41/10/21
الموضوع: - التنبيه السابع ( ملاقي أحد أطراف الشبهة المحصورة ) - الشبهة غير المحصورة - مبحث أصالة الاشتغال ( الشّك في المكلف به )- مبحث الأصول العملية.
ويرد على ما أفاده في كلام المقدمة الأولى:- إنه لماذا تشترط أن يكون العلم الاجمالي محدثاً للتكليف بنفسه؟!! بل لمهم أن يكون عندك علم بثبوت التكليف، أما أنَّ هذا التكليف هو منجّز بنحو الإحداث أو لا بنحو الإحداث فهذا غير مهم، بل بالتالي أنت تجزم إما أن النجس هو الاناء الأول أو الاناء الثاني - في العلم الاجمالي الأول - فيجب اجتنابهما معاً، وأنت تجزم أيضاً بأنه إما الاناء الثالث نجس أو الاناء الثاني - في العلم الاجمالي الثاني -، ولا يشترط أن يكون عندنا إحداثٌ للتكليف، بل المهم أنَّ العقل يقول يوجد عندك علم بالتكليف وتجزم بذلك، أما أنه يشترط ثبوت إحداثٍ للتكليف فلم يثبت هذا الشيء.
نعم نستدرك ونقول:- إنه إذا فرض أن المنجّز لأحد الطرفين - مثل الاناء الثاني - هو غير العلم الاجمالي الثاني، فمرة تنجيزه يكون بسببٍ آخر غير العلم الأول، كما لو كان تنجيزه بسبب الاستصحاب، لأن حالته السابقة كانت هي النجاسة ثم شككنا في بقاء النجاسة ووقعت قطرة دم في الاناء الثاني فتنجس حتماً ولكن احتملنا بعد ذلك تطهيره ثم بعد ذلك علمنا اجمالاً بوقوع نجاسة ثانية غير النجاسة الأولى إما في الاناء الأول - الذي لم تكن فيه نجاسة سابقة - أو في الاناء الثاني، فهذا العلم الأول يصاحبه شيء وهو استصحاب النجاسة في الاناء الثاني، لأن قطرة الدم جزماً قد وقعت في الاناء الثاني وشككنا في التطهير فاستصحاب النجاسة يجري، فهنا العلم الاجمالي الثاني يسقط عن الاعتبار، لأنه لا تحصل معارضة بين أصل الطهارة في الاناء الثالث وبين أصل الطهارة في الاناء الثاني، لأن شرط التنجيز معارضة الأصول في الأطراف، وأصل الطهارة لا يجري في الاناء الثاني لوجود استصحابٍ حاكم عليه، فلا يكون العلم الاجمالي الثاني منجزاً، بل ولا يكون العلم الاجمالي الأوّل منجّزاً أيضاً، لأجل أنه لا تتعارض الأصول، نعم يوجد عندي علم اجمالي بنجاسة أحدهما جزماً ولكن أصلي الطهارة في الطرفين لا يتعارضان، فإنَّ أصل الطهارة في الاناء الثاني قلنا بأنه لا يجري لوجود الأصل الحاكم وهو استصحاب النجاسة، ومع جريان استصحاب النجاسة لا تصل النوبة إلى أصل الطهارة، فالعلم الاجمالي لا يكون منجّزاً، بل العلم الاجمالي الأوّل ليس بمنجز أيضاً رغم أنه يوجد عندي علم بنجاسة أحد طرفيه جزماً، فأنا أجزم بأنَّ أحدهما نجس، لأنَّ الاناء الثاني الذي كان نجساً سابقاً وشككنا في تطهيره قد فرضنا بعد ذلك أن نجاسة أخرى لاقت أحد الاناءين فحدث علم اجمالي بنجاسة أحد الانائين الأول أو الثاني هذا في العلم الأول، ولكن أصول الطهارة بما أنها لا تتعارض فيسقط العلم الاجمالي عن التنجيز رغم أنه يوجد عندنا علم بثبوت التكليف بالاجتناب عن أحدهما، ولكن رغم ذلك العلم الاجمالي لا ينجّز، لأنَّ الأصول لا تتعارض للنكتة التي أشرنا إليها، فيجب الاجتناب فقط وفقط عن الاناء الثاني، أما العلم الاجمالي الأول والثاني فليسا منجّزان.
وبناءً على هذا نقول: - إذا فرضنا أنَّ المنجّز للطرف الثاني لم يكن هو الاستصحاب حتى يمنع من أصل الطهارة وإنما المنجّز له كان هو العلم الاجمالي الأول فلا مانع من ذلك، فإنَّ هذا العلم الاجمالي الأول ينجّز كلا الطرفين الأول والثاني، والعلم الاجمالي الثاني أيضاً ينجّز كلا الطرفين الثاني والثالث.
اللهم إلا أن تقول: - إنه توجد عندي قاعدة وهي أنَّ المنجَّز لا يتنجّز ثانية، أو أن الساقط لا يعود - فإنَّ الأصل في المعارضة الأولى قد سقط -.
ولكن نقول: - إنَّ هذا رجوع إلى الوجوه السابقة وليس وجهاً جديداً.
وقد يقول قائل: - إنك قلت إنَّ الشيخ النائيني إنه لا يوجد عند دليل على شرطية على أن يكون العلم الاجمالي محدثاً للتكليف ولكن أنت أيضاً لا يوجد عندك دليل على أنه يوجد هناك تكليف سواء كان بنحو الاحداث أو بنحو البقاء؟
قلت: - إنَّ دليلنا واضح، فإنه يوجد عندك علم، فأنت تستطيع أن تجزم بوجوب الاجتناب عن الاناء الثاني أو الاناء الثالث، ومادمت تجزم بذلك فيجب الاجتناب عنهما، أما من القول باشتراط إحداث التكليف فهذا غير صحيح، فإنَّ العقل يقول لا فرق في ذلك سواء عملت بالتكليف بنحو الإحداث أو لم يكن بنحو الإحداث، فدليلنا وهو حكم العقل، فإنه مادمت تعلم بثبوت التكليف كفى ذلك ولا حاجة إلى اشتراط أن يكون بنحو الإحداث، نعم استثنياً حالة ما إذا فرض أنه يوجد في أحد الطرفين شيئاً مثل الاستصحاب فسوف يمنع من جريان أصل الطهارة فلا تتعارض الأصول، ولكن هذه قضية ثانية، فنقول لا تنجيز ولكن من باب عدم تعارض الأصول وليس من باب أنه لا علم بالإحداث فإنَّ هذا لا نشترطه.
وعلى هذا الأساس قلنا نفصّل هكذا:- وهو أنه إذا جرى الاستصحاب في أحد الطرفين فهنا العلم الاجمالي الثاني لا يكون منجّزاً، بل حتى العلم الاجمالي الأول يكون منجّزاً، وأما إذا فرض أنَّ الاستصحاب ليس موجوداً عندنا وإنما المنجّز الآخر كان هو العلم الاجمالي الأول في مقابل العلم الاجمالي الثاني فالعلم الاجمالي الثاني لا يكون منجّزاً بالعلم الاجمالي الأول في مقابل العلم الاجمالي الثاني، فالعلم الاجمالي الثاني قد تنجّز بمنجزٍ سابق وهو العلم الاجمالي الأول، حيث تنجّز وجوب الاجتناب عن الاناء الثاني بالعلم الاجمالي الأول، ولكن نقول أنه لا يشترط في تنجيز العلم الاجمالي الثاني ف أن يكون محدِثاً للتكليف، بل يكفي أن نعلم بثبوت التكليف إما في الاناء الثالث أو الاناء الثاني ولا نريد أكثر من هذا، والعقل يكتفي بهذا، والمفروض أنَّ الأصول متعارضة، اللهم إلا أن يجيب بأنَّ الأصل في الطرف الثاني قد سقط والساقط بالمعارضة الأولى لا يعود، أو أنَّ المنجّز لا يتنجّز ثانيةً، فنقول له إنه بهذا عدنا إلى ما سبق وليس شيئاً جديداً.
وأما المقدمة الثانية التي ذكرها فنقول:- إنك قلت إنَّ التنجّز يصير من زمان المعلوم وليس من حين العلم، ونحن نقول:- إننا لا نقبل بهذا، فأنا حينما أعلم الآن بثبوت النجاسة قبل شهر فالتنجّز يكون من الآن - أي من حين العلم - وليس قبل شهر - أي وليس من حين المعلوم -، والله تعالى يعاقبني من الآن فيقول لي من الآن رتّب آثار النجاسة، فلو كنت قد شربت من الاناء السابق فرتّب الآثار بلحاظ ما سبق، ولكن استحقاق العقوبة هو من الآن، لأن التنجّز هو استحقاق العقوبة، فالتنجّز يكون من الآن ولكن الأثر الوضعي وهو النجاسة يكون من قبل شهر، فلا يحصل خلطٌ بين التنجّز وبين التنجّز والأثر الوضعي، إذ الأثر الوضعي - وهو النجاسة - وآثاره تكون ثابتة منذ شهر، أما التنجّز فهو يثبت من حين العلم وليس من حين ثبوت المعلوم، لأنَّ التنجز فرع العلم والانكشاف، فإذا انكشف الشيء يثبت التنجّز واستحقاق العقوبة على المخالفة من حين الانكشاف لا أنه يثبت من حين الشهر- أي من حين المعلوم -، فإنه من أوّل الشهر لا يوجد علم فلا يوجد تنجّز، نعم آثار النجاسة تثبت من الشهر، يعني لو صليت بذلك الثوب أو توضأت بذاك الماء فنقول إنَّ ذلك الفعل باطل، ولكن يتنّجز عليك البطلان من الآن وليس من قبل شهر، فيلزم أن تعيد الصلاة، فالتنجّز يكون من الآن وليس مما سبق، فأنَّ التنجّز من شؤون العلم وليس من شؤون المعلوم، وهذا من الأمور الواضحة.
وعلّق الشيخ العراقي(قده) في حاشيته على فوائد الأصول على كلام الشيخ النائيني(قده) في هذا المورد وقال:- (ولعمري إنَّ هذه الكلمات كسرابٍ بقيعةٍ يحسبه الضمآن ماءً)[1] .
وعلى أيَّ حال إنَّ مثل القضية ينبغي أن تكون واضحة.