41/03/18
الموضوع: - التنبيه الثالث ( هل تجري البراءة في الشبهات الموضوعية ) - تنبيهات أصالة البراءة - مبحث الأصول العملية.
الحالة الثالثة:- أن يكون الحكم بلحاظ الموضوع مجموعياً، بأن فرض أنه قيل ( يجب اكرام كل العلماء ) أي بوجوبٍ واحدٍ وليس بوجوبات متعددة، لأنه إذا كانت الوجوبات متعددة صار الحكم بلحاظ الموضوع شمولياً استغراقياً وهذا هو الحالة الأولى، وإنما جوب واحد لإكرام جميع العلماء، وأنا أتقين من التعسة والتسعين فرداً بأنهم علماء أما الفرد المائة أشك بأنه عالم أو ليس بعالم فهنا يصير المورد من الأقل والأكثر الارتباطيين، من قبيل أجزاء الصلاة، فالوجوب واحد ولكني لا أعلم هل هي تسعة أجزاء أو عشرة، وهنا يوجد كلام في أنه هل تجري البراءة أو لا والمعروف أنها تجري فنجري أصل البراءة عن السعة، لأنَّ هذا لوجوب إذا صار مائة طرف فسوف يمتد إليها وأنا أشك في هذا الامتداد فهل امتد هذا الوجوب الواحد إلى الطرف المائة أو لا، وهذه كلفة زائدة فأجري أصل البراءة ، مثل أجزاء الصلاة هل هي تسعة أو عشرة فالوجوب الممتد إلى الجزء العاشر أجري البراءة عنه، وهنا أيضاً كذلك.
وبهذا انتهى حديثنا عن الشك في الحكم بنحو الشبهة الموضوعية.ملاحظات: -الملاحظة الأولى: - قد يقال: إنه عفنا انه في موارد الشك في التكليف تجري البراءة لحديث الرفع أو لقبح العقاب بلا بيان أو للاثنين معاً، ولكن يوجد موردان رغم أنهما من الشك في أصل التكليف بيد أنَّ الفقهاء حكموا بالاشتغال.
المورد الأول:- ما إذا كان الشك في الامتثال كأن يشك في أنه صلى أو لم يصلِّ مع علمه بوجوب الصلاة عليه أو أنه علم بوجوب الحج أو العتق عليه ولكنه شك هل حج أو لم يحج أو أنه اعتق أو لم يعتق، أي هل حصل امتثال أو لم يحصل، فالفقهاء هنا يقولون بأصالة الاشتغال، فيجب الاتيان بالصلاة أو الحج أو العتق ... وهكذا والحال أنَّ هذا المورد من موارد الشك في أصل التكليف فالمناسب حينئذٍ البراءة، وكون الشك في أصل التكليف هو لأني أحتمل أني امتثلت فلا تكليف وأحتمل أني لم أمتثل فيوجد تكليف، فإن كنت ممتثلاً فلا يوجد تكليف وإن لم أمتثل فيوجد تكليف، فإذاً يوجد شك في أصل التكليف والمناسب هو البراءة، فلماذا يحكم الفقهاء بالاشتغال؟
قد يدفع الاشكال عنهم بأن يقال: - إنَّ المكلف متى ما شك في أنه امتثل أو لم يمتثل فالعقل يحكم بلزوم احراز الامتثال، والسيرة جارية على ذلك، كما لو شككت في أنَّ فلاناً جاء من السفر أو لا فالعقل والعقلاء يحكمون بأنه يلزم أن أذهب لزيارته، فلعل الفقهاء حكموا بالاشتغال من باب أنَّ العقل يحكم بالاشتغال.
قلت: - إنَّ هذا تام إذا نظرنا إلى العقل فقط، ولكن بعد وجود الشرع القاضي برفع ما لا يعلمون - أي حكمه بالبراءة - يكون مقدّماً على حكم العقل، فهذا الدفاع يكون باطلاً.
وهذا الاشكال لا يرد على الشيخ العراقي(قده):- لأنَّ من أحد مبانيه هو أنَّ الامتثال لا يسقط فعلية التكليف وإنما يسقط فاعليته، فالمكلف إذا امتثل التكليف فالتكليف بَعدُ باقٍ ولكن من دون فاعلية، فتوجد فعلية من دون فاعلية، فهو لا يدفع نحو العمل، فإذا بنينا على هذا ففي موردنا أنا حينما أشك هل امتثلت أو لم أمتثل فالفعلية موجودة وإنما أشك في بقاء الفاعلية وعدم بقائها، وأصل البراءة يجري فيما إذا كان شك في الفعلية لا ما إذا كان الشك في الفاعلية، والمفروض أنّ الفعلية موجودة جزمية، فلا معنى لجريان أصل البراءة، وإنما نشك في ثبوت الفاعلية، وعند الشك في الفاعلية لا يجري أصل البراءة.
فإذاً هذا الاشكال وارد بناءً على أنَّ الامتثال مسقط للفعلية والفعالية معاً، أما إذا كان مسقطاً للفاعلية دون الفعلية فلا يأتي.وحيث إنَّ المعروف أنه مسقط للفعلية والفاعلية معاً فعليه يكون هناك مجال لجريان أصل البراءة، الاشكال يكون وارداً ويحتاج إلى جواب.ويمكن الجواب عنه بجوابين: -الأول: - الاستصحاب، حيث نقول: صحيح أنَّ أصل البراءة يقتضي ذلك ولكن حينما أشك أني امتثلت أو لم أمثل وهل سقط التكليف أو لم يسقط فاستصحب بقاء التكليف، وحيث إنَّ الاستصحاب حاكم على البراءة فلا يعود مجال لجريان أصل البراءة
الثاني: - أن نقول: إنَّ أدلة البراءة حينما قالت ( رفع عن أمتي ما لا يعلمون )[1] مثلاً هي منصرفة إلى ما إذا كان الشك في أصل ثبوت التكليف لا ما إذا كان ثابتاً وشك في سقوطه، فليس من البعيد أنها منصرفة عن هذه الحالة، وهذه دعوى وجيه لا بأس بها.