41/10/28
الموضوع: - التنبيه السابع ( ملاقي أحد أطراف الشبهة المحصورة ) - الشبهة غير المحصورة - مبحث أصالة الاشتغال (الشّك في المكلف به)- مبحث الأصول العملية.
ثانياً:- أنت قلت إنَّ الطرف الأول مادام خراجاً عن محل الابتلاء يبقى المجال مفتوحاً بين أصل الطهارة في الطرف الثاني وأصل الطهارة في الطرف الثالث - الملاقي - فيسقطان بالتعارض، ونحن نقول:- إذا عاد الطرف الأول إلى محل الابتلاء - بأن أعاده أعوان السلطان - فحينئذٍ أصل الطهارة فيه ليكن معارضاً إلى أصل الطهارة في الطرف الثاني فيكونان في رتبة واحدة فيتعارضان ويتساقطان فتصل النوبة إلى أصل الطهارة في الطرف الثالث - الملاقي - ونحكم بطهارته، وليس لك إلا أن تجيب بجواب واحد وهو أنَّ تقول إنَّ الساقط لا يعود، يعني أنَّ الأصل في الطرف الثاني قد سقط، فحينما يعود الطرف الأول إلى محل الابتلاء لا يعود الطرف الثاني موجوداً لأن الساقط لا يعود، وقد علّقنا عن ذلك وقلنا إنَّ قاعدة الساقط لا يعود تامة في الأمور التكوينية ولا معنى لتطبيقها على الأدلة اللفظية، وإنما دليل أصل الطهارة - وهو ( كل شيء لك طاهر ) - لم يكن يشمل الطرف الثاني للمعارضة بينه وبين أصل الطهارة في الطرف الثالث - الملاقي - ولكن الآن عاد الطرف الأول إلى محل الابتلاء، فأصل الطهارة - وهو ( كل شيء لك طاهر ) - لم يسقط فإنَّ هذا ليس سقوطاً تكوينياً وإنما هو سقوط اعتباري لأجل المعارضة، فأولاً لم تكن هناك معارضة بين الأصل في الطرف الأول والأصل في الطرف الثاني، أما الآن فسوف تصير معارضة بينهما، أما أن نقول إنَّ الساقط لا يعود ونطبق هذه المصطلحات التي ترتبط بالفلسفة في الأصول فسوف ينتج هكذا نتائج غير صحيحة، فإذاً هذ الكلام يبتني على فكرة الساقط لا يعود وقد قلنا إنَّ تطبيق هذه الفكرة هنا باطل وإنما تطبيقها خاص بالتكوينيات، وإنما المعارضة هنا هي بمعنى أن حديث ( كل شيء لك طاهر ) لا قابلية له في أن يشمل الطرفين الأول والثالث، فهما سقطا بهذا المعنى، يعني أنه لا يشملهما، والآن حينما عاد الطرف الأول إلى محل الابتلاء فسوف يقف الاناء الأول من جانب والاناء الثاني من جابب آخرٍ وحديث ( كل شيء لك طاهر ) لا يشملهما معاً للمعارضة، ولا يدخل الطرف الثالث في المعارضة على مبانيهم، لأنه على مبانيهم رتبته متأخرة لأنه أصل مسبَّبي، وأما على ما ذكرنا يدخل في المعارضة فتصير المعارضة ثلاثية، أما على رأيهم فسوف تكون المعارضة ثنائية ويبقى الطرف الثالث من دون معارض فيشمله ( كل شيء لك طاهر )، أما على رأينا الذي قلنا فيه إنَّ مسألة الساقط لا يعود باطل وكذلك اختصاص المعارضة بالأصول ذوات الرتبة الواحد باطل أيضاً، فعلى هذا الأساس تصير المعارضة ثلاثية، فأصل الطهارة لا يشمل الجميع فيجب الاجتناب عن جميع الأطراف، وبالتالي لا يثبت ما أراده صاحب الكفاية من أنه يجب الاجتناب عن الطرف الثاني والثالث فقط دون الطرف الأول فإنَّ هذا باطل لنكتتين، الأولى قد تقدمت، والثانية إنَّ هذا مبتني على قاعدة الساقط لا يعود وهذه القاعدة خاصة بالأمور التكوينية أما تطبيقها في الأمور الاعتبارية فلا معنى له، فإنَّ ( حديث كل شيء لك طاهر ) حينما عادت الأطراف الثلاثة إلى محل الابتلاء يكون شاملاً لها جميعاً، وحينئذٍ بناءً على اختصاص المعارضة بالأصول ذوات الرتبة الواحدة نقول إنَّ حديث ( كل شيء لك طاهر ) لا يشمل الطرف الأول ولا يشمل الطرف الثاني، لأنَّ رتبتهما واحدة، فإن كليهما أصل سببي، فبعد سقوطهما تصل النوبة إلى الأصل المسبَّبي وهو الأصل في الطرف الثالث - الملاقي -، ولعل هذا هو قول المشهور، أو نقول إنَّ الكل لا يشمله الحديث ويجب الاجتناب عن الكل.
فإذاً ما أراده صاحب الكفاية(قده) - من أنه يجب الاجتناب عن الطرف الثاني والطرف الثالث أما الطرف الأول فيجوز ارتكابه - فلا يتم.
اختلاف الأصول في النتائج: -
إنَّ الأصول العملية إذا أردنا أن نطبقها في مسألة الملاقي فسوف تكون النتائج مختلفة: -
الصورة الأولى: - أن نفترض أنه يوجد عندنا إناءان حالتهما السابقة غير معروفة ثم بعد ذلك علمنا بنجاسة أحدهما ثم لاقت العباءة الاناء الأول، فهنا الأصول الجارية في الاناءين الأول الثاني ما هي حث إن الحالة السابقة مجهولة فإن الاستصحاب لا يجري، فلا يجري استصحاب الطهارة في الاناءين الأول والثاني ولا استصحاب النجاسة فيهما، لأنَّ الحالة السابقة لهما غير معلومة وإنما أمرهما مشكوك فيجري أصل الطهارة، فصحيح أنه وقعت نجاسة لكن هذا الاناء الأول مشكوك في أنها أصابته فيجري فيه ( كل شيء لك طاهر )، وكذلك الاناء الثاني مشكوك أنها وقعت فيه فيجري فيه ( كل شيء لك طاهر )، فيتعارضان ويتساقطان حيث نعلم بأنَّ أحدهما نجس، فتصل النوبة إلى أصل الطهارة في العباءة - الملاقي -، والنتيجة التي حصلت هي طهارة الملاقي - العباءة -، وهذه صورة معروفة.
الصورة الثانية: - أن يفترض أنَّ الحالة السابقة هي النجاسة في الطرفين الأول والثاني وقد طُهّر أحدهما بأنَّ وقع عليه ماء المطر مثلاً ولكن لا نعلم بأنَّ الذي حصل له التطهير هو الطرف الأول أو الثاني ثم لاقت العباءة الطرف الأول، فهنا الأصل الجاري في الطرف الأول والثاني هو استصحاب النجاسة، ثم إنه بما أنَّ العباءة لاقت الطرف الأول فبما أنَّ استصحاب النجاسة في الاناء الأول هو الجاري وهو حاكم على أصل الطهارة في العباءة فنحكم بنجاسة الملاقي له - أي العباءة -، ولا تصل النوبة إلى أصل الطهارة في الملاقي - العباءة - لوجود الحاكم وهو استصحاب النجاسة في الطرف الأول.
الصورة الثالثة: - أن نفترض أنه يوجد عندنا إناءان حالتهما السابقة هي الطهارة ثم تنجس أحدهما من دون تشخيص ثم لاقت العباءة الاناء الأول، فهنا لا يجري استصحاب الطهارة للعلم بوقوع النجاسة في أحدهما، وحينئذٍ لا يمكن جريان كلا الاستصحابين للعلم بانتقاض الحالة السابقة في أحدهما، فتطبيق ( لا تنقض اليقين بالشك ) على كليهما نجزم ببطلانه، إذ جزماً أحدهما يكون المورد فيه من باب نقض اليقين باليقين وليس من باب نقض اليقين بالشك، فلا يجري الاستصحاب، وحيث لا نشخّصه فالاستصحاب لا يجري في كلا الطرفين.
ولا يقولن قائل: - إنك أجريت الاستصحاب في الصورة الحالة الثانية مع فرض العلم بانتقاض الحالة السابقة أيضاً؟
قلت: - إنه في الصورة الثانية الحالة السابقة هي الطهارة فالذي يجري هو استصحاب النجاسة، ولا مانع من جريان استصحاب النجاسة في كليهما مع علمنا بطهارة واحدٍ منهما، بل أقصى ما يلزم هو ترك الطاهر وترك الطاهر لا محذور فيه، أما في الصورة الثالثة إذا أجرينا أصل الطهارة في كليهما مع علمنا بنجاسة واحد منهما سوف يلزم ارتكاب النجس وهذا لا يجوز شرعاً، فعلى هذا الأساس لا يجري استصحاب الطهارة في كليهما بعد علما بنجاسة أحدهما لأنه يلزم المخالفة القطعية للعلم بوقوع النجاسة في أحدهما، فيبقى الأصل في الطرف الثالث الملاقي - وهو العباءة - من دون معارض فنحكم بجريان أصل الطهارة في الملاقي - أي الطرف الثالث وهو العباءة - من دون مزاحم ونحكم بالطهارة.
وبهذا ننهي حديثنا عن التنبيه السابع من تنبيهات ملاقي أحد أطراف الشبهة المحصورة.