41/10/20
الموضوع: - التنبيه السابع ( ملاقي أحد أطراف الشبهة المحصورة ) - الشبهة غير المحصورة - مبحث أصالة الاشتغال ( الشّك في المكلف به )- مبحث الأصول العملية.
ومثال الأسبقية في الرتبة هو أن نفترض أنه يوجد عندنا إناءان ويوجد إناء ثالث وفي آنٍ واحد وفي لحظة واحدة حدثت ملاقاة الاناء الثالث للإناء الأول وفي نفس اللحظة وفي نفس الآن لاقت نجاسة أحد الاناءين الأولين، ففي مثل هذه الحالة هل نجاسة الإناء الثالث أسبق - لأنه لاقى الطرف الأول ونحن نعلم بأن الاناء الأول أو الثاني نجس لأن قطرة النجاسة وقعت في نفس الآن في أحد الانائين الأولين - من ملاقاة النجاسة لأحد الاناءين الأول والثاني أو أنَّ ملاقاة تلك النجاسة لأحد الاناءين أسبق من ملاقاة الاناء الثالث للإناء الأول؟
والجواب:- إننا فرضنا التقارن فلا أسبقية زمانية، نعم توجد أسبقية رتبية، والأسبق رتبة هي نجاسة الاناء الأول أو الثاني لأن نجاسة الملاقي مسببة عن نجاسة الملاقى، فنجاسة الملاقي - أي الاناء الثالث - متأخرة في الرتبة لأنها معلولة والمعلول متأخر رتبة عن رتبة العلة، فإذاً نجاسة أحد الاناءين الأول أو الثاني أسبق رتبة من انفعال أو نجاسة الاناء الثالث لأن نجاسة الاناء الثالث هي نجاسة معلولة والنجاسة الحادثة بالملاقاة هي بمثابة العلة والعلة متقدمة على المعلول، فهذه أسبقية رتبية، والأسبقية الرتبية كالأسبقية الزمانية، فكما إذا كان المعلوم أسبق زماناً من المعلوم الثاني يكون المعلوم الأول هو المنجّز أولاً دون المعلوم الثاني المتأخر زماناً كذلك إذا كانت الأسبقية رتبية يكون الأسبق رتبة هو المنجز دون العلم المتأخر رتبة، لأن المعلوم بالعلم الثاني متأخر رتبةً عن المعلوم بالعلم الأول.
فالشيخ النائيني(قده) أراد بهذه المقدمة الثالثة أن يسوّي بين الأسبقية الزمانية للمعلوم والأسبقية الرتبية، فكما أن التنجّز يدور مدار الأسبقية الزمانية فالأسبق زماناً يكون هو المنجز دون المتأخر زماناً كذلك الاسبقية الرتبية يكون التنجز لها دون المتأخر في الرتبة وإن كانا متقارنين في الزمان.
ويوجد سؤال لم يتعرض إليه الشيخ النائيني ولا لجوابه:- وهو إنه لماذا هذا التطويل، بل يكفيك المقدمة الأولى من دون حاجة إلى المقدمة الثانية والثالثة، لأننا نريد أن نثبت أنَّ الملاقي لا يجب الاجتناب عنه، وإنما يجب الاجتناب عن الطرف الأول والطرف الثاني، ويكفي في الوصول إلى هذا المقصد المقدمة الأولى حيث قال إنَّ شرط منجّزية العلم الاجمالي أن يكون محدثاً للتكليف على كل تقدير وحيث إن العلم الثاني - يعني بين الاناء الثالث الملاقي وبين الاناء الثاني - ليس بمنجز إذ أحد طرفيه - هو الاناء الثاني - قد تنجّز ووجب الاجتناب عنه بمنجّز سابق، فيعود العلم الثاني ليس بمنجّز ويكون المنجّز هو العلم الأول، وتكون النتيجة هي أن الاناء الأول والثاني يجب الاجتناب عنهما دون الاناء الثالث، فوصلنا إلى النتيجة من دون الحاجة إلى المقدمة الثانية والثالثة؟
والجواب: - إنه توجد نكتة لذكر المدمتين الثانية والثالثة، فإنه لم يكتف بما ذكره بل أراد أن يصعّد في مدّعاه، فهو قد أثبت المدّعى في المقدمة الأولى وهو أنَّ العلم الثاني لا يكون منجّزاً والاناء الثالث لا يجب الاجتناب عنه وإنما يجب الاجتناب عن الأولين فقط، لأنَّ العلم الثاني لا يحصل بسبب العلم بالتكليف على كلا التقديرين بل على أحد التقديرين - وهو على تقدير كون الاناء الثاني قد تنجّز بالمنجز السابق وحصل التكليف بالمنجز السابق -، فهو لم يكتفِ بهذا وإنما أراد أن يثبت أنه حتى في المورد الذي نفترض فيه أنَّ العلم الثاني هو المتقدّم في الزمان والعلم الأول هو المتأخر في الزمان ولكن رغم ذلك يبقى العلم الأول هو الفعّال وتبقى النتيجة نفس النتيجة، يعني أنَّ المنجّز هو العلم الأول رغم تأخره الزماني، والوجه في ذلك هو أنَّ المعلوم وإن تأخر زماناً ولكنه متقدّم رتبةً، والمدار على سبق المعلوم لا في الزمان فقط بل يكفي التقدّم في الرتبة أيضاً، فهو أراد أن يوسّع من ذلك لا أنه فقط يريد أن يقول إنَّ العلم الأول هو المنجّز دون الثاني إذا كان العلم الأول هو السابق زماناً، وإنما أراد أن يوسّع أكثر يصعّد اللهجة، وهذا شيء جميل منه وإن لم نقبله.
إذاً اتضح شيئاً جانبياً وهو أنَّ الشيخ النائيني(قده) أضاف المقدمة الثانية الثالثة لأنه أراد أن يصعّد في مدّعاه وأنَّ العلم الأول هو المنجّز دون الثاني حتى في حالة تأخر العلم الأول عن الثاني زماناً ولكن مادام متقدماً عليه في الرتبة يعود التنجّز له، فيكون المدار عليه لا على العلم الثاني.