41/06/06
الموضوع: - التنبيه الخامس ( الشبهة غير المحصورة ) - مبحث أصالة الاشتغال ( الشّك في المكلف به )- مبحث الأصول العملية.
الوجه السادس[1] :- التمسك بالروايات، ونقرأ بعضها: -
الرواية الأولى:- صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( كل شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال أبداً حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه )[2] .
وتقريب الدلالة: - هي أنها تدل أنَّ كل شيء لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه، ومن المعلوم الشبهة غير المحصورة لا يعرف فيها الحرام بعينه فيجوز ارتكاب كل طرف من الأطراف، نعم خرجت الشبهة المحصورة بالاجماع ويبقى ما سوى ذلك تحت الاطلاق وهو الشبهة البدوية والشبهة غير المحصورة.
وسند هذه الرواة معتبر، حيث رواها الشيخ الصدق(قده) بإسناد عن الحسين بن محبوب عن عبد الله بن سنان، وطريق الشيخ الصدوق على الحسن بن محبوب معتبر كما ذكر في مشيخة من لا يحضره الفقيه، كما رواها الشيخ الطوسي(قده) بإسناده عن الحسن بن محبوب عن عبد الله بن سنان، وطريق الشيخ في التهذيب والاستبصار معتبر، كما رواها الشيخ الطوسي أيضاً بإسناده عن أحمد بن محمد عن الحسن بن محبوب، وأحمد بن محمد هو ابن عيسى أو ابن خالد وكلاهما ثقة، وطريق الشيخ إلى ابن عيسى وابن خالد معتبر، ورواها الكليني أيضاً بسند معتبر، فسندها معتبر عند المحمدين الثلاثة، فإذا لا تأمل فيها من حيث السند والدلالة، وبذلك يثبت جواز ارتكاب الشبهة غير المحصورة.وفيه: -أولاً: - إنه يمكن أن يقال إنَّ هذه الصحيحة خاص بالشبهة البدوية ولا تشمل المحصورة ولا غير المحصورة، لقرينة أننا نعلم بوجود محرّم في المحصورة وفي غير المحصورة، فنحن نعلم بوجود واحدٍ محرّم من المليون طرف، فكيف تشمل الصحيحة الطرف الأول ثم الثاني إلى تمام المليون، فإنَّ هذه مناقضة عرفاً، فإن العرف يرى المناقضة بين علمه بحرمة واحدٍ من الأطراف وبين حلّية الجميع، وهذه المناقضة تصير سبباً لانصراف إطلاق هذه الصحيحة إلى الشبهة البدوية التي لا يوجد فيها علم بكون بعض الأطراف محرّماً.
ثانياً:- إنه بقطع النظر عمّا ذكرناه من الانصراف لأجل التناقض العرفي نقول إنَّ الاطلاق بدرجته العالية الكاملة بنحو يشمل المحصورة أيضاً لا يقول به أحد، فيتعين المصير إلى القدر المتيقن وهو الشبهة البدوية، وأما المصير إلى الوسط - يعني لا نصير إلى الاطلاق بعرضه العريض ولا نصير إلى القدر المتيقن - وهو الشمول للشبهة البدوية وللشبهة غير المحصورة فهذا يشك في انعقاد السيرة العقلائية عليه في مثل هذا المورد وما شاكله، وهذا مطلب كلّي سيال لا يختص بالمقام، وهو أنه متى ما جاءنا دليل يشتمل على اطلاق والمفروض أن الاطلاق لا يمكن الأخذ به بدرجته الكاملة العليا فيدور الأمر بين المصير إلى المرتبة الوسطى وبين الاقتصار على القدر المتيقن فهنا لا نجزم بأنَّ سيرة العقلاء جرت على الأخذ بالمرتبة الوسطى، فيكفينا الشك للزوم المصير إلى القدر المتيقن، وهو الاقتصار على الشبهة البدوية.
إذاً اتضح أنَّ هذه الرواية لا يمكن الأخذ بها.الرواية الثانية:- موثقة سماعة قال:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أصاب مالاً من عمل بني أمية وهو يتصدق منه ويصل منه قرابته ويحج ليغفر له ما اتب ويقول إنَّ الحسنات يذهبن السيئات، فقال أبو عبد الله عليه السلام:- إنَّ الخطيئة لا تكفّر الخطيئة وإنَّ الحسنة تحطّ الخطيئة، ثم قال:- إن كان خلط الحرام حلالاً فاختلطا جميعاً فلم يعرف الحرام من الحلال فلا بأس )[3] ، ومورد الاستشهاد هو قوله عليه السلام ( إن كان خلط الحلال حراما فاختلطا جميعاً فلم يعرف الحرام من الحلال فلا باس )،بتقريب:- أنه في الشبهة غير المحصورة اختلط ايضاً الحرام حلالاً ولا يعرف فلا بأس، فالرواية بإطلاقها تشمل الشبهة غير المحصورة.
وسندها معتبر، فإنه قد رواها هكذا:- ( عنهم[4] عن أحمد بن محمد[5] عن ابن محبوب[6] عن أبي أيوب[7] عن سماعة )، فكيف الجواب عنها ؟
ونحن نقول: - هنا لا يأتي ما ذكرناه في الرواية السابقة، من أننا نحملها على الشبهة البدوية، لأنَّ الامام عليه السلام يقول هنا: - ( إذا خلط الحرام بالحلال )، يعني هنا يوجد حرام جزماً، فلا يوجد احتمال تخصيصها بالشبهة البدوية، فما ذكرناه هناك لا يأتي هنا.
ولكن يمكن أن يقال:- إنَّ هذه الموثقة ناظرة إلى فكرة اختلاط المال الحرام إذا اختلط بالحرام، فإنَّ المعروف بين الفقهاء أنه متى ما اختلط الحرام بالحلال ولم يتميز فحينئذٍ يجوز ارتكابه بعد تخميسه - لأنَّ من أحد موارد وجوب الخمس هو ما إذا اختلط الحلال بالحرام ولم يتميز - وتوجد عندنا بعض الروايات تدل على ذلك، من قبيل ما رواه محمد بن علي بن الحسين في الخصال عن أبيه عن محمد بن يحيى عن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن عمّار بن مروان قال:- ( سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول فيما يخرج من المعادن والبحر والغنيمة والحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه والكنوز الخمس )[8] ، فإذاً الحرام المختلط بالحرام يخمَّس لهذه الرواية، وقد مشى الفقهاء على ذلك، فيمكن حمل هذه الموثقة على هذا.
نعم إنها مطلقة ولا يوجد فيها تعبير ( لا بأس به بعد التخميس )، فتقيَّد بواسطة هذه الرواية، لأنَّ المورد من موارد المطلق والمقيد.الرواية الثالثة: - رواية مسعدة بن صدقة عن ابي عبد الله عليه السلام قال: - ( سمعته يقول:- كل شيء هو لك حلال حتى تعلم انه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك، وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة، والمملوك عندك لعله حرّ قد باع نفسه أو خدع فبيع قهراً، أو امرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك، والأشياء كلّها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البيّنة )[9] ، وهذا ما يعبّر عنه بقاعدة الحل، فهذه الرواية تدل على أنَّ الأصل في الأشياء عند الشك هو الحل.
ولكن نقول: - إنه يرد على هذه الرواية ما أوردناه على الرواية الأولى، لأنها ناظرة إلى حال الشك، فيكون مفادها مفاد الرواية الأولى، فنخصّصها بالشبهة البدوية.
كما يأتي الجواب الثاني حيث نقول: - إننا لو أردنا العمل بإطلاقها فلازمه الشمول للشبهة المحصورة، أما الحمل على المرتبة المتوسطة فلا نجزم بانعقاد سيرة العقلاء عليه.
مضافاً إلى أنه يوجد إشكال: - وهو أنَّ الامام عليه السلام قال: - ( كل شيء هو لك حلال حتى نعلم أنه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك، وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة )، والاشكال في هذا المثال وبقية الأمثلة وهو أنني مادمت قد اشتريته من شخصٍ فاليد أمارة الملكية، ومع وجود الأمارة على الملكية لا تصل النوبة إلى الأصل العملي - وهو أصل الحل - وإنما نحتاج إلى أصل الحل فيما إذا لم تكن هناك أمارة، فمع وجودها لا تصل النوبة إلى الأصل العملي، فإنه لا معنى للتمسك بالأصل بعد وجود الأمارة؟
ولكن ربَّ قائل يقول: - صحيح أنَّ الأمارة موجودة، ولكن لا مانع من أن يستند الامام عليه السلام إلى الأمارة كما يمكن أن يستند إلى الأصل أيضاً، فكلاهما يجوز، فهذا الاشكال ليس بمهم، والمهم هو ما ذكرناه من الجوابين المتقدمين.