41/04/21
الموضوع: - مبحث أصالة الاشتغال ( الشّك في المكلف به )- مبحث الأصول العملية.
خلاصة ما ذكرنا في المحاضرة السابقة: - قلنا هناك كلام بين العلمين العراقي والنائيني، وهي أنه هل توجد ثمرة بين مسلك العلية والاقتضاء أو لا؟
قال الشيخ النائيني(قده): - لا توجد ثمرة، لأنه متى ما كان عندنا إناءان نعلم بنجاسة أحدهما فأصل الطهارة هنا يعارض أصل الطهارة هناك ولا تظهر الثمرة، فجريان أصل الطهارة في اناء دون آخر ليس بموجود، فالثمرة معدومة.
وأجاب الشيخ العراقي(قده) وقال:- يمكن أن نصور الثمرة فيما إذا فرض أنَّ أحد الاناءين حالته السابقة كانت الطهارة والآن هو مشكوك والاناء الثاني كانت حالته السابقة مجهولة ولكن حالته الفعلية مشكوكة فهنا كلاهما يحتاج إلى أصل الطهارة، ولكن الاناء الأول فيه زيادة وهو أنه يوجد في حقه استصحاب، لأنه توجد حالة سابقة له وهي الطهارة، فالإناء الأول فيه استصحاب الطهارة وأصالة الطهارة، أما الاناء الثاني ففيه أصل الطهارة فقط، فهنا يتعارض الأصلان ذات الرتبة الواحدة - يعني الاستصحاب في الاناء الأول مع أصل الطهارة في الاناء الثاني - ويتساقطا، وإذا تساقطا نرجع آنذاك إلى أصل الطهارة في الاناء الأول الذي يبقى من دون معارض، فالثمرة تظهر هنا، وهي أنه بناءً على مسلك الاقتضاء يحكم بطهارة الاناء الأول دون الثاني، وأما بناءً على مسلك العلّية لا يجري الأصل فلا نحكم بطهارة هذا الطرف ولا بطهارة ذاك.
وقد يقول قائل: - إنه في مقام المعارضة لماذا عارضنا بين أصل الطهارة في الاناء الثاني مع استصحاب الطهارة في الأول، بل لنجعل المعارضة مع أصل الطهارة في الاناء الأول مع أصل الطهارة في الاناء الثاني؟
والجواب واضح: - لأنَّ أصل الطهارة في الاناء الأول لا يمكن أن يجري مادام يوجد استصحاب، لأنَّ الاستصحاب حاكم عليه، فإذا كان حاكماً فلا يجري أصل الطهارة، فلذلك تختص المعارضة بين استصحاب الطهارة في الاناء الأول وأصل الطهارة في الاناء الثاني.
ولعل قائل يقول: - إنه إذا قلت إنَّ الاستصحاب حاكم ولا يتقدّم أصل الطهارة فكيف تقدّم أصل الطهارة في الاناء الثاني؟
والجواب: - إنه إذا كان موردهما واحد فالاستصحاب حاكم على أصل الطهارة، أما أصل الطهارة في الاناء الثاني فهذا مورد ثانٍ غير مورد استصحاب الطهارة في الاناء الأول، فلا معنى للحكومة هنا، إذ الحكومة تكون فيما إذا كان مجرى الأصلين - استصحاب الطهارة وأصل الطهارة - في مورد واحد وهو الاناء الأول فهنا يكون استصحاب الطهارة حاكماً على أصل الطهارة، أما بالنسبة إلى أصل الطهارة في الاناء الثاني مع استصحاب الطهارة في الاناء الأول فلا توجد بينهما حكومة لاختلاف الموضوع.
وأجاب الشيخ النائيني(قده) وقال:- إنه بعد سقوط تينك الأصلين لا يجري أصل الطهارة في الاناء الأول، فإنه يلزم من جريانه عدم جريانه، لأنه لو جرى فهذا معناه أنَّ العلم الإجمالي ليس بمنجّز، إذ لو كان العلم الإجمالي منجّزاً لمنع من جريان الأصل الواحد أو المتعدد، فجريان الأصل الطولي - أي أصل الطهارة في الاناء الأول - يدل على أنَّ العلم الإجمالي ليس بمنجّز، وإذا لم يكن منجّزاً ففي مثل ذلك يكون ذانك الأصلان قابلين للجريان، ومع قابليتهما للجريان - لفرض عدم منجزية العلم الإجمالي - لا تصل النوبة إلى أصل الطهارة في الاناء الأول، فلزم من جريانه عدم جريانه، إذ جريانه سبب كاشف عن عدم منجّزية العلم الإجمالي، وإذا لم يكن منجّزاً جرى الأصلان الحاكمان السابقان، فإذا جريا لا تصل النوبة إلى الأصل الطولي، فإنه يلزم من وجوده عدمه.
ونحن علّقنا على ما أفاده الشيخ النائيني(قده) وقلنا:- إنَّ ما ذكره مبنيّ على أنَّ سبب المعارضة بين الأصول في الأطراف هو العلم الإجمالي المنجّز ، أما إذا قلنا إنَّ ذات العلم الإجمالي هي التي تكون سبباً لمعارضة الأصول وعدم جريانها لا العلم الإجمالي بشرط المنجّزية فحينئذٍ تكون المعارضة باقية، والصحيح هو هذا، لأنه مادام يوجد علم اجمالي في الطرفين فإنَّ العرف والعقلاء لا يتقبلون الترخيص في الأطراف، وهذا يصير منشأً لانصراف أدلة الأصول إلى غير حالة العلم الإجمالي - أي أنها منصرفة إلى حالة الشك البدوي- فإنه توجد منافرة بين وجود علم اجمالي وبين جريان الأصل، وهذه المنافرة تصير سبباً على كون دليل الأصل - أي ( كل شيء لك طاهر ) - يختص بموارد الشك بالدوي.
وإذا قبلنا بهذا فحينئذٍ نقول:- صحيح أنه بجريان الأصل الطولي يكشف أنَّ العلم الإجمالي غير منجّز ولكن قولك ( إذا لم يكن منجّزاً فإذاً الأصول لا تتعارض وإنما تجري ) مبنيّ على أنَّ منشأ المعارضة والتساقط هو العلم الإجمالي المنجّز، أما إذا قلنا إن منشأ المعارضة هو ذات العلم الإجمالي، فذات العلم الإجمالي باقٍ، فإذا كانت ذاته باقية فحينئذٍ لا يجري الأصلان، وبالتالي لا يلزم من جريان الأصل الطولي عدم جريانه، لأنه إنما يلزم عدم جريانه فيما إذا جرى الأصلان الفوقيان، فإذا جريا لا تصل النوبة إليه، ولكنهما لا يجريان لوجود ذات العلم الإجمالي وإن لم يكن منجّزاً.ثم عقدنا عنواناً: - وهو ارتباط الثمرة بمسألة اختلاف الرتبة، فإنَّ الثمرة التي ذكرها الشيخ العراقي(قده) مرتبطة بأنَّ المعارضة دائماً تصير بين الأصول ذات الرتبة الواحدة ولا يدخل الأصل الذي تكون رتبته متأخرة في عملية المعارضة، فإن بنينا على هذا فسوف تأتي ثمرة الشيخ العراقي(قده)، وإن رفضنا مسألة اختلاف الرتب وقلنا هي ورادة في الفلسفة وليست واردة هنا، وقلنا إنَّ المعارضة تتم بين الأصول وإن كانت مراتبها مختلفة فعلى هذا لا تأتي الثمرة.