الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

41/01/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - التنبيه الثاني ( قاعدة التسامح في أدلة السنن ) - تنبيهات أصالة البراءة - مبحث الأصول العملية.

ثم بعد ذلك صار الخراساني(قده) في صدد ردّ القرينتين اللتين ذكرهما الشيخ الأعظم(قده) لإثبات أنَّ الثواب هو على العمل البالغ عليه الثواب وكأنما أخذ البلوغ قيد في متعلّق الثواب، فمتعلّق الثواب ليس ذات العمل بل العمل المقيد بالبلوغ وبداعي البلوغ، وقد بنى الشيخ الأنصاري(قده) على هذا، ومستنده في ذلك قرينتان: -

الأولى:- الفاء في كلمة ( فعمله )، يعني ( من بلغه ثواب على عمل فعمله ) أي فعمله لأجل البلوغ وبداعي البلوغ، فهذه الفاء تفريعية فهو عمله لأجل البلوغ وبداعي البلوغ كان له ذلك الثواب، فالثواب يصير على العمل بداعي البلوغ بقرينة الفاء.

الثانية:- إنَّ رواية محمد بن مروان عن أبي عبد الله عليه السلام قالت:- ( من بلغه عن النبي شيء من الثواب ففعل ذلك طلب قول النبي كان له ذلك الثواب إن كان النبي لم يقله )، فهذه الرواية واضحة فهي قيدت وقالت ( ففعل ذلك طلب ... ) يعني إذا كان الفعل طلباً لقول النبي صلى لله عليه وآله وسلم ففي هذه الحالة كان له ذلك الثواب، فإذاً الثواب ثابت للفعل المأتي به طلباً لقول الرسول لا ذات العمل.

وأراد صاحب الكفاية(قده) ردَّ هاتين القرينتين: -

أما القرينة الأولى: - فقد أجاب عنها وقال: صحيح أنَّ الفاء تفريعية وتدل على أنَّ العلة للعمل والفعل هو البلوغ ولكن العلة الغائية للشيء لا تصير وجهاً وعنواناً للعمل، فإذاً الثواب ليس على العمل بهذا العنوان لأنَّ الغاية لا تصير عنواناً للعمل.

واكتفى بهذا المقدار ولم يذكر دليلاً لذلك، ولعله لوضوح المطلب عنده.ونحن نذكر توجيهين لذلك أحدهما فني والآخر عرفي: -

التوجيه الفني: - فنقول: إنَّ رتبة البلوغ علّة والمعلول هو العمل، ورتبة العلة تغاير رتبة المعلول، ومع اختلاف الرتبة كيف يصير هذا عنواناً لذاك؟! فإنَّ هذا خلف اختلاف الرتبة، فإنَّ لازم العنوانية أنهما صارا في رتبةٍ واحدة.

التوجيه العرفي: - لو فرض أنَّ شخصاً دعى شخصاً آخر لوليمة لأنه غريب في البلد فالعلة الغائية هي كونه غريباً، ففي مثل هذه الحالة هل تتعنون الدعوة بعنوان الغريب؟، يعني تحققت دعوة متّصفة بكونها للغريب؟ كلا، بل الداعي لا يعنون ذلك العمل بهذا العنوان، فلا أقول له تفضّل كُل طعاماً للغريب، وإنما هذا يكون علَّة لا أنه يصير عنواناً للدعوة وللأكل وللمعلول.

هذا ولكن الشيخ الأصفهاني(قده) أجاب عن الفاء بجوابٍ آخر غير جواب صاحب الكفاية فقال[1] : - صحيح أنَّ الفاء تدل على التفريع، فإنَّ ( فعمله ) تدل على التفريع ولكن التفريع تفريعان، فكما يتحقق التفريع بالعنوان يتحقق أيضاً بالنظر إلى عالم الخارج، يعني الفرعية هي فرعية خارجية لا فرعية معنوِنة، فإنَّ الفرعية والتفريع قد تعنون العمل وربما يكون التفريع ناظراً إلى عالم الخارج من قبيل قولك ( سمع زيد الأذان فسارع إلى المسجد )، فإنَّ الفاء هنا هي فاء التفريع ولكن هذا التفريع ناظر إلى عالم الخارج، باعتبار أنَّ الشخص الذي يسمع الأذان خارجاً يذهب على المسجد، لا أنه علّة حقيقيةً لفعله، بل العلة الحقيقية للمبادرة إلى المسجد هي الحصول على الجنَّة، لا أنَّ العلة هي سماع الأذان، وإنما سماع الأذان هو تفريعٌ خارجي، لأنه عادةً حينما يسمع الشخص الأذان يسارع إلى المسجد، لا أنَّ المسارعة نشأت من سماع الأذان فإنَّ المنشأ للمسارعة هو تحصيل الثواب والجنَّة، وهنا الأمر كذلك حيث نقول: لعل هذه الفاء التفريعية هي من باب التفريع الخارجي وليس من باب التفريع في مقام العمل ويعنون العمل، فـ ( من بلغ ثواب على عمل فعمله ) أي لأجل أنَّ الانسان عادة حينما يسمع الثواب خارجاً فسوف يأتي بالعمل، فهذا تفريع خارجي، فمن المحتمل أن تكون الفاء لإفادة التفريع الخارجي لا لإفادة التفريع الذي يعنون العمل - يعني ذات بالعمل الذي بلغني عليه الثواب - وعليه فسوف تصير الرواية مجملة.

إذاً القرينة الأولى التي ذكرها الشيخ الأنصاري دفعها الشيخ الخراساني بدفعٍ، ودفعها الأصفهاني بدفعٍ آخر.

وأما القرينة الثانية:- فقد أجاب عنها الشيخ الخراساني(قده) وقال: إنَّ هذا مفعول لأجله، وصحيح أنها ويستفاد منها استحباب ذات العمل، فهي ليس تفريعاً وعلّة وإنما قالت ( جاء بالعمل طلباً لقول النبي )، فهذه سوف تقيّد الثواب على العمل المأتي به طلباً للثواب لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن أجاب وقال: صحيح أنَّ هذه رواية مقيدة وتدل على ما تقول ولكن توجد روايات أخرى مطلقة ولا منافاة بينهما، فبالتالي يمكن أن نأخذ بالإطلاق وحينئذٍ قيد ( طلب قول النبي ) لا يتنافى مع الاطلاق، فإذاً يمكن أن نعمل بالإطلاق ونقول إنَّ الثواب على ذات العمل.


[1] نهاية الدراية، الأصفهاني، ج4، ص177.