الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

41/03/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مبحث أصالة الاشتغال ( الشك في المكلف به )- مبحث الأصول العملية.

مبحث أصالة الاشتغال ( الشك في المكلف به ).وهو بتعبير آخر مورد اصالة الاشتغال، وهناك مصداقان لمورد الشك في المكلف به:-

المورد الأول:- أن يكون لنا علم بثبوت أحد تكليفين لموضوع واحد، أو بتعبير آخر لمتعقل واحد، كما لو فرض أننا نعلم بأن صلاة الجمعة إما واجبة أو محرمة فالمتعلق واحد وهو صلاة الجمعة نعمل بثبوت أحد الحكمين إما الوجوب أو الحرمة وهذا علم إجمالي لأننا نعلم إجمالاً بثبوت إما الوجوب أو الحرمة فالشك يكون في المكلف به فإننا كلفنا بالفعل أو كلفنا بالترك، وهذا ما يصطلح عليه بمورد دوران الأمر بين المحذورين، والدوران بين المحذورين من مصاديق العلم الاجمالي.

المورد الثاني: - أن يكون لدينا حكم واحد نعلم بثبوته إما لهذا الموضوع أو لذاك الموضوع، فنعلم يوم الجمعة بوجود وجوب إما لصلاة الظه أو لصلاة الجمعة، وهذا ما يصطلح عليه بالشك في المكلف به.

فإذاً كلا هذين الموردين هو من العلم الاجمالي، ولكن المورد الأول هو مورد دوران الأمر بين المحذورين والمورد الثاني هو الشك في المكلف به فالتكليف واحد معلوم ولكن المكلف به لا ندري هل هو هذا أو ذاك، بخلافه في الأول فإنَّ أصل التكليف مشكوك حيث لا ندري هل الثابت هو الوجوب أو الحرمة للجمعة، ففي الأول المتعلق واحد ولكن لا ندري أنه وجوب أو حرمة، أما في الشك في المكلف به التكليف يفترض أنه واحد ولكن المكلف به لا ندري هل هو فعل الجمعة أو فعل الظهر. فإذاً صار للعلم الاجمالي موردان، والبعض قد يبحث المورد الأول تحت عنوان أصل التخيير، والثاني يبحثه تحت عنوان الشك في المكلف به أو أصالة الاشتغال.

أما بالنسبة إلى الأول وهو دوران الأمر بين المحذورين: - فحيث إنه لا إشكال في ثبوت التخيير إما عقلاً أو شرعاً أو عقلاً وشرعاً، نعم توجد ابحاث أصولية علمية فنية أخرى وإلا فالأمر الأساسي الذي نريده فهو متفق عليه وهو التخيير، فلذلك لا نتكلم عن دوران الأمر بين المحذورين ونقتصر على الثاني وهو الشك في الكلف به، يعني أن يكون التكليف واحداً ولكنه متعلق إما بهذا او بذاك.

وفي هذا المجال نقول: - إنَّ مورد الشك في المكلف به ينقسم إلى قسمين، لأنه تارة يدور الأمر بين المتباينين، واخرى يدور الأمر بين الأقل والأكثر، أما مثال المتباينين فهو وجود وجوب واحد متعلق إما بصلاة الظهر أو صلاة الجمعة، وأما مثال الدوران بين الأقل والأكثر فأمثلته كثيرة كما أنه ينقسم إلى استقلاليين وإلى ارتباطيين، فمثلاً في باب الكفارة لا أدري هل وجب عليَّ كفارة واحدة أو وجبت الثلاث فهذا أقل وأكثر استقلاليين، أو يجب عليَّ صوم شهر أو صوم شهرين في الكفارة .... وهكذا، فهذا أقل وأكثر وهو تارة استقلاليين ومرة ارتباطيين كما في باب الصلاة لو لم نعلم أنَّ الواجب عشرة اجزاء أو تسعة أجزاء فلو كان الواجب عشرة فالتسعة لا تجزي وهذا ارتباطي.

إذاً سوف يصير كلامنا في مبحث الشك في المكلف به، يعني نفترض أن التكليف الموجود واحد ولكن لا ندري أنه متعلق بهذا أو متعلق بذاك، وفي هذا يوجد بحثان فمرة نتكلم عن حالة دوران الأمر بين المتباينين وأخرى نتكلم بين الأقل والأكثر.

ثم نلفت النظر إلى قضية: - وهي أنَّ الأصوليون تعرضوا إلى مبحث العلم الاجمالي في موردين، كما في الكفاية والرسائل، المورد الأول بحثوه في مبحث القطع فصاحب الكفاية حينما تعرض إلى القطع وأنه منجز أو معذر وهل يمكن سلب المنجية عن القطع أو لا نتكلم أيضاً بأنه لو قطع المكلف بنحو العلم الاجمالي فهل هو منجز وحجة أو لا، وهكذا فعل الشيخ الأعظم في الرسائل، والمورد الآخر لبحث العلم الاجمالي هو بعد أصالة البراءة فإنهم بعد أن فرغوا من أصالة البراءة ودخلوا في مبحث أصالة الاشتغال فالمصداق الواضح لاشتغال هو الشك في المكلف به الذي هو مورد العلم الاجمالي فبحثوا العلم الاجمالي أيضاً هنا.

وقد وقع الكلام في أنه ماذا نبحث هناك وماذا نبحث هنا حتى لا يحصل تكرار، وق اختلفوا في ذلك فقال صاحب الكفاية شيئاً وقال الشيخ الأعظم(قده) شيئاً، وهذه قضية ربما تأتي عن شاء الله تعالى، ولكن الذي أردنا لفت النظر إليه هو أنَّ العلم الاجمالي بحث في موردين في الكتب الأصولية ولكن حاولوا ألّا يحصل تكرار.

وقد يقول قائل: - لنجمع البحثين في مورد واحد؟

ولكن نقول: - إنَّ هذا اقتراح ولكن سوف تواجهك مشكلة، لأنه في مبحث القطع نقول هل القطع حجة أو لا فمن المناسب أن نبحث أنه هل القطع التفصيلي فقط هو الحجة أو حتى العلم الاجمالي فذاك بحث عن الحجية فمن المناسب أيضاً بحث العلم الاجمالي هناك، فترك البحث عن حجية العلم الاجمالي في موردنا هذا ركيك في الجملة، فالفصل شيء وجيه، ولكن ينبغي أن يكون الفصل بنحو ممنهج حتى لا يحصل تكرار أما كيف تحصل المنهجة فها ما سنبينه فيما بعد.

وقبل أن ندخل في صلب الموضوع لا بأس بالاشارة إلى قضية: - وهي ما هي حقيقة العلم الاجمالي؟، وهذا من ألبحاث الأصولية التي لم يبحثها الشيخ الأعظم في الرسالة بل لعل صاحب الكفاية أيضاً لم يبحثها إلا بمرور عابر لا أنه بحثها تحت عنوان مستقل وهذا الأمر ليس بصحيح لأنه سوف تسلط عليها الأضواء، فصاحب الكفاية في مبحث من الأبحاث أشار إلى ذلك كما سنبين فيما بعد، ولكن هذا لا يكفي فنحتاج بحث ذلك تحت عنوان مستقل وهو ( حقيقة العلم الاجمالي) ونذكر الآراء المذكورة في حقيقته.