الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

41/04/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مبحث أصالة الاشتغال ( الشك في المكلف به )- مبحث الأصول العملية.

ويرده:- إننا لا نسلّم أن شأن كل علم مع معلومه أن ينجزه بنحو العلية التامة، أما بالنسبة إلى العلم التفصيلي فنسلم أنه لا يمكن الترخيص في مخالفته، ولكن إنما لا يمكن الترخيص في مخالفته لأنه لا يوجد شك في البين حتى يحصل ترخيص ظاهري وإنما هناك وضوح فقط فيمتنع الترخيص الظاهري من باب أنه لا يوجد شك فكيف يرخّص فيه، والترخيص فرع الشك، فلا معنى لملاحظة العلم التفصيلي ويقال إنَّ شأن كل علم مع معلومه هو أنه ينجّز معلومه بنحو العلية التامة كما في العلم التفصيلي، ونحن نقول:- إنَّ الاستشهاد بالعلم التفصيلي ليس بصحيح، لأنه إنما لا يمكن الترخيص الظاهري في المخالفة في العلم التفصيلي لعدم وجود الشك، والترخيص الظاهري فرع الشك.

وأما المورد الثاني - وهو أنَّ العلم الإجمالي بناءً على تعلقه بالجامع - لا يمكن الترخيص في المخالفة، ونحن نقول:- نعم لا يمكن الترخيص في المخالفة، ولكن لا يصلح ذلك شاهداً لك، لأنَّ الترخيص في المخالفة بناء على تعلق العلم الإجمالي بالجامع، إنما يكون بالترخيص في ترك كلا الطرفين أو ارتكاب كلا الطرفين فهنا يصير ترخيص في مخالفة الجامع، إما إذا فرض أنَّ الترخيص في طرف دون الآخر فالجامع بعد محفوظ ولم يحصل ترخيص في مخالفته، فإنَّ الجامع يتحقق بأحد الأطراف، إذاً الترخيص في مخالفة الجامع وترك الجامع إنما يكون بالترخص في كلا الطرفين وهذه مخالفة قطعية، أما الترخص في أحد الطرفين فليس ترخيصاً في مخالفة الجامع، فإذاً الترخيص في مخالفة الجامع يكون بالترخيص في كلا الطرفين، وهذه مخالفة قطعية خارجة عن محل الكلام، وهي لا تنفعنا، وهذا بخلافه بناءً على تعلق العلم الإجمالي بالواقع، فإنَّ الترخيص في أحد الطرفين ليس ترخيصاً في مخالفة الواقع بنحو القطع، وإنما هو ترخيص في المخالفة بنحو الاحتمال، فالاستشهاد بهذين الموردين على أنَّ شأن كل علم اجمالي مع معلومه أنه ينجزه بنحو العلية التامة حتى ننتهي إلى أنَّ العلم الإجمالي بناءً على تعلقه بالواقع ينجزه بنحو العلية التامة ليس بتام كما أوضحنا.

إذاً اتضح أنَّ كلتا المقدمتين اللتين استعان بهما الشيخ العراقي(قده) لإثبات أنه لا يجوز الترخيص في أحد الطرفين - يعني أنَّ العلم الإجمالي بناءً على تعلقه بالواقع هو منجّز بنحو العلية التامة - قبلتان لمناقشة، وبهذا ننتهي من رأي الشيخ العراقي(قده).

وهناك رأي آخر للشيخ النائيني في فوائد الأصول حيث قال: - إنَّ العلم الإجمالي بنفسه ينجز معلومه وهو الجامع - لا بسبب تعارض الأصول - وأن هذا التنجيز هو بنحو الاقتضاء، يعين يمكن الترخيص في فعل أو ترك أحد الطرفين، خلافاً للعراقي(قده)، فإذاً هو يقتضي التنجيز لو لم يرخّص الشارع فإن رخّص الشارع في أحد الطرفين، فالعلم الإجمالي حينئذٍ لا ينجّز معلومه.

فإذاً له دعويان: -

الأولى: - إنَّ العلم الإجمالي ينجّز متعلقه من دون حاجة إلى تعارض الأصول، وقال إنَّ الوجه ذلك أنَّ العلم الإجمالي يدخل معلومه في عهدة المكلف، فحينئذٍ إذا دخل هذا المعلوم في عهدة المكلف فلابد من الفراغ اليقيني، والفراغ اليقيني لا يكون إلا بالاحتياط بالإتيان بكلتا الصلاتين الظهر والجمعة في الشبهة الوجوبية أو بترك كلا الاناءين في الشبهة التحريمية.

الثانية:- إنه يمكن الترخيص في أحد الطرفين لا كليهما، ذلك باعتبار أنَّ الترخيص في أحد الطرفين ليس ترخيصاً في المعصية جزماً وإنما هو ترخيص في محتمل المعصية، بخلاف الترخيص في ترك أو ارتكاب كلا الطرفين فإنه ترخيص في المعصية الجزمية[1] ، وهذا معناه التنجّز بنحو الاقتضاء.

وجوابه واضح:- حيث نناقش في الدعوى الأولى، فإنه قال فيها إنَّ العلم الإجمالي ينجّز معلومه بذاته من دون حاجة إلى تعارض الأصول لأنَّ الذمة اشتغلت بالمعلوم فيجب تفريغ العهدة بنحو اليقين، وفي الجواب نقول:- إنَّ الذمة قد اشتغلت بالجامع، والجامع يتحقق بأحد الطرفين لا بكليهما، فمتى ما أتينا بإحدى الصلاتين - الظهر أو الجمعة - فحينئذٍ يكون الفراغ اليقيني موجوداً، إذ الذمة قد اشتغلت بالجامع، فإذا اتينا بإحدى الصلاتين فالراغ اليقيني من الجامع قد تحقق، نعم بناءً على تعلق العلم الإجمالي بالواقع قد يقال بأنه يلزم الاتيان بكلا الطرفين لأننا كُلِّفنا بالواقع، أما بناءً على التعلّق بالجامع كما هو رأيه فحينئذٍ تكون الموافقة اليقينية حاصلة، فما اشتغلت به الذمة - وهو الجامع الأحد - قد فرغت ذمتي منه، والذي لم أفرّغ ذمتي منه بنحو الجزم - وهو الواقع - لم تشتغل ذمتي به، فإذاً دعواه الأولى واضحة التأمل.


[1] فوائد الأصول، النائيني، ج4، ص24، 25، 35.