41/05/04
الموضوع: - التنبيه الرابع ( خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء ) - مبحث أصالة الاشتغال ( الشّك في المكلف به )- مبحث الأصول العملية.
التنبيه الرابع: - خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء.
والمقصود من ذلك أن نفترض أن أحد الاناءين نعلم بأنه نجس ولكن أحدهما ضمن محل الابتلاء والثاني خارج محل الابتلاء، فهنا ربما يقال إنَّ هذا العلم الإجمالي لا يكون منجّزاً، بمعنى أنه يجوز تناول الاناء الذي هو في محل الابتلاء.ولعل أوّل من أشار إلى هذا الشيخ الأعظم(قده): - فإنه توجد رواية استند إليها بعض الأصحاب، وهي ورادة في الاناء إذا أصابه دم، كما لو امتخط رجل فصار الدم قطعاً صغاراً فأصاب اناءً، والامام عليه السلام قال لا بأس بأن يشرب منه، وحمل الشيخ الطوسي(قده) الرواية على ما يدركه الطَّرْف، حيث قال إنَّ هذه الرواية تدل على أنَّ النجاسة إذا صارت صغاراً بحيث لا ترى بالعين فهذا لا يضر ويجوز تناول الماء ولا يتنجّس، وبالتالي افتى بأنَّ القطعة الصغيرة من الدم التي لا يمكن ابصارها بالعين المجردة لا تُنجِّس.
وقال الشيخ الأعظم(قده) في الرسائل: - ليس من البعيد أنَّ المقصود هو أنه لا يدري أصاب اناءه يعني داخل الاناء أو أصاب ظهر الاناء أو أصاب الأرض، فيكون أحد الطرفين على تقديرٍ مبتلى به وهو فيما لو أصاب الماء الموجود داخل الاناء، وأما إذا أصاب خارج الاناء أو الأرض فهذا خارج عن محل الابتلاء، فالرواية يمكن حملها على هذا المعنى، لا على ما ذكره الشيخ الطوسي(قده).
وهذه العبارة من الشيخ الأعظم(قده) يفهم منها أنَّ أحد الطرفين إذا كان خارجاً عن محل الابتلاء سقط العلم الإجمالي عن المجزية، فهو يشترط في منجّزية العلم الإجمالي دخول جميع الأطراف في محل الابتلاء وإلا لم يكن منجّزاً؟أما الرواية: - فهي صحيح علي بن جعفر عن أخبه عليه السلام: - ( سألته عن رجل رعف فامتخط فصار بعد ذلك الدم قطعاً صغاراً فأصاب اناءه هل يصلح له الوضوء منه؟ فقال عليه السلام:- إن لم يكن شيئاً يستبين في الماء فلا بأس، وإن كان شيئاً بيناً فلا تتوضأ منه )[1] .
وقد أشار الشيخ الأعظم(قده) إلى هذه القضية وهذه الرواية في الرسائل[2] .
والخلاصة من كل ما ذكرنا: - إنَّ الشيخ الطوسي حملها على أن ما لا يدركه الطرف لا ينجس الماء، وسوف يصير تخصيص في دليل منجسية الدم، بينما الشيخ الأنصاري(قده) حملها ولو على مستوى الاحتمال - وهذا يكفي - على أنَّ المقصود أنه لا يدري أنَّ الدم أصاب داخل الاناء أو أصاب ظهره أو أصاب الأرض، وهذا معناه أنَّ أحد الطرفين إذا كان خارج محل الابتلاء فالعلم الإجمالي لا يكون منجّزاً.
والمعروف بين الأصوليين تسليم هذا المطلب من قبل الشيخ الأعظم(قده)، نعم وقع الكلام في نكتة الاشتراط، يعني كيف نوجه اشتراط منجّزية العلم الإجمالي بكون جميع الأطراف داخلة في محل الابتلاء؟وأيضاً اختلف في ما هو المقصود من الخروج عن محل الابتلاء، فهل المقصود من ذلك استحالة الابتلاء ولو الاستحالة عادةً كما لو فرضنا أنَّ أحد الاناءين في بيت السلطان فهذه استحالة عادية وليست استحالة عقلية، أو أنَّ المقصود هو وجود صوارفٍ نفسية تصرف الشخص الذي عنده هذا العلم الإجمالي عن هذا الشيء من قبيل ظهر الاناء، فمثلاً انسان معين عنده صارف نفسي في ممارسة أو لطع خارج الاناء، أو أنه لا توجد له دواعٍ نفسية إلى ذلك وإن لم تكن عنده صوارفٌ نفسية ولكن لا توجد عنده دواعٍ إلى أن يذهب إلى بيت السلطان أو أن يلطع ظهر الاناء ولكن في نفس الوقت لا يوجد ما يدعوه إلى ذلك.فإذاً وقع الكلام في قضيتين الأولى هي الصياغة الفنية لدليل هذا الشرط، والثانية هي أنه ما المقصود من كون الأطراف داخلة في محل الابتلاء.لعل الأنسب أن نجعل المدار على عدم استهجان خطاب المكلف عرفاً:- فمثلاً ظهر الاناء يستهجن أن يخاطب به الشخص ويقال له لا تلطع ظهر الاناء أو لا تذهب إلى بيت المختار وتأكل من طعامه، فالمدار على الاستهجان العرفي، فمتى ما استهجن الخطاب عرفاً كان ذلك ضابطاً لخروجه عن محل الابتلاء، فإنَّ المدار هو على وجاهة الخطاب وعدم وجاهته عرفاً، فنجعل الضابط هو استهجان الخطاب وعدم استهجانه، فإذا لم يستهجن الخطاب فهذا معناه أنه داخل في محل الابتلاء، وبالتالي يصير العلم الإجمالي منجّزاً، وأما إذا استهجن الخطاب عرفاً فهذا معناه أنه خارج عن محل الابتلاء ولا تنجيز آنذاك فنجعل المدار على ذلك، فمثلاً إذا كان الاناء إما في بيتي أو في بيت صديقي فلا يستهجن الخطاب ويقال اجتنب الاناء الذي في بيتك وهكذا الاناء الموجود في بيت صديقك، أما إذا كان الاناء في غير بيت الصديق كبيت المختار فيأتي الخطاب لي ويقول لا تأكل من الاناء الموجود في بيتك ومن الاناء الذي في بيت المختار فإنَّ هذا الخطاب مستهجن، لأني لا أذهب إلى بيت ذاك الشخص، فهذا الاستهجان نجعله ضابطاً لخروجه عن محل الابتلاء، ولعل المقصود هو هذا المعنى وأنَّ الحيثية هي حيثية الاستهجان، ولعل أوجه ما يقال هو ذلك.
وبعد هذا ندخل في صلب الموضوع: - والكلام تارة يقع فيما إذا كان بعض الأطراف يعجز المكلف عنه عجزاً عقلياً، وأخرى فيما إذا كان خارجاً عن محل الابتلاء: -أما بالنسبة إلى حالة ما إذا كان أحد الأطراف خارجاً عن القدرة العقلية: - كما لو فرض أننا علمنا بأنَّ هذا الاناء نجس أو الاناء الموجود في المريخ نجس، فحينئذٍ هل يكون العلم الإجمالي منجزاً أو لا؟
والجواب:- إنه لا يكون منجّزاً، والوجه في ذلك:- هو أنه على تقدير طون النجس هو الاناء الموجود عندي فهنا يمكن توجه الخطاب، أما إذا كان النجس هو الاناء غير المقدور كالموجود في المريخ فالخطاب به غير ممكن، لأنه غير مقدور، فبالتالي لا أعلم بتوجه التكلف إليَّ بل أشك في ذلك، لأنه على أحد التقديرين لا يوجه إلي الخطاب لأنَّ شرط الخطاب هو القدرة، وإذا كان النجس هو الاناء الموجود في المريخ فلا قدرة، نعم الاناء الموجود في داري مقدور ولكنه طرفٌ واحد، فأشك هل توجّه لي خطاب بالاجتناب بلحاظه، فيصير المورد من الشك في أصل توجّه التكليف، يعني بتعبير آخر إنه على أحد التقديرين - وهو ما إذا كان الاناء النجس في بيتي - يمكن توجه الخطاب بالاجتناب، أما إذا كان هو الاناء الموجود في المريخ فهنا لا يمكن توجه الخطاب لقبحه عقلاً، فبالتالي أنا أشك في توجه التكليف، لا أني أعلم بتوجهه، ومع كون المورد من الشك دون العلم تجري أصالة البراءة.
فإذاً هذا العلم الإجمالي ليس منجّزاً لاعتبار شرطية القدرة في صحة التكليف.بيد أننا نلفت النظر إلى أنَّ هذا وجيه على من يلتزم بكون القدرة شرطاً في متعلق التكليف، كما هو مذهب الشيخ النائيني(قده)، فإنَّ أصوله مبني على هذا، بخلاف السيد الخوئي[3] [4] [5] والسيد الخميني(قده)[6] فإنهما يقولان بأنَّ القدرة ليست شرطاً في متعلق التكليف، نعم هي شرطٌ في العقوبة، وهذا قد تقدم في مبحث الضد.