41/06/20
الموضوع: - التنبيه الرابع ( العلم الإجمالي في التدريجيات ) - الشبهة غير المحصورة - مبحث أصالة الاشتغال ( الشّك في المكلف به )- مبحث الأصول العملية.
كنا نتكلم في عوان التلازم بين الحل والصحة فإذا فرض أنَّ معالة حكم عليها بالحل فهل يلزم من ذلك الحكم عليها بالصحة وترتب الأثر عليها؟ قلنا في هذا المجال:- إنه مرة يكون مساف المعاملة ليس مسبَّباً عن حرتها وإنما الفساد هو ثابت لسبب والحرمة ثابتة لسبب آخر كما في المعاملة الربوية فإن فسادها ناشئ من زيادة أحد العوضين على الآخر، فعلى هذا الأساس إذا كان الشخص جاهلاً بأنَّ هذه المعاملة الربوية فحينئذٍ الحرمة ترتفع بسبب الجهالة ولكن الفساد يبقى على حاله إذ الزيادة موجودة لأحد العوضين على الآخر، هذا فيما إذا لم ينشأ الفساد من الحرمة فلا يوجد تلازم، وإنما الكلام في الحالة الثانية وهي ما إذا كان الفساد نشئاً من الحرمة كالبيع وقت النداء لصلاة الجمعة بناءً على أنه فاسد كما هو على رأي الشيخ النائيني(قده)، لأنه يبني على أنَّ منشأ فساد المعاملة في النهي التكليفي عن المعاملة هو أنَّ النهي يدل على سلب السلطنة شرعاً، يعني ليس لك سلطنة شرعاً فيقع باطلاً، فالبيع وقت النداء لصلاة الجمعة يقع باطلاً، لأنَّ وجود النهي يسلب السلطنة شرعاً، ومع سلب السلطنة شرعاً يقع البيع باطلاً، إذ لو وقع صحيحاً فهو خلف فرض سلب السلطنة شرعاً، إذاً كل نهي تكليفي عن المعاملة عند الشيخ النائيني(قده) يقضي الفساد لهذه النكتة[1] .
فإذا بنيا على هذا نسأل ونقول: - إذا انتفت الحرمة فهل يحكم بالصحة كما لو فرض أنا شككنا في معالة هل هي حرام أو لا فتمسكنا بأصل الحل فهل تثبت بذلك صحتها؟ هو قال نعم تثبت بذلك صحتها فإنًّ التحريم إذا كان يقتضي سلب السلطنة فالحلّ يقتضي اثبات السلطنة وإقرارها فيثبت بذلك الحكم بالصحة، فإنه مضافاً إلى الحل التكليفي يثبت بذلك الحل الوضعي.
ونلفت النظر على قضبة:- وهي أنَّ محل كلامنا فيما لو أردنا التمسك بأصل الحل، بأن شككنا في معاملة حلال هي أو حرام فتمسكنا بأصل الحل لإثبات حليتها هنا يأتي الكلام في أن ثبوت الحل بأصل الحل هل يلازم الصحة أو لا، أما إذا أردنا التمسك بالعمومات - مثل ( أحل الله البيع ) أو ( أوفوا بالعقود ) أو ( تجارة عن تراض ) - فالمناسب هنا ثبوت الحل والصحة معاً، لأنَّ ( أحل الله البيع ) أو ( أوفوا بالعقود ) كما يدل على صحة المعاملة في حالة الشك فهو يدل بالالتزام على حليتها - لأنَّ هذه لوازم أمارة - فيبنى الحلية الوضعية والحلية التكليفية، فالعمومات تثبت كلتا الحليتين، وإنما الكلام إذا أردنا التمسك بأصل الحل لا بالعمومات والشيخ النائيني(قده) قال إذا شككنا في الحلية والحرمة فنتمسك بأصل الحل فتثبت الحيلة التكليفية ولازمها اثبات السلطنة شرعاً فتثبت الصحة أيضاً والحلية الوضعية، فالكلام هو في التمّسك بأصل الحل لا بالعمومات فالتفت إلى ذلك فإنه هو مورد النزاع.
وفي التعليق على ما أفاده نقول: - إنَّ هذا أصل مثبت، فإنَّ أصل الحل هو من جملة الأصول العملية، والأصل العملي لا يثبت اللوازم غير الشرعية وهذه مسألة متفق عليها، فعلى هذا الأساس إنَّ أصل الحل وإن اثبت السلطنة شرعاً ولكن هذا ليس مدلولاً التزامياً شرعيا وإما هو مدلول التزامي عقلي - فإنه إذا ثبت الحل فإذاً أنت مسلط شرعاً وإذا انتفى الحل أي إذا ثبتت الحرمة فأنت ليست بمسلط شرعاً - فثبوت السلطنة وعدم ثبوتها هو لازم عقلي وليس لازماً شرعياً ومعه المسك بأصل الحل لإثبات صحة المعاملة باعتبار أنَّ أصل الحل يدل على السلطنة شرعاً ولازم ثبوت السلطنة هو الصحة شرعاً هذه كلها لوازم غير شرعية ، فالتمسك بأصل الحل لإثبات الصحة هو أصل مثبت وعلى هذا الأساس لا يصح ما أفاده.
إن قلت: - إننا نوجه ما أراد هكذا حيث نقول: إنه بأصل الحل نثبت الحلية التكليفية وننفي الحرمة التكليفية الشرعية فدور أصل الحل فقط وفقط هو اثبات الحل شرعاً ونفي الحرمة شرعاً هو لا يثبت الصحة ولكن بعد أن نفينا الحرمة بأصل الحل نتمسك بعد ذلك بعموم ( أوفوا بالعقود ) لإثبات الصحة.
والجواب:- نحن إذا أدخلنا ( أوفوا بالعقود ) في المسألة فهو ابتداءً يثبت كلتا الحيثيتين - الحلية التكليفية والحلية الوضعية معاً - لأنَّ المفروض في محل كلامنا أنَّ المعاملة يشك في حرمتها التكليفية لا أنه يجزم بذلك، لأنه إذا كان يزم بحرمتها فلا يتمسك حينئذٍ بأصالة الحل، فنحن حينما نريد التسمك بأصالة الحل يعني أننا نشك في حرمتها ومع الشك في حرمتها فحينئذٍ نتمسك بـ( أوفوا بالعقود ) فإنه يصح به في كل معاملة لا يعلم بحرمتها ويثبت بذلك وجوب الوفاء بها ولازم وجوب الوفاء الحلية التكليفية والحلية الوضعية معاً من دون حاجة تطويل المسافة بالشكل المذكور، فإذاً الاستعانة بأصل الحل أولا ثم الاستعانة بعد ذلك بـ( أوفوا بالعقود ) هو تطويل للمسافة من دون أن يكون مثمراً، وهذا مطلب ينبغي أن يكون واضحاً.
فإذاً هذه المحاولة لا يصح التمسك بها.
التنبيه الخامس: - ملاقي أحد أطراف الشبهة المحصورة.
كما لو كان عندي إناءان أحدهما نجس ولاقى اناء ثالث أحد هذين الاناءين فهل نحكم بوجوب اجتناب الاناء الثالث كما كنا نحكم بوجوب الاجتناب عن الاناءين أو لا؟، ومن الواضح أنا لا نقول نحكم بنجاسته وإنما نقول هل نحكم بوجوب الاجتناب أو لا، فآثار النجاسة يصعب ترتيبها وإنما الكلام هو في غير آثار النجاة وهو وجوب الاجتناب.