41/05/24
الموضوع: - التنبيه الخامس ( الشبهة غير المحصورة ) - مبحث أصالة الاشتغال ( الشّك في المكلف به )- مبحث الأصول العملية.
وفي مقام التعليق نقول: -أولاً:- صحيح أنَّ المخالفة القطعية ليست ممكنة لأنها تتحقق بارتكاب جميع الأطراف والمفروض أنَّ الكثرة تمنع من إمكان ارتكاب جميع الأطراف، فالمخالفة القطعية ليست ممكنة، ونحن نقول صحيح أنها ليست ممكنة ولكن فعلها وإيجادها هو الذي ليس بممكن وأما تركها فهو ممكن، وقد قلنا في أبحاث سابقة أنه يكفي في تحريم الشيء إمكان تركه ولا يلزم إمكان فعله، اللهم إلا أن يشكل بمحذور الاستهجان، وقد اجبنا عنه بأنَّ هذا يتم فيما إذا فرض أن الخطاب كان شخصياً لهذه الواقعة بالخصوص ولهذا الشيء بالخصوص، وأما إذا كان خطاباً عاماً وبعمومه أو اطلاقه يشمل الاناء الموجود في القمر أو في بيت السلطان فكون اطلاق الخطاب يشمل ذلك الفرد لا استهجان فيه بعد كون الاطلاق عبارة عن رفض القيود لا ضم القيود، ولنقل إنَّ موردنا كذلك، فلنقل صحيح أنَّ الأطراف عددها ألف طرف وبالتالي لا يمكن ارتكاب الألف طرف ولكن تركها ممكن، فإذا كان تركها ممكناً فلا محذور في تحريم الفعل الذي يقصد من ورائه الترك وهو مقدور دون الفعل حتى يقال هو غير مقدور، فإن المطلوب هو الترك، والترك مقدور، فلا محذور لشمول التحريم لهذا الفرد الموجود في هذه الأطراف غير المحصورة، والمفروض أنَّ الخطاب ليس موجهاً إلى هذا الطرف بالخصوص ولا يلزم محذور الاستهجان وإنما الخطاب مطلقٌ لكل نجس، وبإطلاقه يشمل النجس الموجود بين أطراف غير محصورة، فإنه لا محذور في ثبوت التحريم بلحاظ هذا الفرد الموجود في الأطراف غير المحصورة بعدما كان الاطلاق عبارة رفض القيود لا ضم القيود.
ثانياً:- لو فرضنا أنَّ الخطاب والتكليف ليس بثابت لمحذور الاستهجان مثلاً أو لغيره ولكن المبغوضية تبقى على حالها، فكما أنَّ هذا النجس الذي أمامي مبغوض فعله كذلك النجس الموجود ضمن ألف إناء أيضاً هو مبغوض، ولا يحتمل أن مبغوضية ارتكابه تزول، فأنا أعلم بالمبغوضية، ومادمت أعلم بالمبغوضية فعلى هذا الأساس يصير هذا بحكم التحريم وإن لم يكن تحريماً لأنه مستهجن مثلا ولكن بالتالي المبغوضية موجودة، فإذا كانت المبغوضية موجودة فيكون هذا بمثابة تحريم ارتكاب الجميع، لا أنَّ المخالفة القطعية ليست محرّمة كما قال الشيخ النائيني(قده)، ونحن نقول افترض أنها ليست محرمة ولكنها مبغوضة.
فإذاً تبقى النتيجة واحدة فإن الشيخ النائيني(قده) رتب رفع وجوب الموافقة القطعية على حرمة المخالفة القطعية وبعدما استقرت حرمة المخالفة القطعية أو المبغوضية فما فرّعه - من أنه لا تجب الموافقة القطعية بل تجري الأصول في جميع الأطراف من دون محذور - لا يتم ولا يأتي.ثالثاً:- إنه قال لا مانع منة جريان الأصول في جميع الأطراف لأنَّ غاية ما يلزم المخالفة القطعية وهي ليست محرمة لعدم إمكانها فالأصول المؤمنة لا مانع من جريانها في جميع الأطراف لسقوط حرمة المحالفة القطعية، ونحن نقول:- سلّمنا أنَّ المخالفة القطعية ليست حراماً كما قال، ولكن رغم ذلك الترخيص في جميع الأطراف شيء غير ممكن، لأنَّ الترخيص إنما يكون بواسطة الأصل - أصل الطهارة أو أصل الحلّية - وإذا ثبت الترخيص في جميع الأطراف يلزم منه أنَّ الطرف الذي هو نجس جزماً سوف يحكم بطهارته بأصل الطهارة، أو المحرم المغصوب سوف يحكم بحلّيته بأصل الحل، وهذا يكفي لمانعية جريان الأصول المؤمنة في جميع الأطراف بقطع النظر عن مسألة حرمة المخالفة القطعية.
ثم إنه قد يقال للشيخ النائيني(قده):- أنت قلت إذا لم تحرم المخالفة القطعية فلا تجب الموافقة القطعية، ونحن نقول:- هناك طريق آخر مختصر، وهو أن نقول إذا لم تحرم المخالفة القطعية فبالأولى لا تجب الموافقة القطعية، فنتمسك بالأولوية من دون حاجة إلى ما ذكرته - من أنه إذا لم تحرم المخالفة القطعية فلا مانع من جريان الأصول في جميع الأطراف وبالتالي إذا جرت الأصول في جميع الأطراف فحينئذٍ يجوز ارتكابها جميعاً ولا محذور والموافقة القطعية حينئذٍ لا تصير واجبة لإمكان جريان الأصول في جميع الأطراف - ونحن نقول إنَّ هذا تطويل لا حاجة إليه، وإنما قل إذا لم تحرم المخالفة القطعية لعدم إمكانها فبالأولى لا تجب الموافقة القطعية.