41/03/11
الموضوع: - التنبيه الثالث ( هل تجري البراءة في الشبهات الموضوعية ) - تنبيهات أصالة البراءة - مبحث الأصول العملية.
وذهب العلمان الحاج ميرزا علي الايرواني[1] السيد البروجردي[2] إلى أنه ينبغي التفصيل في مورد الشك في الشبهة الموضوعية بين البراءة العقلية والبراءة الشرعية:- فإنَّ البراء العقلية لا تجري، وكلن تجرري البراءة الشرعية، أما أنَّ البراءة العقلية لا تجري فلأن العقل يقول على المشرّع الحكيم تبيان الحكم الكلي كأن يقول ( العصير العنبي حرام ) فإن وظيفته هي هذه، أما أنَّ هذا العصير العنبي مغلي أو لا فهذا ليس وظيفة الشارع، فالعقل حينئذٍ لا يحكم بالبراءة، فالعقل لا يقول ( لو كان عصيراً مغلياً لبيّن الشارع ذلك ) لأنّ ذلك ليس وظيفة الشارع، نعم بيان أصل حرمة العصير العنبي المغلي هي وظيفة الشارع فلابد أن يبيّنها، ، ففي الشبهات الموضوعية لا تجري البراءة العقلية وإنما تجري البراءة الشرعية فقط.
وقد ذكرا هذا البيان في حالة عدم الفحص، فإذا لم يفحص المكلف فالبراءة العقلية لا تجري لأنه ليس وظيفة الشارع تحديد الموضوع وإنما وظيفته بيان الحكم الكلي.ولكن نقول: - إنَّ هذه النكتة تجري حتى لو فحصنا وبقي الشك على حاله فمن المناسب عدم جريان البراءة العقلية لنفس النكتة، لأنه ليس من وظيفة الشراع بيان أنَّ هذا عصير عنبي مغلي أو لا، نعم إذا أردنا أنَّ نتمسك بالبراءة فلنتمسك بالبراءة الشرعية.
فإذاً هما فصّلا بين البراءة العقلية والبراءة الشرعية.والمناسب في المقام أن يقال: - إنَّ كل حكم من الأحكام يحتاج عادة إلى ثلاثة أشياء متعلق الحكم ومتعلَّق المتعلَّق - ويعبر عنه بالموضوع - وقيد الحكم، مثلاً ( يحرم شرب الخمر على البالغ ) فـ( يحرم ) هو الحكم، وهو لا يهمنا لأننا لم نفترض أنَّ شكنا في أصل الحكم وإنما الشبهة موضوعية - وإلا إذا شككنا في أصل الحرمة فهذا هو بحث البراءة والاشتغال والذي يقول فيه الاخباريون إنه في موارد الشك في الحكم يجري الاشتغال أما الأصوليون فيقولون تجري البراءة ولكن هذا الكلام قد تقدم وليس هو محل بحثنا الآن - فهذا الحكم متعلقه هو ( شرب ) والخمر هو متعلَّق المتعلَّق والذي يعبَّر عنه بالموضوع، ثم ( البالغ ) هو قيدٌ فإنَّ الحرمة ثابتة في حق البالغ، فإذاً الحكم عادةً يحتاج إلى ثلاثة أمور، وحينئذٍ نقول:-
إذا كان الشك في القيد: - يعني هل الشخص بالغ أو ليس ببالغ فهنا لا إشكال في جريان البراءة من دون خلاف لا لاستصحاب عدم البلوغ بل بقطع النظر عنه يوجد أصل آخر وهو البراءة، لأنه يشك هل هو بالغ أو ليس ببالغ فسوف يشك في توجه التكليف بالحرمة له وعدم توجهه فالأصل البراءة فيجري أصل البراءة بقطع النظر عن الاستصحاب، وهذا ذكرنا من باب استيعاب الشقوق وإلا فهو ليس محلاً لكلامنا.
وإذا كان الشك في المتعلق: - فهذا له نحوان: -
فإما أن يكون الشك في صدور الواجب وعدمه:- كما إذا كان مورد الحكم هو الوجوب لا الحرمة، مثل ( يجب فعل الصلاة ) وأنا أشك هل تحقق فعل الصلاة مني أو لم يتحقق فهذا شك في أصل الصدور ففي مثل ذلك المناسب هو الاشتغال بلا كلام كما هو واضح، لا باستصحاب عدم الصدور، بل حتى لو لم نقل بحجي الاستصحاب فإنه مادام يشك الشخص في أنه صدر منه الواجب أو لم يصدر منه فإنَّ الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني ولا تجري البراءة وإنما يحكم العقل هنا بالاشتغال، أو مثل( يجب الكون بعرفة ) وأنا كنت في عرفة جزماً ولكن شككت هل صدر مني كون في عرفة أو لم يصدر، كما لو ركبت طائرة وحلّقت من حين الزوال فوق عرفة ولكن بارتفاع عالٍ فسوف أشك هل يصدق على هذا كون في عرفة أو لا وهل صدر مني الواجب أو لم يصدر فالمناسب هنا الاشتغال، لأنَّ الكون مطلوب جزماً وهنا نشك هل صدر الكون أو لم يصدر فيلزم أن ينزل من الطائرة في عرفة، نعم إذا كان في الطائرة وكانت في أجواء عرفة ولم تكن مرتفعة بدرجة كبيرة وإنما كانت مرتفعة بمقدار ثلاثة أو عشرة أمتار فهنا يصدق عليه كوناً في عرفة، أما إذا كان الارتفاع بالمقدار الذي يشك في أنه كون في عرفة أو لا فحينئذٍ المناسب جريان الاشتغال.
وإما أن يكون الشك في المصداق: - كما إذا قيل ( لا تكذب ) وأردت أن أخبر بخبر من الأخبار ولكني لا أدري هل هذا الخبر كاذب حتى يشملني هذا النهي أو ليس بكاذب حتى لا يشملني هذا النهي، ففي مثل هذه الحالة ما هو المناسب، فهل المناسب هو البراءة أو الاشتغال؟