41/06/15
الموضوع: - التنبيه الرابع ( العلم الإجمالي في التدريجيات ) - الشبهة غير المحصورة - مبحث أصالة الاشتغال ( الشّك في المكلف به )- مبحث الأصول العملية.
ثم إنه بما ذكرناه يندفع شيء قد إلى الذهن:- وهو أنَّ من الأشياء المسلّمة أنَّ المكلف يجوز له أن يريق ماء الوضوء قبل دخول الوقت حتى لو علم بأنه لا يوجد ماء في الوقت، كما يجوز له أن ينام قبل دخول الوقت حتى لو فرض أنه من عادته أن يستمر نومه إلى ما بعد طلوع الشمس، والنكتة في ذلك هي أن وجوب الصلاة الآن ليس موجوداً حتى يلزم التحفظ على الماء للوضوء فيمكن اراقته وحينما يأتي الوقت ويثبت وجوب الصلاة فحيث لا يوجد ماء فتنتقل الوظيفة إلى التيمم، وهكذا الحال بالنسبة إلى النوم قبل وقت الصلاة فيستطيع المكلف أن ينام قبل دخول الوقت ولو بفترة قصيرة وإن كان يعلم أن نومه يستمر حتى طلوع الشمس، وهذا من الأشياء الواضحة، وحينئذٍ نقول إنه بناءً على ما ذكرناه من ثبوت التنجّز من البداية يعني أنَّ هذه المرأة بمجرد أن ترى الدم في بداية الشهر التنجز يثبت بمعنى أنه يلزم أن تمتثل الأحكام الموجهة إلى الحائض إذا كان الدم في الثلاثة الأولى هي حيض فهي ملزمة بذلك، وأما في الثلاثة الثانية فالعقل يحكم من الآن بلزوم الامتثال في ذلك الوقت، فإذاً قلنا بأنَّ التكليف منجّز قبل دخول وقته بهذا المعنى فحينئذٍ لا يجوز النوم ولا يجوز إراقة الماء، وهذه النتيجة التي هي مسلّمة فقهياً لا تتناسب مع فكرة التنجّز.
وقد اتضح الجواب:- حيث قالنا إنَّ مقصودنا من التنجّز ليس ثبوت وجوب الامتثال من الآن بلحاظ الثلاثة الثانية أو الثالثة، وإنما وجوب الامتثال بلحاظ الثلاثة الثانية أو الثالثة يأتي في وقت الثلاثة الثانية أو الثالثة وإنما الذي يكون ثابتاً الآن هو حكم العقل بلزوم امتثال الأحكام الآتية في وقتها، فالحكم العقلي بلزوم الامتثال ثابت الآن لا أنَّ تلك الأحكام ثابتة من الآن، فعلى هذا الأساس تلك الأحكام ليست ثابتة قبل دخول الوقت، فإذا كان الحكم ليس متقدّماً على وقته فيجوز حينئذٍ النوم أو إراقة الماء أو غير ذلك، فلا ينبغي الخلط بين حكم العقل بلزوم امتثال الحكم في وقته وبين تقدّم نفس الحكم بوجوب الامتثال، فنفس الحكم بوجوب الامتثال ليس متقدّماً بل لزوم امتثال الحكم في وقته هو الثابت قبل الوقت، فإذاً هذا الاشكال لا يأتي في المقام.
هذا كله في التوجيه الأول لعدم تنجيز العلم الإجمالي في التدريجيات وقد اتضح جوابه.التوجيه الثاني[1] :- وحاصله إنَّ الأصل يجري لنفي التكليف الآن من دون معارضة بجريانه في الفترة الثانية، فالمرأة بلحاظ الثلاثة الأولى تشك هل يحرم عليها دخول المساجد فتجري أصل البراءة، ولا يعارض ذلك بالأصل بلحاظ الثلاثة الثانية فإنه لم يأت وقتها، فلا يجري الأصل بلحاظها، فيجري هذا الأصل بلا معارض، وحينما تأتي الثلاثة الثانية تشك في حرمة دخول المساجد فيجري الأصل بلحاظها من دون معارضة بأصل البراءة في الثلاثة الأولى لأنها قد انقضت وما انقضى لا يصح أن يقع طرفاً للمعارضة، وقد ذكر الشيخ النائيني(قده)[2] عن الشيخ الأعظم(قده) أنه قد ارتضى هذا البيان، وقد تبنّاه السيد الروحاني(قده)[3] صريحاً.
والجواب أن يقال: - إنَّ جريان كل منهما في وقته المقرر بمعنى جريان هذا الأصل في الثلاثة الأولى في وقت الثلاثة الأولى وجريان ذلك الأصل في الثلاثة الثانية في الوقت المقرر للثلاثة الثانية أحد الأصلين يعلم بكذبه جزماً، ومع العلم بكذب أحدهما كيف يشملهما دليل الأصل معاً مع العلم بفرض كذب أحدهما؟!! فإذاً لا نحتاج إلى أن يكون الأصلان في وقتٍ واحد يجريان فيه، وهذه نكتة ظريفة.
وبعد وضوح هذا لا نحتاج إلى اثبات منجزية العلم الإجمالي في التدريجيات بما ذكره الشيخ النائيني(قده)[4] [5] ، وهكذا السيد الخوئي(قده)[6] :- وحاصل ما ذكراه لإثبات منجّزية العلم الإجمالي في التدريجيات أنهما قالاً إن الملاك في الطرف الثاني - أي في الثلاثة الثانية - إما أن يكون فلعلياً من الآن غايته أن زمان الوجوب يكون متأخراً وأما الملاك فمن الآن يكون فعلياً، أو يفترض أنه ليس كذلك وإنما فعليته تكون في وقته، فإن فرض أنَّ الملاك ذلك الحكم المتأخر على تقدير أن الثلاثة الثانية هي الحيض في الواقع فعلياً من الآن فجريان الأصلين لا يمكن أنه سوف يفوّت الملاك الفعلي في حق المكلف، فإنه إذا جرى الأصل بلحاظ الثلاثة الأولى وجرى الأصل أيضاً بلحاظ الثلاثة الثانية فقد فوتنا بذلك الملاك الفعلي الثابت واقعاً، وأما إذا لم يكن ملاك الثلاثة الثانية لو كانت هي الحيض فعلياً من الآن فأيضاً الأصل لا يجري وذلك لأجل أنه يقبح عقلاً تفويت الملاك الفعلي الثابت في وقته، فعلى هذا الأساس الأصل لا يجري بلحاظ الثلاثة الأولى من ناحية أنَّ ملاكها فعلي لو كان لها ملاك، كما لا يجري الأصل بلحاظ الثلاثة الثانية التي ملاكها ليس فعلياً من الآن من باب قبح تفويت الملاك الذي يكون فعلياً في وقته، فبجريان الأصل سوف يفوّت المكلف كلا الملاكين وهذا قبيح، فإذاً لا يجري الأصلان.
هكذا ذكر العلمان وبذلك اثبتا تنجّز العلم الإجمالي في التدريجيات للتعارض بين الأصلين بالبيان الذي ذكرناه.