41/04/05
الموضوع: - مبحث أصالة الاشتغال ( الشك في المكلف به )- مبحث الأصول العملية.
الوجه الثاني: - وحاصل ما ذكره مركب من مقدمتين: -
المقدمة الأولى: - إنَّ العلم الإجمالي ينجّز معلومه- أو متعلقه - بنحو العلية التامة، يعين لا يمكن الترخيص في المخالفة الاحتمالية.
المقدمة الثانية: - إنَّ متعلق العلم الإجمالي هو الواقع لا الجامع.
ولكتا المقدمتين يحتاجان إلى اثبات.أما بالنسبة إلى المقدمة الثانية: - فيمكن أن يستدل له بوجهين: -
الوجه الأول: - هو أنه قال لو فرض انه علمنا ليلاً بنجاسة أحد الاناءين حيث وقعت قطرة نجاسة في أحد الانائين ليلاً ثم رأينا صباحاً أن النجاسة موجودة في الاناء الواقع على اليمين فنقول إن تلك النجاسة اليت علمنا بها ليلاً هي هذه النجاسة التي علمنا بها صباحاً ولا نقول تلك النجاسة الليلية هي بعض من النجاسة النهارية وإنما نقول هي هي وهذا شاهد على أن العلم الإجمالي يتعلق بالواقع إذ لو كان يتعلق بالجامع فمن المناسب أن نقول إن تلك النجاسة الليلية هي بعض هذه النجاسة التي علمنا بها نهاراً لأن الواقع متركب من امع وخصوصية فإذا كان متعلق العلم الإجمالي في الليل هو الجامع فيلزم أن نقول إن تلك النجاسة الليلية هي بعض هذه النجاسة التي علمنا بها صباحاً والحال أننا نقول هي هي وهذا إن دل على شيء فهو يدل على أن العلم الإجمالي كالعلم التفصيلي فكلاهما يتعلق بالواقع ولذا صح التعبير أن تلك النجاسة عين هذه النجاسة.
وهذا الوجه قد علقنا عليه وقلنا: -أولاً:- إنَّ هذا تمسك بكلام الناس وكلامهم ليس مبنياً على الدقة، فلا يصح الاعتماد عليه.
ثانياً:- سلّمنا بأنَّ ما علمنا به ليلاً هو الجامع وهو نجسة أحد الانائين، وسلّمنا أيضاً أنه نهاراً أن نقول إنَ تلك النجاسة هي عين هذه النجاسة، وهذا لا يتنافى مع تعلّق العلم الإجمالي بالجامع، فهو يبقى متعلّقاً بالجامع فنقول هذه النجاسة هي تلك النجاسة وتلك النجاسة هي هذه النجاسة، والوجه في ذلك هو أنَّ الجامع - يعني الأحد - له معنين، فتارة يستعمل الجامع بالمعنى الاصطلاحي الذي مرّ بنا في علم المنطق والذي يقول إنَّ الانسان مركب من حيوانية وناطقية، فهنا هذه الحيوانية - وهي الجنس – تكون جزءاً من الجامع، ومرة يستعمل الجامع بمعنى الأحد الذي يحكي عن العناوين التفصيلية فتقول ( أحد الطلبة هنا هو كذا )، فالأحد هنا ليس المراد منه الجامع بمعنى الجنس وإنما المشير إلى الفرد، يعني هذا الفرد أو ذاك الفرد أو ذك الفرد ولكن على سبيل ( أو )، وهذا ما يعبر عنه بالجامع الانتزاعي، أي بمعنى الأحد، وهذا ليس بعضاً من المعلوم التفصيلي وإنما هو جامع انتزاعي وهو يستعمل كمشير إلى المعلوم التفصيلي فهو هو، فصار خلطٌ بين الجامع الانتزاعي وبين الجامع بالمعنى الحقيقي الذي هو الجنس، والصحيح هنا هو الجامع الانتزاعي المشير إلى الأفراد، وهذا الجامع هو عين الجزئي لا جزءه.
البيان الثاني:- ولعل تحصيله من كلمات الشيخ العراقي(قده) شيء صعب ، وسواء دلت كلماته عليه أو لم تدل فيمكن أن يذكر هذا الوجه، وحاصله أن يقال:- إنَّ الانسان العالم بالاجمال هو يعلم بان الجامع على جامعيته ليس موجوداً في الخارج وهذا من البديهيات، فإنَّ الحيوانية - التي هي جنس - لا يمكن أن توجد إلا ضمن فصلٍ من الفصول، فإذاً حينما نعلم اجمالاً فهذا علمنا الإجمالي لا يمكن أن يتعلق بالجامع على جامعيته، بل لابد من ضم ضميمة يتحصّص ويتضيّق بها هذا الجامع حتى يمكن أن يتعلّق به العلم، وإلا فالجامع على جامعته لا يمكن أن يتعلق بالخارج حتى يتعلق به العلم، فلابد من ضم ضميمة وهي ضميمة ليست كلّية وإلا عادت نفس المشكلة، لأنها إذا كانت كلية فالجامع سوف يبقى على جامعيته الكلية والمفروض أننا نعلم أنَّ الكلي على كليته لا يمكن أن يوجد في الخارج، فلابد من ضم ضميمة تكون شخصية ولا تكون كلية، فيصير متعلّق علمنا الإجمالي هو الجامع المنضم إليه الحدّ الشخصي - المميّز الشخصي - وهذا عبارة أخرى عن الواقع، فإذاً ثبت بذلك أنَّ متعلق العلم الإجمالي ليس هو الجامع على جامعيته وإنما أخذ فيه حدٌّ شخصي، وبالتالي يصير العلم الإجمالي متعلّق بالواقع، فإن الجامع المنضم إليه الحدّ الشخصي هو عبارة أخرى عن الواقع.
وهو شيء وجيه ولا بأس به.والجواب: - صحيح أنه لابد من ضم ضميمة وتلك الضميمة لابد وأن تكون شخصية، ولكن الرؤية والحكاية المفروض أنها مشوبة بالخفاء، فإذاً صار هذا الحدّ الشخصي أو هذه الصميمة محكية بالخفاء، فلا تكون منجّزة آنذاك بسب العلم الإجمالي، وإنما يتنجّز مقدار الوضوح وهو الجامع، فعادت المشكلة إلى ما هي عليه.
فإذاً الوجهان اللذان ذكرا لإثبات المقدمة الأولى لا ينفعان شيئاً.وأما بالنسبة إلى المقدمة الأولى فربما يتمسك لإثباتها بأن يقال:- لو نظرنا إلى العلم التفصيلي لرأينا أنه منجّز بنحو العلّية التامة، يعني إذا كان يوجد عندي علم تفصيلي بنجاسة هذا الاناء فهنا لا يمكن الترخيص في الخلاف وبالتالي لا يمكن الترخيص بارتكابه، وهذا معناه أنه منجّز بنحو العلية - يعني لا يمكن الترخيص في ارتكابه -، وأما العلم المتعلق بالجامع فهو كذلك لا يمكن فيه المخالفة القطعية ولا تجوز فيه المخالفة القطعية بناء على تعلقه بالجامع وذلك من خلال الترخيص في مخالفته بأن يرخصنا في المخالفة ويقول خالف علمك بالجامع، فإنه لا يمكن ذلك، فإذاً لا يمكن الترخيص في المخالفة القطعية في العلم الإجمالي بناءً على التعلق بالجامع، وكذلك لا يمكن الترخيص في المخالفة القطعية في العلم التفصيلي، فليكن الأمر كذلك في العلم الإجمالي بناءً على تعلقه بالواقع، يعني لا يمكن الترخيص في مخالفته.