41/10/15
الموضوع: - التنبيه السابع ( ملاقي أحد أطراف الشبهة المحصورة ) - الشبهة غير المحصورة - مبحث أصالة الاشتغال ( الشّك في المكلف به )- مبحث الأصول العملية.
الجواب الثالث في اثبات أنَّ العلم الإجمالي الثاني ليس بمنجّز يعني بالتالي الملاقي لأحد أطراف الشبهة غير المحصورة لا يجب الاجتناب عنه:- ما ذهب إليه جماعة منهم السيد الخوئي(قده)[1] ، وحاصل ما ذكره أنَّ شرط تنجيز العلم الإجمالي تعارض الأصول في أطرافه وفي العلم الثاني لا تتعارض الأصول، أذ أحد طرفي العلم الثاني وهو الطرف المشترك - يعني الاناء الثاني - بين العلمين فالأصل في هذا الطرف المشترك قد سقط بسبب العلم الأول والمعارضة الأولى في العلم الأول والساقط لا يعود، فيعود العلم الإجمالي الثاني بلا تنجيز، لأنَّ الأصل في الطرف المشترك قد سقط فلا تتعارض الأصول بين الطرفين وشرط منجزية العلم الإجمالي تعارض الأصول بين الطرفين ولكنها ليست متعارضة فالأصل فالطرف المشترك قد سقط الأصل فيه فيجري الأصل في الطرف المختص - وهو الملاقي - بعد عدم تنجيز العلم الإجمالي الثاني لعدم تعارض الأصول في أطرافه فيجري الأصل في الملاقي من دون معارضة.
وإذا قلت: - ما فرق هذا عمّا ذكره الشيخ الأعظم(قده)؟
قلت:- إنَّ الشيخ الأعظم(قده) ذكر أنَّ شرط منجّزية العلم الإجمالي تعارض الأصول كما ذكرنا هذا في الرد الثالث، فهما مشتركان من هذه الناحية، ولكن تعارض الأصول لا يكون إلا بين الأصول ذوات الرتبة الواحدة، فالأساس الذي بنى عليه الشيخ الأعظم(قده) هو أنه يشترط وحدة رتبة الأصول حتى تتعارض وإلا لم تتعارض فإذاً كان أحدهما سببياً والآخر مسببياً فحيث أن السببي رتبته متأخرة عن الأصل السببي أو عن أخيه السببي في العلم الثاني، فإن الطرف المشترك أخو السببي فهذا الأصل رتبته متقدمة على الأصل في الملاقي، لأنَّ الأصل في الملاقي مسبّبي فلا يدخل في المعارضة، فالشيخ الأعظم(قده) في البيان الأول ناظر إلى أن شرط تنجيز العلم الإجمالي تعارض الأصول وإنما تتعارض إلى كانت متحدة في الرتبة، أما في هذا الجواب الثالث ففي المقدمة الأولى يوجد اشتراك أيضاً، وهي أنَّ شرط منجّزية العلم الإجمالي، ولا تتعارض في المقام لأنَّ أحد الأصول - وهو الأصل في الطرف المشترك - قد سقط بالمعارضة الأولى في العلم الإجمالي الأول والساقط لا يعود.
وتظهر الثمرة بينهما من هذا الفارق هي نظرية وعملية، أما النظرية فذاك يبتني على أنَّ شرط تنجيز العلم الإجمالي هو المعارضة، ولا معارضة إلا مع وحدة الرتبة ، أما هذا البيان فهو يقول إنَّ شرط التنجيز هو المعارضة ولا معارضة في المقام، لأنَّ أحد الأصلين قد سقط في مرحلة سابقة والساقط لا يعود، ولكن هذا الفارق النظري يترتب عليه فارق عملي في بعض الحالات وذلك فيما إذا فرض أنَّ العلم الإجمالي الثاني تقارن مع العلم الإجمالي الأول، يعني أن العباءة - الملاقي هو الطرف الثالث - لاقت الاناء الثاني، وبعد أن لاقته حصل العلمان في وقتٍ واحد، العلم الأول بين الاناء الأول وبين الاناء الثاني بأن أحدهما نجس، وفي نفس الوقت يحدث علماً أجمالاً ثانياً بنجاسة إما الاناء الثاني أو الملاقي - العباءة وهي الطرف الثالث - فتظهر الثمرة هنا، فعلى مبنى الشيخ الأعظم(قده) فبما أنه يشترط وحدة الرتبة والرتبة بين الأصول الثلاثة ليست واحدة أذ بعضها سببي وبعضها مسببي فحينئذٍ يجري تقريب الشيخ الأنصاري وبالتالي لا يكون العلم الاجمالي منجزاً ، فلا يجب الاجتناب عن الملاقي حتى إذا تعاصر العلمان لفرض أنَّ الرتبة ليست واحدة في الأصول في العلم الثاني، أما على التقريب الثالث الذي ذكرناه والذي تمسك بفكرة الساقط لا يعود فإنه مع فرض المعاصرة فهنا لا تنطبق فكرة أن الساقط أولاً لا يعود، فإنَّ المفروض أنَّ العلمان قد تعاصرا في آنٍ واحد، فلا تأتي فكرة أن ما سقط أولاً لا يعود ثانياً.
ويرده: - إنَّ فكرة الساقط لا يعود تامة في الأمور التكوينية وليس في الأمور الاعتبارية، ففي الأمور التكوينية لو سقط شخص من أعلى السطح ومات فالساقط لا يعود وهذا مقبول، ولكن موردنا ليس من هذا القبيل، فإنَّ السقوط هنا ليس سقوطاً تكوينياً وإنما معنى السقوط هنا أن نقول إنَّ الأصل في الطرف المشترك - أي الاناء الثاني - قد سقط أولاً بسبب العلم الأول، ومعنى سقط هنا هو أنَّ دليل ( كل شيء لك طاهر ) لا يشمله، لأنَّ شموله له مع الطرف الأول في العلم الإجمالي الأول غير ممكن، لأننا نعلم بأنَّ أحدهما نجس، فلا يشمله، فالسقوط هو بمعنى عدم شمل الدليل، وهذا لا ينافي أنه يسقط مرة ثانية في العلم الإجمالي الثاني، يعني أن حديث ( كل شيء لك طاهر ) نقول بلحاظ الطرف الثاني أيضاً هو ساقط فيه بمعنى لا يشمله، وأصلاً لا تأت بكلمة ( سقوط ) بل احذفها من الكلام، لأنك حينما تأتي بها فسوف تؤثر على تفكيرك، بل قل إنَّ حديث ( كل شيء لك طاهر ) لا يشمل الطرفين في العلم الإجمالي الأول وأيضاً لا يشمل الطرفين في العلم الإجمالي الثاني، وهذا لا مشكلة فيه.
على أنه لو أردنا أن نتماشى مع ما ذكر ولكن نقول: - أيّ مانع في أن نقول إنَّ الأصل في الطرف المشترك قد سقط في العلم الإجمالي الأول ولكنه سقط من زاوية ما إذا كان معارضه هو الأصل الأول في العلم الإجمالي الأول، أما من زاوية الطرف الثالث فهو لم يسقط، فهو سقط من تلك الزاوية ولم يسقط من هذه الزاوية، يعني أنَّ السقوط حيثي جهتي، فهو سقط من ذلك الحيث ومن تلك الجهة.
ولو لم تقبل ما نقول لزم الاشكال في باب الخبر أيضاً: - فلو فرض وجود خبرين متعارضين عندنا فتعارضا وسقطا وجاء خبر ثالث يعارض أحد الخبرين الساقطين فهل نأخذ به من باب أنَّ معارضه قد سقط أو أننا نقول إنَّ ذلك الخبر قد سقط بسبب الخبر الأول فهو سقط من ذلك الحيث أما من حيث هذا الخبر الثالث فهو لم يسقط فالمعارضة تامة، فأيهما الصحيح؟ إنَّ الأخذ بالخبر الثالث لأجل أنَّ معارضه قد سقط بالمعارضة الأولى لا معنى له ولا يمكن الالتزام به، وإنما نقول إنَّ الخبر الثاني يعارض الخبر الأول ويعارض الخبر الثالث في آنٍ واحد ويتساقط الجميع، فنحن هكذا نفعل، فقل نفس الشيء في باب الأصل، ولا تقل الأصل وإنما قل الرواية لأنَّ المدرك هو الرواية، لأنه حينما قيل الأصل صار سبباً للتشوش، وإنما قل ( كل شيء لك طاهر حتى تعلم أنه نجس )، فهذه الرواية أولاً لم يمكن تطبيقها على الطرفين الأوّلين في العلم الأول والآن في العلم الإجمالي الثاني هل يمكن تطبيقها أو لا، فهنا لا معنى لأن نقول إنه مادامت هذه الرواية قد سقطت عن الطرف المشترك عن العلم الاجمالي الأول فحينئذٍ الساقط لا يعود، فإنَّ هذا الكلام لا معنى له، لأنَّه أولاً إنَّ هذا يتم في السقوط التكويني لا السقوط الاعتباري، وثانياً إنَّ هذا سقوط حيثي من زاوية الطرف الأول لا من زاوية الطرف الثالث وإلا يرد إشكال وهو النقض بمثال الخبرين المتعارضين.
فعلى أيّ حال هذا المبنى الثالث مرفوض أشد الرفض لما أشرنا إليه.
ثم إنَّ السيد الخوئي(قده) على هذا البناء الذي بناه وفاقاً لجماعة وهو أنَّ الساقط لا يعود وبالتالي نحكم بطهارة الملاقي فصّل هذا التفصيل فقال:- إنه مرة يفترض أنَّ العلم بالملاقاة مرة يتأخر عن العلم الإجمالي وأخرى يفترض أنه ليس هناك تأخر بل هناك مقارنة، فإذا فرض وجود تقدم وتأخر يعني يحصل العلم الأول فنحن نعلم بأنَّ الملاقاة حاصلة إما في الاناء الأول أو في الاناء الثاني، ثم بعد ذلك نعلم بتحقق الملاقاة بين الاناء الأول والعباءة، يعني يتأخر العلم الثاني عن العلم الأول، فهنا نحكم بقاعدة الساقط لا يعود وبالتالي العلم الإجمالي الثاني لا يكون منجّزاً لأنَّ العلم في أحد طرفيه قد سقط بالمعارضة الأولى والساقط لا يعود فنحكم بطهارة الملاقي، فهو فرّق بين هذه الصورة وبين ما إذا فرض ان الملاقاة قد تحققت - يعني تحققت ملاقاة النجاسة لأحد الاناءين الأولين واقعاً - ثم حصل علم بالملاقاة بعد ذلك يعني أولاً حصلت الملاقاة ثم علمنا بها، ففي مثل هذه الحالة سوف أعلم بنجاسة إما الاناء الأول والثالث وإما الطرف الثاني المشترك ولا يوجد تقدّم وتأخر بين العلمين حتى تأتي فكرة الساقط لا يعود، وإنما العلم الإجمالي بالنجاسة المفروض أنه حصل في آنٍ واحد ففي مثل هذه الحالة يلزم ترك الملاقي، يعني يجب اجتناب الأطراف الثلاثة.
فإذاً حينما يقول لا يجب الاجتناب عن الملاقي هو فيما إذا حصل العلم الثاني متأخراً عن العلم الأول، وأما إذا تعاصرا فيجب الاجتناب عن الأطراف الثلاثة لأنه لا يمكن تطبيق قاعدة الساقط لا يعود.