41/02/01
الموضوع: - التنبيه الثاني ( قاعدة التسامح في أدلة السنن ) - تنبيهات أصالة البراءة - مبحث الأصول العملية.
وكل ما أفيد قد يتأمل فيه: -أما الأول[1] :- ففيه إنَّ كلمة ( كان له ذلك الثواب) يعطي ظاهرها أنَّ نفس ذاك الثواب يعطى ولكن ما المقصود من ( نفس ذاك الثواب يعطى ) ؟ إنَّ نفس ذاك الثواب لا يمكن أن يزحزح ويعطى لهذا العامل، فلابد وأن يكون المقصود هو أنه يعطى مثله، يعني بلغه أنَّ الثواب بأن تكون له حورية واحدة على هذا العمل فأنت إذا أتيت به فسوف تكون لك حورية واحدة، فالمماثلة هي من حيث المقدار، فالرواية ناظرة إلى مسألة المقدار، أما أنَّ هذا الثواب على نفس العمل أو على العمل البالغ عليه الثواب وبنيَّة بلوغ الثواب فيمكن إنَّ يقال إنَّ الرواية لا تعرّض لها من هذه الناحية.
وإن شئت قلت: - إنَّ كلّ من الأمرين محتمل، فما ذكره الشيخ الخراساني محتمل وما ذكرناه محتمل أيضاً، فعلى هذا الأساس هي جزماً تبيّن وحدة المقدار أما أنها تبيّن المماثلة من حيث أنَّ الثواب على ذات العمل ولا يلزم أن يقصد البلوغ فهذا يمكن أن نقول هو محتملٌ وأيضاً لا أن يوجد ظهور في الرواية فيه حتى يثبت، فيوجد إجمال في الرواية، فهي مبنية من حيث أصل المقدار أما أنَّ الثواب هو على ذات العمل ولو لم يقصد البلوغ فهي مجملة من هذه الناحية، فلا ظهور للرواية فيما رامه الشيخ الخراساني(قده).
وأما بالنسبة إلى ردّه على القرينة الأولى فنقول:- إنَّ غاية الشيء وعلته أحياناً توجب عنواناً له، فأنت لو ضربت اليتيم بقصد التأديب فالتأديب غاية وعلّة للضرب وكان هذا فعلاً حسناً، أما إذا كانت الغاية هي التشفّي كان ذلك فعلاً قبيحاً، فإذا كانت الغاية لا تعنون الفعل كيف صار الفعل قبيحاً مرة وحسناً مرة أخرى؟!، وإذا كانت الغاية لا تعنون الفعل وكيف يثاب إذا كان حسناً ويعاقب إذا كان قبيحاً؟! إنَّ فهذا معناه أنَّ الغاية أحياناً توجب التعنون، لا أنها لا توجب التعنون دائماً، وهنا نقول: إنَّ العمل الذي يؤتى به بغاية البلوغ يكون حسناً، أما إذا لم يؤت به بغاية البلوغ فكونه حسناً أول الكلام، بل ربما يقال هو ليس بحسنٍ، فربما هو رأى الناس يفعلون ذلك ففعل معهم، فلا نتمكن أن نقول إنَّ هذا العمل حسن جزماً، فالغاية إذا كانت هي البلوغ فسوف يتعنون الفعل بعنوان الحسن، بخلاف ما إذا لم تكن الغاية هي البلوغ فقد لا يتعنون بعنوان الحسن.
أما ما ذكرناه كمساعدة للشيخ الخراساني(قده):- لأننا قلنا إنه ادعى أنَّ غاية الشيء لا تعنون الشيء بعنوان من دون أن يأتي بدليل ونحن ذكرنا له دليلاً وقلنا إنَّ رتبة الغاية تغاير رتبة المغيّا فلابد من مغيّا في الرتبة الأولى ثم الغاية تكون للمغيا، أي رتبة الغاية متأخرة عن رتبة المغيا، فهما في رتبتان، فكيف يتعنون المغيّا بالغاية فإنَّ لازم ذلك أن يكونا في رتبةٍ واحدة والمفروض أنَّ الرتبة مختلفة ؟!، فيمكن أن نجيب عن هذا ونقول:- صحيح أنَّ الرتبة بينهما مختلفة ولكن هذا فيما لو لوحظ أحدهما بالقياس إلى الآخر، أما إذا لوحظا بلحاظ حكمٍ آخر - وهو استحقاق الثواب - فيمكن أن يقال إنهما في رتبة واحدة وليسا في رتبتين، فالغاية والمغيّا كلّ منهما بالقياس إلى الآخر في رتبةٍ مغايرة، أما إذا لوحظا بالقياس إلى استحقاق الثواب فسوف يكونان في رتبةٍ واحدة، ونحن نتكلم بلحاظ استحقاق الثواب، فآنذاك يكونان في رتبةٍ واحدة ولا مانع من ذلك، ولا يخفى لطفه.
وأما بالنسبة إلى كلام الشيخ الأصفهاني(قده)فنقول: - إنَّ ما ذكره وإن كان وجيهاً في حدّ نفسه، يعني نحن نسلّم أنَّ التفريع كما يكون من باب تفريغ المغيا على الغاية يمكن أن يكون من باب تفريع أحد الوجودين على الوجود الثاني، ولكن نقول: إنه يمكن تحصيل بعض القرائن في الرواية على أنَّ التفريع هو من باب التفريع على الغاية وليس من باب التفريع على الوجود الخارجي، والقرينة على ذلك هي أنَّ الرواية قالت ( كان له ذلك الثواب وإن كان النبي لم يقله )، وكيف يعطى الثواب على ذلك والحال أنَّ النبي لم يقله ؟! إنه ينحصر الوجه في ذلك من باب أنه أتى بالعمل بغاية البلوغ عن النبي، فاحتمال أنَّ النبي قال ذلك هو الغاية لفعله وهو الذي أوجب حسن الفعل، فبالتالي هو الذي صار سبباً لإعطاء الثواب، فهذه قرينة على كون التفريع من باب تفريع المغيا على الغاية وليس بلحاظ الوجود الخارجي، وهذه قرينة داخلية.
وهناك قرينة أخرى خارجية:- وهي رواية محمد بن مروان، حيث قيدت وقالت ( أتى بالعمل طلب قول النبي )، وهي واضحة في أنَّ الغاية للفعل هي طلب قول النبي، فتلك الرواية مردَّدة بين احتمالين فتصير هذه الرواية قرينة خارجية توضّح الرواية المجملة المردَّدة.
فإذاً ما ذكره الشيخ الأصفهاني مردود بما أشرنا إليه من القرنيتين.هذا كلّه بلحاظ القرينة الأولى التي ذكرها الشيخ الأنصاري(قده).وأما بلحاظ القرينة الثانية التي ذكرها الشيخ الأنصاري(قده):- وهي ( طلب قول النبي ) في رواية محمد بن مروان يعني معناه أنَّ الثواب على العمل بطلب قول النبي، وقد ردّها الشيخ الخراساني(قده) حيث قال إنَّ هذه مقيدة ولكن توجد عندنا روايات مطلقة وحينئذٍ التقييد لا ينافي الاطلاق والاطلاق لا ينافي التقييد فنعمل بإطلاق المطلق، ونحن نقول: إنَّ هذا غريب، فإنَّ المقيد إذا كان مقيداً مثل ( اعتق رقبة ) و ( اعتق رقبة مؤمنة )، فمادام ( أعتق رقبة مؤمنة ) يدل على التقييد فسوف ينعقد له مفهوم فيقيد الرواية المطلقة، وفقهنا مبنيٌّ على هذا، يعني أنَّ الشيخ الخراساني(قده) يريد أن ينكر فكرة التقييد في باب المطلق والمقيد والحال أنَّ السيرة جرت على التقييد بلا إشكال وهو أيضاً يبني على ذلك ، فهنا أيضاً لابد من إعمال التقييد ولا معنى للبناء على المطلق.