41/03/21
الموضوع: - التنبيه الثالث ( هل تجري البراءة في الشبهات الموضوعية ) - تنبيهات أصالة البراءة - مبحث الأصول العملية.
وفي مقام المناقشة نقول: - إنَّ هذه الأمثلة التي ذكرها يمكن أن نفترض وجود مستندات خاصة فيها غير العرف، ومعه لا يصح التمسك بها، وإنما يصلح التمسك بها فيما إذا فرض أنه لا مستند ألا العرف، أما إذا كان يوجد مستد آخر غير العرف فعل هذا من باب وجود المستند ولا يمكن آنذاك بقاعدة عامة بالشكل الذي أفاده وإنما المدار على ملاحظة المستندات، نعم ربما في مورد واحد أو موردين لا يوجد مستند ولكن لا يمكن انتزاع قاعدة من خلال مورد واحد وإنما يمكن انتزاع القاعدة إذا فرض أنه في كل هذه الأمثلة ينحصر المستند في العرف.
أما التعليق على الأمثلة التي ذكرها: -فأما المثال الأول:- وهو ما إذا كان لدينا ماء نشك في كريته لاقته نجاسة قال إنه في مثل هذه الحالة يوجد عندنا عموم يقضي بأنَّ كل ماء لاقته نجاسة يتنجس، ونحن نتفق معه على وجود مثل هذه الروايات، وتوجد رواية أخرى تقول ( إذا بلغ قدر كر لا ينجسه شيء )، وهذا من باب الرخصة أي رخّص لك في ذلك، فصحيح أنه لم يعبر بالرخصة ولكن هذا حكم ترخيصي، يعني لك رخصة أيها المكلف إذا لاقت الماء الكر نجاسة فتعامل معه معاملة الطاهر إذا فرض أنه قد بلغ مقدار كر، فهذا المثال ذكره كشاهد على قاعدته حيث قال إنَّ العرف لا يحكمون بالطهارة وعدم والتنجس إذا لاقت الماء نجاسة إلا إذا أجرز بحو الجزم أن الماء كر أما إذا لم يحرز ذلك فيحكم بتنجسه.
ولكن بقطع النظر عن العرف يوجد استصحاب العدم النعتي، لأنَّ هذا الماء الذي نشك في كريته فالعرف يقول لابد وأن تحرز الكرية فآنذاك نقول هو لا يتنجس، ولكن لعل العرف يحكم بذلك من باب أنه إذا لم تحرز فاستصحاب النعتي لعدم الكرية يكون جارياً، يعني نقول إنَّ هذا الماء قبلاً كان متصفاً بعدم الكرية جزماً، لأنَّ الماء حينما يتجّمع فهو يتجمّع تدريجاً لا أنه يخرج بمقدار كر وإنما يخرج تدريجاً فالحالة السابق لهذا الماء ليس بكر جزماً وبعد ذلك نشك هل اتصف بالكرية أو لا فنستصحب الاتصاف السابق ويثبت الآن أنه ليس بكر، وهذه قضية واضحة، فلعل العرف يحكم بأنه لابد من احراز الكرية لأجل استصحاب عدم الكرية.وإذا فرضنا أنَّ الماء مخلوق الساعة، فلا توجد حالة سابقة متيقنة وإنما من البداية نحتمل أنه وجد كراً فنقول صحيح هنا استصحاب العدم النعتي لا يجري ولكن يجري استصحاب العدم الأزلي، لأنه قبل أن يوجد هذا الماء لم يكن ماءٌ ولا كرية وبعد أن وجد نشك هل وجد الماء فقط او ودت معه الكرية فنستصحب عدم الكرية قبل وجوده وهو عدم أزلي، فلعل العرف يرى أنه يحكم عليه بالتنجس من باب استصحاب العدم الأزلي لا من باب أنَّ الرخصة المعقلة على عنوان وجودي لا تثبت إلا أحرز ذلك لعنوان الوجودي بنحو الجزم وإنما من باب استصحاب العدم الأزلي.إن قلت: - إننا لا نبني على حجية استصحاب العدم الأزلي؟
قلت: - لا تحكِّم القواعد الأصولية على الأمور العرفية، فلعل العرف بذوقهم العرفي يجرون استصحاب العدم الأزلي وإن كان لا يجوز جريانه في علم الأصول.
وأما المثال الثاني: - وهو أنه لو رأى امرأة وشك أنها أجنبية أو لا ففي مثل الحالة جرت سيرة العرف على أنه لا يطبق الرخصة إلا بإحراز انها زوجة فآنذاك ينظر إليها أما إذا لم يحرز أنها زوجة أو أم أو أخت فلا يجوّز النظر بذوقه العرفي.
والجواب:- إنه توجد هنا قواعد أخرى هي قاصية بعدم الجواز قبل ان تصل النوبة إلى النظرة العرفية والذوق العرفي، أما بالنسبة إلى الزوجة إذا شككت أنَّ هذه المرأة زوجتي أو لم تكن زوجتي فأقول إنَّ هذه المرأة قبل زواجي جزماً لم تكن زوجة لي والآن أشك هل هي زوجة أو لا فاستصحب عدم الاتصاف بالزوجية - أو الاتصاف بعدم الزوجية - فينقّح موضوع أنها ليست بزوجة، فلا يجوز النظر بعد تنقّح الموضوع، وأما إذا شككت أنها أخت أو هي أم أو ليس بأم أو هي عمة أو ليست بعمة فيمكن استصحاب العدم الأزل، فإنه قبل خلقتها لم ذات العمة موجودة ولا وصفها فبعد الشك فباستصحاب العدم الألي اثبت أنها ليست عمة ولا خالة.
إذاً لا نتمن أن نجزم بان العرف حينما يحكم بعدم جواز النظر قد استند إلى القاعدة النائينية وإنما استندوا إلى الاستصحاب المركوز في أذهانهم وهو إما استصحاب العدم النعتي أو استصحاب العدم الأزلي.وأما بالنسبة إلى المثال الثالث: - وهو المال المشكوك كما لو فرض أني رأيت مالاً مشكوكاً في مكان كأن وضع إناء فيه طعام في دارنا وشككت أنها أبيحت لنا فيجوز الأكل منها أو أنها للغير لكنها وضعت كأمانة عندنا فلا يجوز الأكل منها فالشيخ النائيني يقول حسب قاعدته إنَّ الرخصة المعلقة على عنوان وجودي هي معلقة على أن يكون ملكاً لك وأنت الآن تشك أنه ملكك أو لا ففي مثل هذه الحالة لا يجوز التصرف فيه.
والجواب: - نعم لا يجوز التصرف فيه ولكننا نحتمل أنه لا يجوز للأصل، حيث نتمكن أن نجري استصحاب العدم النعتي في هذا الطعام فنقول إنَّ هذا الطعام قبل سنة مثلاً لم يكن ملكاً لنا جزماً بعد دخول السنة نشك هل صار ملكاً لا أو لا فنستصحب عدم حصول الملكية قبل دخول السنة، وإذا فرضنا أنه لم تكن له حالة سابقة محرزة فنستصحب العدم الأزلي فنقول إنه قبل خلقته لم الزر موجوداً ولا وصف ملكيته وبعد ذلك وجد فنشك هل اتصف بأنه ملكي أو لا فاستصحب عدم الملكية الثابت قبل وجوده.
وهكذا الحال في الأمثلة الأخرى فهي على هذا المنوال.نعم هناك مثال واحد ولعله بالتأمل نجد مثالاً ثانياً أو ثالثاً:- وهو ما إذا جاء شخص واعطاني مالاً وقال هو للفقراء وشككت أنَّ هذا الشخص فقير أو ليس بفقير، ففي مثل هذه الحالة لا يمكن أن نستصحب عدم الفقر قبلاً لا بنحو النعتية ولا بنحو الأزلية، لأنَّ الانسان حينما يوجد عادةً يوجد وهو فقير ولكن بعد ذلك حينما يحوز شيئاً أو يعمل يصير غنياً وإلا فالفقر هي الحالة السابقة لكل إنسان، فلا يمكن أن يستصحب عدم الفقر فإنَّ هذا لا معنى له، فإذا أراد الشيخ النائيني(قده) أن يستشهد لقاعدته فينحصر استشهاده بهذا المثال، فنقول إنَّ العرف لا يجوّز الدفع إليه رغم أن استصحاب عدم الفقر لا يجري إذ الحالة السابقة لا يجري فاستصحاب عدم الفقر لا معنى له والعرف يحكم بانه لا يجوز الدفع إليه إذا لم يحرز أنه فقير، فهذا المثال ليس من البعيد أنه صحيح، ولكن بالمثال الواحد لا يمكن الخروج بقاعدة كلية كما هو واضح، فمادامت أغلب الأمثلة التي ذكرها قابلة لمناقشة لوجود قواعد ومستندات فيها وينحصر الأمر بمثالٍ واحد فهذا لا يصلح أن يكون مستنداً لقاعدته، فإن القاعدة تحتاج إلى أمثلة وموارد متعددة وليس مورداً أو موردين.
وبهذا اتضح أنَّ القاعدة النائينية قابلة للتأمل.