقارناً له، لأني إذا نظرت ورأيت النجاسة في هذا الاناء فسوف ينحل العلم الاجمالي انحلالاً حقيقياً إذا كان الموجب للانحلال علماً، وأما إذا كان الموجب للانحلال أمارة ظنية والذي يصير المورد فيه انحلالاً حكمياً لا حقيقياً فيشترط حصول هذه الأمارة لأجل أن يتحقق الانحلال الحكمي، وحصولها يكون إما قبل العلم الاجمالي وإما مقارناً له[1] ، وأما إذا قامت الأمارة بعد العلم الاجمالي بساعة مثلاً فلا يحصل الانحلال الحكمي بل تبقى المنجّزية على حالها، ولماذا؟