41/04/19
الموضوع: - مبحث أصالة الاشتغال ( الشك في المكلف به )- مبحث الأصول العملية.
والذي نريد أن نقوله:- إنَّ هذا الجواب الذي ذكرناه في ردّ شبهة الترخيص المشروط يتضح منه جواب آخر على ما ذكره السيد الشهيد(قده) في مقام الجواب عن شبهة الترخيص المشروط، فهو ذكر مقدمتين الأولى أنه في الشبهة المحصورة إذا كان الحلال أهم فمن المناسب الترخيص في كلا الطرفين، وإذا كان الأهم هو الحرام فمن المناسب وجوب الاجتناب عن كلا الطرفين، وإذا كان الحرام من حيث حرمة المخالفة القطعية فالمناسب حرمة الجامع فيقول اترك واحداً، والمقدمة الثانية هي أنه وإذا رجعنا إلى دليل الأصل مثل ( كل شيء لك حلال ) أو ( كل شيء لك طاهر ) لا نستفيد منه الترخيص في الجامع، وإنما ( كل شيء ) أي كل فرد، فهو ناظر إلى الترخيص في الأفراد وليس ناظراً إلى الجامع فالترخص في كل فرد وهو ترخيص مطلق، ومع التنزل يمكن أن نجعله مشروطاً بعدم ارتكاب الآخر.
ولكن قلنا: - إنَّ هذا لا ينفعنا بمقتضى المقدمة الأولى، فلابد أن نرجع هذا الترخيص المشروط إلى الترخيص في الجامع ونقول إنَّ رواية ( كل شيء لك حلال ) صحيح أنها تريد أن ترخّص في الطرفين بشكلٍ مشروط وهو عبارة أخرى عن الترخيص في الجامع، فنرجع الترخيص المشروط إلى الترخيص في الجامع، وهذا خلاف الظاهر.
ونحن علّقنا فيما سبق وقلنا:- تارة نقول للسيد الشهيد(قده) هل أنت تسلّم بأن رواية ( كل شيء لك طاهر ) أو ( كل شيء لك حلال ) لها اطلاق يشمل حالة الطرفين بشكلٍ مشروط أو ليس فيها اطلاق؟ فإن قلت لا يوجد فيها إطلاق كفاك هذا في جواب الشيخ العراقي(قده)، حيث تقول له إنَّ حديث ( كل شيء لك طاهر ) أو ( كل شيء لك حلال ) لا يدل على الترخيص المشروط ولا تحتاج إلى زيادة ، وإن قلت إنَّ الاطلاق كان يشمل الطرفين بشكلٍ مشروط فبالدلالة الالتزامية سوف يدل على ارجاع الترخيصين المشروطين إلى الترخيص في الجامع. هكذا أجبنا فيما سبق.
ونريد الآن أن نضيف جواباً ثانياً.ولو قلت: - لماذا أجلت هذا الجواب إلى هنا ولم تذكره هناك؟
قلت: - باعتبار أنَّ هذا الجواب لا يفهم إلا بعد ما أشرنا إليه في رد شبهة الترخيص المشروط، وإلا فالحق معك.
أما الجواب الثاني لردّ السيد الشهيد(قده) أن نقول: - إنك سلّمت أنَّ رواية ( كل شيء لك حلال ) تدل على الترخيص لكل فرد بشكلٍ مطلق، ثم قلت ومع التنزل نسلّم أنها تدل على الترخيص المشروط ولكن الترخيص المشروط لا يرجع إلى الترخيص في الجامع.
ونحن نقول:- إنَّ تسليمك دلالة الرواية على الترخيص المشروط أمرٌ مرفوض، بل عليك أن تنفي دلالتها على الترخيص المشروط، والوجه في ذلك:- هو أنَّ الأمر يدور بين تقييدين، بين التقييد الأحوالي والتقييد الأفرادي على ما كرنا في ردّ شبهة الشيخ العراقي(قده) فيتساقطان ولا يمكن الأخذ بشيء منهما، فلا تصل النوبة إلى التسليم بالترخيص المشروط، فالترخيص المشروط لا تصل النوبة إليه حتى نقول إنَّ الترخيص المشروط لا يرجع في روحه إلى الترخيص في الجامع، أو الترخيص في الجامع لا يرجع في روحه إلى الترخيص المشروط، باعتبار أنَّ الترخيص المشروط يعني تقييد الاطلاق تقييداً أحوالياً، والتقييد الأحوالي معارض بالتقييد الأفرادي، فلا مثبت لأحد التقييدين في مقابل الآخر، فعليك أن ترفض فكرة التقييد الأحوالي قبل أن تقول ( إنَّ كون الترخيص المشروط راجع إلى ترخيص في الجامع تأويل لا دليل عليه ) ، بل قبل أن تصل النوبة إلى هذا عليك أن تقول إنَّ الترخيص المشروط لا مثبت له بل هناك معارض له وهو التقييد الأفرادي، فالأمر يدور بين التقييد الأفرادي والتقييد الأحوالي - أي المشروط - ولا مرجّح لأحدهما على الآخر.تنبيهات: -
التنبيه الأول: - ثمرة العلية والاقتضاء.
والسؤال: - هل توجد ثمرة عملية للقول بالعلية والاقتضاء أو هو خلاف نظري فقط وليس له ثمرة عملية؟
ذكر الشيخ النائيني(قده):- إنه لا ثمرة عملية لهذا البحث، والنكتة واضحة، لأنَّ الأصل دائماً في هذا الطرف معارض بالأصل في ذلك الطرف، ولا توجد حالة يجري فيها الأصل في أحد الطرفين من دون معارضة بجريانه في الطرف الآخر حتى تظهر الثمرة، فإذا كان يوجد عندنا اناءان نعلم بأن أحدهما قد تنجس، فأصل الطهارة في هذا الاناء معارض بأصل الطهارة في ذاك الاناء ولا توجد حالة يمكن أن يجري أصل الطهارة فيها في طرفٍ دون طرف حتى تكون هناك ثمرة عملية، فإذاً هذا نزاع نظري وليس له ثمرة عملية.
وفي المقابل قال الشيخ العراقي(قده):- توجد له ثمرة عملية، وهي فميا لو فرض أنه يوجد عندنا اناءان نعلم بنجاسة أحدهما ونفترض أنَّ أحد الطرفين مضافاً إلى الشك في طهارته ونجاسته الآن هو فيما سبق كان طاهراً، يعني هذا الطرف قابل لجريان الاستصحاب من جهة وقابل لجريان أصل الطهارة - ومن الواضح أنه مع وجود الاستصحاب لا تصل النوية إلى أصل الطهارة لأنها حاكم عليها - والاناء الثاني حالته السابقة مجهولة وإنما الآن شككنا في طهارته ونجاسته، فإذاً الاناء الثاني حالته السابقة لا نعرفها أما حالته الفعلية فهي مشكوكة، أما الاناء الأول فحالته السابقة معلومة وهي الطهارة وحالته الفعلية مشكوكة، ففي مثل هذه الحالة يتعارض أصلان أصل الطهارة في الاناء الثاني الذي حالته السابقة غير معلومة مع أصل الاستصحاب في الطرف الأوّل[1] ، فيتعارض أصل الطهارة في الاناء الثاني مع استصحاب الطهارة في الاناء الأول، فيتساقطان، فيجري أصل الطهارة في الاناء الأول بناءً على مسلك الاقتضاء، وعليه نحكم بطهارة الاناء الأول، أما على مسلك العلية للشيخ العراقي(قده) لا يجري أصل الطهارة حتى في الطرف الواحد ولو من دون معارضة.
هذه ثمرة ذكرها الشيخ العراقي(قده)[2] بين مسلك العلّية ومسلك اقتضاء.
وردَّ الشيخ النائيني(قده)[3]
ذلك وقال:- إنك قلت يتعارض أصل الطهارة في الاناء الثاني مع استصحاب الطهارة في الاناء الأول وبعد المعارضة والتساقط وتصل النوبة إلى أصل الطهارة في الاناء الأول، ونحن نقول:- إنَّ أصل الطهارة في الاناء الأول لا يجري، لأنه يلزم من جريانه عدم جريانه، فهو يلزم من جودة عدمه، وكلّ ما يلزم من وجوده عدمه يكون أصل وجوده مستحيلاً، فأصل جريانه غير ممكن، فإذاً لا تكون هناك ثمرة بين مسلك العلّية والاقتضاء مادام أصل الطهارة الطولي - لأنه في طول الاستصحاب لأنه لا يجري حتى يسقط الاستصحاب - لا يمكن أن يجري، لأنه يلزم من جريانه عدم جريانه، فإذاً هذه الثمرة باطلة.