41/01/28
الموضوع: - التنبيه الثاني ( قاعدة التسامح في أدلة السنن ) - تنبيهات أصالة البراءة - مبحث الأصول العملية.
وهناك ثلاثة توجيهات لما ذكره الشيخ النائيني(قده): -التوجيه الأول: - أن يقال إن اثبات الثواب على العمل حتى مع فرض خطأ البلوغ مع ذلك ثواب أيها المكلف هذا إن دلَّ على شيء فهو يدل على أنَّ العمل يصير مستحباً وإلا كيف يكون اثبات الثواب رغم خطأ وكذب البلوغ.
التوجيه الثاني: - أن يقال عن الرواية قالت ( من بلغه ثواب على عمل فعمله ) هنا نقول إنَّ ( فعمله ) هي بمعنى ( فاعمله ) فإنَّ الخبر أحياناً يأتي بمعنى الانشاء، من قبيل ( من زاد أو نقص في صلاته سجد )، فـ ( سجد ) فعل ماضٍ ولكنه بمعنى الانشاء أي اسجد أيها المكلف ، وهنا أيضاً نقول إنَّ ( فعمله ) هي بمعنى ( فاعمله ).
التوجيه الثالث: - إنَّ هذه الروايات اثبتت أجراً ويفهم من اثبات الأجر الحث على العمل وإلا بيان الأجر بلا حث لغو عرفاً، فنفس اثبات الأجر يستفاد منه بالدلالة الإلتزامية العرفية الحث على العمل وهذا لازمه أن العمل مستحباً حتى يحث عليه.
وكل هذه الوجوه قابل للمناقشة: -أما التوجيه الأول: - فيرده: -
أولاً: - إذا كان هذا الثواب بسبب البلوغ يلزم يكون مقداره واحداً لأن سبب الثواب هو البلوغ والبلوغ صفة واحدة لا تختلف باختلاف كمية الثواب البالغ، فالبلوغ واحد، نعم الذي فيه اختلاف هو طرف البلوغ لا نفس البلوغ فإنَّ البلوغ لا يختلف باختلاف طرفه، فالبلوغ واحد فيلزم أن تكون درجة الثواب واحدة لا أنها تختلف باختلاف الطرف، فإذاً اختلاف الثوا بسبب اختلاف الطرف إن دل على شيء فإنما يدل على أنَّ الثواب ليس من ناحية صفة البلوغ، وإلا فصفة البلوغ هي واحدة لا تختلف باختلاف طرفها زيادةً ونقيصة.
ثانياً: - إنه قال إذا لم يكن هذا الثواب بسبب البلوغ فلماذا إعطاء الثواب حتى على تقدير كذب البلوغ ؟!، ونحن نقول: يمكن أن يكون اعطاء الثواب لأجل التحفظ على المستحبات الواقعية، فيحتمل أن الذي بلغ رغم ضعف طريقه هو من جملة المستحبات الواقعية، فالله عز وجل تحفظاً على المستحبات الواقعية يعطي ثواباً على العمل البالغ عليه الثواب بالدرجة التي بلغت المكلف حتى يحثه على العمل لا من باب أنه بسبب البلوغ يصير العمل مستحباً بل اعطاء هذا الثواب تحفظاً على المستحبات الواقعية وحثاً عليها لا أنه يحدث استحباب جديد بعنوان البلوغ، وهذا شيء وجيه.
أما التوجيه الثاني:- فجوابه إن هذا وإن كان شئياً وجيهاً ولكنه وجيه في جزاء الجملة الشرطية فإذا ورد في جزاء الجملة الشرطية فعل ماضٍ مثلاً فلا بأس أن نفسّره بالأمر، من قبيل ( من زاد في صلاته أو نقص سجد ) ، فـ ( سجد ) هنا بمعنى يلزمك السجود وعليك السجود وهذا لا بأس به فهو خبر بمعنى الانشاء، أما أن نقول في فعل الشرط الفعل الماضي يقصد منه الأمر فهذا بعيد، من قبيل ( من زاد في صلاته أو نقص ) و ( زاد ) نفسرها بفعل الأمر يعني بمعنى ( زِد ) فهذا قبيح ، ومقامنا من هذا القبيل، ( فمن بلغه ثواب على عمل فعمله ) هذه هي جملة الشرط، و( فعمله ) هنا مثل ( زاد ) يعني بمعنى ( وعمله )، ولا معنى لأن نفسّرها بمعنى ( اعمله ) وإنما تبقى فعلاً ماضياً لأنها وردت في فعل الشرط، أما جزاء الشرط فسوف يأتي فيما بعد وهو ( كان له )، فإذاً ( فعمله ) وردت في فعل الشرط ومن البعيد في فعل الشرط يفسر الماضي بالأمر فإنَّ هذا مستهجن وليس بصحيح.
أما التوجيه الثالث:- فجوابه إن هذا الحث كما يلتئم مع ما ذكره الشيخ النائيني (قده) يلتئم أن يكون هذا الحث على العمل من باب التحفظ على الملاكات الواقعية والمستحبات الواقعية ولكي لا تضيع المستحبات الواقعية، نظير ما يقال ( كلما احتملت أنك مشغول الذمة لشخص فادفع إليه ذلك المقدار الذي تحتمل اشتغال ذمتك به )، فلو فرض أنَّ هذا ورد في رواية أو المولى قال لعبده هكذا فهذا كما يلتئم مع استحباب الدفع للجزم بفراغ الذمة يلتئم أيضاً مع أن لا يكون ذلك من باب الاستحباب كما نحن نفهم هذا، فإننا نفهم أنه هذا ليس من باب أنه مستحب بل من باب احراز فراغ الذمة بنحو الجزم واليقين، لأني أحتمل أني مشغول الذمة، يعني تحفظاً على الملاك الواقعي وهو تفريغ الذمة من ديون الناس، وهنا الأمر كذلك، فإذا بلغ الثواب على عمل فصحيح أنه يوجد حثٌّ على الاتيان بالعمل ولكنه لا من باب صيرورة العمل مستحباً بل لكي تحرز بذلك تحقيق المستحبات الواقعية ولكي لا يفوتك منها شيء.
إذن اتضح أنَّ الاحتمال الثاني الذي ذكره الشيخ النائيني(قده) قابل للمناقشة بتوجيهاته الثلاثة.الاحتمال الثالث: - ما ذهب إليه الشيخ الخراساني(قده) في الكفاية، وهو أنَّ نفس العمل وذات العمل هو مستحب وعليه الثواب لا العمل بقيد البلوغ ولأنه بلغ، وقد استدل له بأن الرواية قالت ( من بلغه ثواب على عمل فعمله كان له ذلك الثواب )، أي الثواب الذي ذكرناه، والثواب الذي ذكرناه في صدر الجملة في قولنا ( من بلغه ثواب على عمل ) هو الثواب على ذات العمل ( كان له ذلك الثواب ) يعني الذي بلغه والذي كان على ذات العمل، فالرواية تدل على أنَّ الثواب هو على ذات العمل.