الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

41/03/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مبحث أصالة الاشتغال ( الشك في المكلف به )- مبحث الأصول العملية.

هل يرتبط وجوب الموافقة القطعية بتعلق العلم الإجمالي بالواقع؟

ذكر الشيخ العراقي(قده): - أنه بناءً على التعلق بالجامع المناسب هو عدم وجوب الموافقة القطعية.

وهذا شيء صحيح، فلو علمت بوجوب إما الظهر أو الجمعة العلم الإجمالي يتعلق بالجامع لا بالواقع فيكفيك حينئذٍ الاتيان بواحدة ولا يلزم الاتيان بكلا الصلاتين لأنَّ الجامع يتحقق بفرد واحد ولا يتوقف تحققه على تحقق الفردين[1] ، وأما إذا بنينا على مسلك التعلق بالواقع فيقال إنَّ المطلوب مني هو الواقع، وحيث إني أحتمل أنَّ هذا الطرف هو الواقع وأحتمل أنَّ ذاك الطرف هو الواقع فيلزم الاتيان بهما معا.

وهذا فرقٌ واضح بين تعلق العلم الإجمالي بالجامع وبين تعلقه بالواقع، فبناءً على تعلقه بالجامع فالجامع بذاته لا يقتضي إلا تنجّز الأحد، نعم قد يجب الاتيان بهما معاً لا من ناحية العلم الإجمالي بل من ناحية تعارض الأصول، ولكن تلك قضية ثانية، أما بناءً على مسلك الشيخ العراقي(قده) - وهو التعلق بالواقع - فحيث إنَّ ذلك الواقع في علم الله عزّ وجل هو الذي تعلق علمنا الإجمالي به واشتغلت ذمتنا به فيلزم الاتيان به، وحيث لا أدري أنَّ الواقع ينطبق على هذا الطرف أو ذاك الطرف فيلزم الاتيان بكلا الطرفين، فتجب الموافقة القطعية بسبب اقتضاء نفس العلم الإجمالي من دون حاجة إلى ادخال فكرة تعارض الأصول.

والجواب: - لو بنينا على التعلّق بالواقع وسلّمنا بذلك ولكن الواقع حسب اعتراف الشيخ العراق(قده) فيه جنبة خفاء وفيه جنبة وضوح، وجنبة الوضوح هي بمقدار الجامع لا بمقدار الواقع فإنَّ الواقع بمعنى الخصوصية، والخصوصية تدخل تحت جنبة الغموض والخفاء، ومعه فلا تتنجز الخصوصية وإنما يبقى التنجز للجامع فقط.

ولو تنزلنا وقلنا إنه مادام العلم الإجمالي هو متعلق بالواقع لا بالجامع فحينئذٍ يتنجز وجوب الموافقة القطعية، ولكن نقول:- إنَّ هذا يتم فيمن يرى أنَّ العلم الإجمالي متعلقاً بالواقع، وهذه الرؤية منحصرة بالشيخ العراقي(قده) للبرهان الذي أقامه - من أنه لو كان يتعلق بالجامع لكنا نقول إنَّ تلك النجاسة التي علمنا بها في الليل ثم اتضحت في النهار هي بعض ما علمناه من النجاسة في الليل لا هي هي فإنَّ المعلوم بالتفصيل مركب من الجامع زائداً الخصوصية وسوف يصير المعلوم بالتفصيل مركّباً من الجامع والخصوصية - فمن اطّلع على هذا البرهان وتم عنده يصير العلم الاجمالي عنده منجّزاً للواقع، أما من يراه متعلّقاً بالجامع ولا يعلم به إلا علمه بالجامع كالناس العاديين فحينئذٍ كل الناس بما أنهم يرون العلم الإجمالي متعلقاً بالجامع وإن كان في الحقيقة متعلق بالواقع لا بالجامع كما يقول الشيخ العراقي(قده) ولكن بما أنَّ اعتقاد الناس التعلق بالجامع لا بالواقع فبالتالي لا يثبت تنجز العلم الإجمالي حتى على مقلدي الشيخ العراقي، لأنَّ الشيخ العراقي لا يرى بالعلم الإجمالي إلا بالجامع ولا يرى الواقع، فالموجود عند الناس هو نظرة عرفية لا نظرة دقية والنظرة العرفية هي أنه متعلق بالجامع فحينئذ ٍالعلم الإجمالي لا ينجز الواقع حتى تجب الموافقة القطعية.

وبهذا ننهي الكلام عن حقيقة العلم الإجمالي وندخل في صلب الموضوع وهو مبحث الشك في المكلف به.
الشك في المكلف به: - وله موردان، مورد المتباينين، وورد القل والأكثر، فإذاً البحث يقع في مقامين: -

المقام الأول: - دوران المكلف به بين المتباينين كوجوب إما الظهر أو الجمعة.

المقام الثاني: - الدوران بين الأقل والأكثر كوجوب الصلاة المتعلق بعشرة أجزاء أو بسعة أجزاء مثلاً السورة هل هي جزء أو ليست بجزء، وجلسة الاستراحة هل هي جزء أو ليس بجزء.

الدوران بين المتباينين: - والكلام في الدوران بين المتباينين يقع في مقامات ثلاثة.


[1] وقد تقول ماذا يصنع أصحاب مسلك تعلق العلم الإجمالي بالجامع؟ سيأتي أنهم يقولون بتعارض الأصول، فصحيح ان الجامع لا يقتضي إلا الواحد ولكن أصل البراءة في هذا الطرف يعارض أصل البراءة في ذاك الطرف، وسيأتي هذا الكلام.