41/03/12
الموضوع: - التنبيه الثالث ( هل تجري البراءة في الشبهات الموضوعية ) - تنبيهات أصالة البراءة - مبحث الأصول العملية.
وأما إذا كان الشك في المتعلَّق[1] :- فهنا توجد حالتان:-
الأولى:- أن يكون الشك في باب الواجبات وكون الشك في أصل صدور الواجب كما إذا قال المولى ( تجب الصلاة على البالغ عند زوال الشمس ) وأنا اشك هل صليت أو لا، فإن الصلاة متعلقا ًوليست موضوعاً نعم الموضوع هو الزوال أما الصلاة فهي متعلق[2] ، ففي مثل هذه الحالة يجب أداء الصلاة لأن الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني من دون حاجة إلى رواية تقول مقتضى الشك في الوقت يقتضي الاشتغال، وإنما مقتضى القاعدة يقتضي ذلك لأنًّ ذمتك مشتغلة بفعل الصلاة وأنت تشك هل أتيت بها أو لا فهنا القاعدة تقتضي اشتغال الذمة، ولا تقل لنأتِ بالاستصحاب أو الرواية لكن نقول إن هذان طرقان آخران ولكن قطع النظر عن هذين الطريقين أنت مادام نشك في أصل صدو الصلاة فحينئذٍ يجري الاشتغال، وقد مثلنا بمثال آخر في هذا المجال وهو الكون بعرفة فإنَّ المتعلق هو الكون لأنه يجب تحصيل الكون بعرفة أما عرفة فلا يجب تحصيها وإنما هي أشبه بالموضوع وكذلك اليوم التاسع لا يجب تحصيله وإنما هو أشبه بالموضوع وإنما الذي يجب تحصيله هو الكون في عرفة فإنه هو المتعلق وأنا أردت أن اركب منطاداً فوق عرفة أو صعدت على أعلى ناطحة سحاب في عرفة وكان علوها علواً مفرطاً وشككت هل هذا كون في عرفة أو لا فهنا الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني فيجب تحصيل الوقوف بنحو اليقين، فإذاً إذا كان شالك في أصل الصدور يكون مجرى للاشتغال والشك في الصدور يصير في الواجبات وليس في المحرمات لأنه في المحرمات ليس المطلوب هو الصدور.
الثانية:- أن يكون المورد في باب المحرمات، مثل ( لا تكذب ) و ( لا تشرب الخمر )، ففي مثال ( لا تكذب ) الكذب يصير متعلقاً[3] وكان هناك أريد أن أنقله وشككت هل هذا الخبر صادق أو كاذب فهل يجوز نقله أو لا فهل نطبق قاعدة الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني أو هو مجرى البراءة؟، أو ( لا تشرب الخمر ) ويوجد عندنا خمر جزماً ولكن أريد أن أزرقه في الوريد فهل هذا شرب أو ليس بشرب، وهذا شك بلحاظ المتعلَّق لا بلحاظ الموضوع الذي هو الخمر فإنه خمر جزماً، فما هو المناسب في هذا المجال؟، وأحسن من ذلك مثال ( لا تكذب ) ونشكك أن هذا الخبر كاذب أو صحيح فأنا أريد أن أنقل خبراً حيث نقل لي أن فلاناً جاء من السفر وأنا كنت شاكاً في هذا الخبر فهل أتمكن أن أخبر عنه أو لا ؟ إنه مجرى الاشتغال، ولكن يمكن أن يقال هو مجرى البراءة خلافاً للشيخ النائيني حيث هب إلى أنه مجرى الاشتغال والوجه في كونه مجرى البراءة أن حملة ( لا تكذب ) يوجد فهيا قيد وهي أنَّ ما اتصف بأنه كاذب يحرم نقله فالاتصاف بأنه كاذب قيد في الحرمة فحينما يقول لك ( يحرم الكذب ) يعني ما اتصف بكون خبراً كاذباً يحرم نقله، فالحرمة مقيدة بقيد وهو اتصاف الخبر بكونه كاذباً، والمفروض هنا أننا نك في تحقق القيد فبالتالي نشك في تحقق الحرمة فيكون مجرى للبراءة، أما أنَّ الأحوط أن لا ينقله الانسان فهذا شيء آخر.
وهكذا في المثال الثاني ( لا تشرب الخمر ) يعني ما اتصف أنه شرب، فهو خمر جزماً ولكن ما اتصف بأنه شرب للخمر يحرم عليَّ وأنا أشك في هذا القيد وهل هذا شرب للخمر أو لا فإنه مشكوك فيصير مجرى للبراءة وهذه نكتة لطيفة ينبغي الالتفات إليها.فإذاً صار الفارق واضحاً في الشك في باب الواجبات والشك في باب المحرّمات، ففي باب الواجبات إذا شككنا في صدور الواجب فهو مجرى الاشتغال ومثلنا لذلك بمثالين، أما بالنسبة إلى باب المحرّمات فهو مجرى للبراءة وقد مثلنا لذلك بمثالين.هذا ولكن الشيخ النائيني(قده) ذهب إلى أنَّ المورد مورد الاشتغال وأضاف شيئاً آخر[4] وقال :- إنَّ الشبهة بلحاظ المتعلق في هذه الأمثلة لا تتصور أن تكون موضوعية، يعني بلحاظ الشرب لا تتصور الشبهة الموضوعية.
فإذاً له كلامان، الأول ما ذكره في أجود التقريرات[5] وهو أنه مجرى للاشتغال والسبب في ذلك هو أنه قال إنه في مثل ( لا تكذب ) لا يوجد موضوع وإنما يوجد متعلق فقط، وحتى لو كان له موضوعاً وهو ( أيها البالغ العاقل ) فالمفروض أننا نحرز أنَّ الطرف بالغ عاقل، فإذاً مادام لا يوجد موضوع أو أنه يوجد موضوع ولكنه محقق كان يكون الشخص بالغًا عاقلاً ففي مثل هذه الحالة يكون الحكم - أي الحرمة - جزمياً ولا شك فيه، فأنت حينما تشك في حرمة الكذب فهذا الشك من أين يأتي إذ المفروض أنه لا موضوع له أو أنَّ الموضوع محقق وهو البالغ العاقل فإذاً من ناحية المتعلق لا شك عندك فيكون مجرى للاشتغال لأن الحكم إما أن لا يكون له موضوع أو أن له موضوعاً ولكنه محقق وهو البالغ العاقل، فهو يقلو لك أيها البالغ العاقل لا تكذب وأنت بالغ عاقل فلا يوجد عندك شك وإنما توجد حرمة في حقك جزماً فعلى هذا الأساس يجب عليك الاحتياط.
لكنَّ جوابه قد اتضح: - وهو أنَّ الحرمة مقيدة بقيد مضمر، وهو أنه لا تكذب بنقل الخبر المتصف بأنه مخالف للواقع وكاذب، فالحرمة مقيدة بهذا القيد، وحيث إنَّ هذا القيد أشك في تحققه فصار هناك شك في ثبوت الحرمة، فيكون المورد من موارد البراءة على هذا البيان، فالشيخ النائيني قال بأنه مجرى للاشتغال لأنه لم يأخذ هذا القيد الذي أشرنا إليه بعين الاعتبار.
وأما ما ذكره في كلامه الثاني وأن الشبهة من حيث المتعلق لا تتصور أن تكون موضوعية[6] فجوابه قد اتضح:- فإنا ذكرنا أن الحرمة مقيدة بقيد مضمر وهو ( يحرم نقل الخبر إن كان كاذباً ) وأنا اشك هل هذا خبر كاب أو لا فأشك في ثبوت الحرمة.
وبذلك اتضح الرد على ما ذكره في فوائد الأصول من أن الشبهة لا يتصور أن تكون موضوعية بلحاظ المتعلق حيث نقول: - إنها تكون موضوعية وذلك لأجل أنه إذا كانت الحرمة مقيدة بنقل الخبر الكاذب فأنا أشك هل هذا نقل للخبر الكاذب أو لا وبالتالي أشك في حرمة نقله وعدمه وحينئذٍ هذه شبه موضوعية فتكون مجرى للبراءة.