41/03/25
الموضوع: - مبحث أصالة الاشتغال ( الشك في المكلف به )- مبحث الأصول العملية.
حقيقة العلم الاجمالي: -والآراء في ذلك ثلاثة.وقبل أن نذكرها نسأل ونقول: - هل هناك ثمرة يمكن أن تذكر للأقوال في حقيقة العلم الاجمالي أو أنه ترف فكري واستبيان لحقيقة الواقع لا أكثر؟
والجواب:- نعم هناك ثمرة، وهي أنه إذا قلنا بأنَّ العلم الاجمالي يتعلق بالجامع - أي الأحد - يعني إذا علمت أنَّ احدى الصلاتين واجبة في يوم الجمعة إما الجمعة أو الظهر فإن قلنا العلم الاجمالي يتعلق بالجامع - الأحد - لا بالواقع فلعله في علم الله ذلك الواجب هو صلاة الجمعة فربما يقال بكفاية احدى الصلاتين ولا نحتاج إلى كليهما، لأنَّ الجامع - الأحد - يتحقق بالفرد الواحد، أما إذا قلنا إن العلم الاجمالي يتعلق بالواقع فلو كان ذلك الواقع هو صلاة الجمعة فسوف يتعلق بصلاة الجمعة ولكني أنا العالم بالاجمال لا أشخّص ذلك فيصير الواقع مطلوباً، وحيث لا أشخّص الواقع فالاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني، ولا يحصل فراغ يقيني من أداء الواقع إلا بأدائهما معاً ولا يكفي أداء الواحد.
ولا تشكل على هذه الثمرة وتقول بأنها صحيحة أو باطلة فإن هذا سيأتي فيما بعد، فإذاً هذا البحث جيد وله ثمرة.أما بيان الآراء: - فقد قلنا هي ثلاثة: -
الرأي الأول: - ما بنى عليه الشيخ النائيني والشيخ الأصفهاني(قده) من أنه متعلق بالجامع، فإذا علمت إما بوجوب إما الجمعة أو الظهر فمتعلق علمي الاجمالي ليس الظهر وليس الجمعة ولا المردد وإنما هو أحد الوجوبين، فأنا أعلم بأحد الوجوبين، قال الشيخ النائيني(قده):- ( إنَّ العلم الاجمالي عبارة عن خلط علم بجهل وتنحل القضبة المعلومة بالاجمال إلى قضية معلومة بالتفصيل على سبيل منع الخلو في ضمن جميع الأطراف وقضيتين مشكوكتين في كل طرف بالخصوص )[1] ، وقال الشيخ الاصفهاني(قده):- ( وحيث عرفت أن تعلق العلم الاجمالي بالمردد غير معقول وبالواقع بخصوصه غير معقول إذ لا معنى لتعلقه بالواقع إلا كونه معلوماً به وهو خلف فلا محالة ليس المعلوم إلا الجامع بين الخصوصيتين المحتملتين فهو مركب من علم واحتمالين )[2] .
وأشكل الشيخ العراقي(قده)[3]
على هذا المسلك وقال:- لو كان العلم الاجمالي يتعلق بالجامع فيلزم أنه لا ينطبق على المعلوم التفصيلي والحال أنه ينطبق على المعلوم التفصيلي، فلو كنت أعلم بأنَّ النجس هو أحد الانائين ثم بعد ذلك من خلال تعريف أو غير ذلك اتضح أنَّ النجس في هذا الاناء فصار علماً تفصيلياً، كما لو وقع فيه دم ليلاً ولكن رأينا ذلك نهاراً فنقول هذا الاناء هو معلومنا الاجمالي ليلاً، فهذا يدل على أن متعلق العلم الاجمالي هو الواقع وليس الأحد، إذ لو كان متعلق العلم الاجمالي هو الأحد لكان المناسب أن تقول - بعد الالتفات إلى المعلوم التفصيلي وأنه مركب من ( أحد ) زائداً خصوصية كونه هذا الاناء الذي عن يميني مثلاً - ( ذاك الذي علمناه ليلاً هو بعضٌ من العلم التفصيلي لا أنه هو ) لأنَّ المعلوم التفصيلي مركب من جامع زائداً خصوصية، فعلمنا ليلاً على رأي الشيخ الأصفهاني(قده) إذا كان متعلّقاً بالجامع فيلزم أن نقول إنَّ ذاك الذي علمناه ليلاً هو بعض هذا المعلوم التفصيلي لا أنه هو هو، فإذاً حينما نقول هو هو بالكامل فهذا معناه أنَّ المعلوم بالاجمال هو الواقع، ولا فرق بين العلم الاجمالي والتفصيلي وإنما كلاهما متعلق بالواقع، ومن هنا سوف نذكر رأيه مع التوضيح.
الرأي الثاني: - ما ذهب إليه الشيخ العراقي(قده)، وهو أنَّ العلم الاجمالي يتعلق بالواقع، فلو كان العلم التفصيلي متعلّق بنجاسة هذ الاناء الموجود على اليمين فعلمي الاجمالي بنجاسة أحدهما هو في الواقع متعلق بنجاسة هذا الاناء الذي على اليمين.
ولكن قد يقال له: -أولاً: - ما هو ما هو دليلك على هذا؟
ثانياً: - كيف تدفع الشبهة التي قد تطرأ على النفس، فإنه كيف يصير متعلّق العلم الاجمالي كالتفصيلي وهو الواقع، فإذاً لا فرق بينهما وإنما سوف كلاهما يصير واحداً، فلا يوجد علم اجمالي وعلم تفصيلي؟
أجاب وقال: -أما الدليل: - فهو ما أشرنا إليه في ردّ العلمين الأصفهاني والنائيني، وهو أنه لو كان المعلوم الاجمالي هو الجامع يلزم ألا ينطبق على المعلوم التفصيلي وإنما نقول معلومنا الاجمالي بعض المعلوم بالتفصيل ولا نقول إنه نفسه، فحينما نقول هو نفسه فهذا معناه أنَّ العلم في كليهما متعلق بالواقع.
وأما دفع الشبهة والاشكال في الفرق بين العلم الاجمالي والتفصيلي: - فصحيح أنَّ متعلق كليهما هو الواقع إلا أن الاختلاف في أنَّ العلم الاجمالي مشوب بشيء من الخفاء أما العلم التفصيلي فكلّه وضوح ، فكلاهما متعلق بالواقع ولكن الاختلاف في الرؤية في نفس العلم، نظير أن تنظر إلى شخص من بعيد وتريد أن تعرفه، فإذا شكت أنه زيد أو عمرو ولكن حينما ارتديت النظارة فإذا به زيد، فهنا الفارق إنه قبل لبس النظارة الرؤية أيضاً متعلقة بزيد لا بغيرة وكذلك بعد لبس النظارة الرؤية متعلقة به إلا أنَّ الاختلاف هو أنه أولاً كانت الرؤية مشوبة بالخفاء والغموض بينما إذا لبس النظارة فالرؤية ليست مشوبة بشيء من الخفاء، وهذا هو الفرق بين العلم الاجمالي والعلم التفصيلي.
وأشكل عليه بعدة إشكالات: -الاشكال الأول: - ما ذكره السيد الخوئي(قده)[4] حيث قال: لو كان العلم الاجمالي يتعلق بالواقع يلزم حينئذٍ أن لا يتحقق له معلوم حياناً حتى عند الله عزّ وجل، كما لو فرض أننا علمنا بأن قطرة بولٍ وقعت في أحد الانائين ولكن في الواقع وقعت قطرة في هذا الاناء ووقعت قطرة أخرى في ذلك الاناء، فإذا كان العلم الاجمالي يتعلق بالواقع فهل علمنا الاجمالي يكون متعلقاً بنجاسة هذا الاناء بخصوصه؟ إنَّ هذا باطل، لأنَّ ذاك الاناء أيضاً وقعت فيه قرة نجاسة، أو يكون متعلقاً بنجاسة ذاك بخصوصه؟ فهذا باطل أيضاً، لأنها وقعت في هذا الاناء أيضاً، أو أنه يتعلق بكليهما؟ فهذا خلف العلم الاجمالي، لأنَّ العلم الاجمالي هو بنجاسة واحدٍ، أو أنها لا مورد لها؟ وهذا لا يمكن أيضاً، فإذاً ذلك الواقع الذي قلت إنَّ العلم الاجمالي يتعلق به والذي يعرفه الله عزَّ وجل ليس له مصداق هنا، فلا يوجد واقع يعرفه حتى الله عزَّ وجل يكون متعلقاً للعلم الاجمالي.