الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

41/05/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - التنبيه الرابع ( خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء ) - مبحث أصالة الاشتغال ( الشّك في المكلف به )- مبحث الأصول العملية.

ثم أنه يمكن أننذكر وجهاً ثانياً لمنجزية العلم الإجمالي غير ما أشرنا إليه: - وهو أن نقول: سلّمنا أنَّ التكليف لا يمكن، وسلَّمنا بأنه علم اجمالي بثبوت التكليف بترك إما الاناء الموجود عندنا أو الاناء الموجود في بيت السلطان ليس بموجود، ولكن مع ذلك التنجيز ثابت، وذلك باعتبار العلم الإجمالي بالمبغوضية لا بالتكليف، يعني بتعبير آخر نقول:- إنَّ الاناء الموجود في بيت السلطان لو كان هو النجس لا تكليف بلحاظه ولكن مبغوضية المولى بلحاظه موجودة، فالمبغضوية كمبغضوية - لا خطاب وتكليف - لا مانع من ثبوتها، فحينئذٍ يصح أن نقول إن كان الاناء الذي في بيتي هو النجس فالمولى يبغض ارتكابه وإن كان الاناء النجس هو الموجود في بيت السلطان فهو أيضاً مبغوض جزماً، فيحصل علم اجمالي بمبغوضية المولى لتناول أحد الاناءين، والمبغوضية هي روح التكليف، والعلم الإجمالي بها يكفي لثبوت التنجّز، فإذاً التنجّز موجود، فيلزم ترك كلا الاناءين لا لأجل العلم الإجمالي بالتكليف بوجوب الاجتناب عن أحد الاناءين، وإنما لأجل العلم الإجمالي بمبغوضية أحد الاناءين، والعلم بالمبغوضية منجّز.

والنتيجة النهائية من كل هذا: - إنَّ مثل هذا العلم الإجمالي في باب المحرّمات إذا كان الفعل غير مقدور ولكن كان الترك مقدوراً فيمكن أن نقول يجب الاجتناب، والعلم يكون منجّزاً، إما للبيان الأول وهو للعلم الإجمالي بالتكليف فإنَّ المحاذير الثلاثة مدفوعة، أو للعلم بالمبغوضية بالشكل الذي أشرنا إليه، بعد الالتفات إلى أنَّ الاطلاق عبارة رفض القيود لا الجمع بينها.

وقد يقال: - إنَّ كل هذا وجيه ولكن يوجد مانع من التنجيز، وهو أنَّ شرط منجّزية العلم الإجمالي تعارض الأصول في الأطراف، وفي المقام أصل البراءة عن اناء بيت السلطان لا يجري في نفسه، لأنَّ الحكم بإباحة ما لا يقدر على فعله لا معنى له ولا محصّل له، فيجري أصل البراءة في الطرف المقدور بلا معارض، فالعلم الإجمالي يسقط عن المنجّزية لا لفقدان الركن الأول من منجّزية العلم الإجمالي - وهو العلم بالتكليف أو العلم بالمبغوضية - بل لفقدان الركن الثاني وهو تعارض الأصول فإن الأصول ليست متعارضة.

والجواب هو الجواب حيث نقول:- إن دليل الأصل – ( كل شيء لك حلال ) - إذا كان وارداً في هذا المورد يعني أنَّ المولى يخاطبني ويقول إنَّ الاناء الموجود في بيت السلطان حلال حتى تعرف أنه حرام فنعم هنا يلزم اللغوية أو أنه لا محصّل له ولا معنى له، أما إذا فرض أنه لا يخاطبني بهذا وإنما يخاطب ويقول (كل شيء لك حلال ) والاطلاق عبارة عن رفض القيود لا الجمع بينها فلا محذور في ذلك، يعني إنَّ دليل الأصل له قابلية لأن يشمل كلا الطرفين، فالتعارض موجود، ومقصودنا من تعارض الأصلين هو قابلية شمول لدليل الأصل لكلا الطرفين، والنتيجة هي أنَّ مثل هذا العلم الإجمالي يكون منجّزاً.