41/01/24
الموضوع: - التنبيه الثاني ( قاعدة التسامح في أدلة السنن ) - تنبيهات أصالة البراءة - مبحث الأصول العملية.
الاحتمال السادس: - وهو تكميل المحركية، بمعنى أن الخبر ضعيف السند بل صحيح السند قد لا يتكلف المكلف عنه لاحتماله أنه خطأ أو أن السند مزوّر أو غير ذلك فتأتي أخبار من بلغ وتقول إنه حتى لو كان مخطئاً فأنا أعطيك الثواب، فهنا احتمال الخطأ لا يحول دون عملي بل سوف أعمل ولا أعتني لاحتمال الخطأ باعتبار أن الشرع يقلو أنا اعطيك الثواب.
وهذا الاحتمال لا ينفعنا أيضاً.فإذاً النافع هو أحد الاحتمالات الثلاث الأولى، ولكن الذي يثبت لنا حجية البلوغ هو الاحتمال الأول، فالاحتمال الأول هو الذي يثبت حجية الرواية الضعيفة في باب المستحبات، أما الاحتمال الثاني والثالث فلا يثبت لنا حجية البلوغ وإنما يثبت استحباب العمل، ولكن بالتالي هو مقارب للنتيجة التي نريدها.توجيه الاحتمالات المذكورة: - قد يذكر لكل واحد من هذه الاحتمالات توجيه: -
أما الاحتمال الأول فقد يقال في توجيهه: - إنَّ من أمر بشيء لجهة معينة بأن قيل ( اتِ بهذا العمل - كصلاة العيد مثلاً - إذا دل عليه الخبر ) فنستفيد من ذلك عرفاً حجية الخبر وحجية البلوغ بالخبر، فإن طلب العمل عند تحقق عنوان يستفاد منه حجية ذلك العنوان ، فطلب صلاة العيد أن دل عليها الخبر فهو يدل على حجية الخبر، وهنا كذلك، فطلب العمل إذا حصل له بلوغ يدل على حجبة البلوغ.
وهو توجه عريف لا بأس به.ولكن يمكن أن يقال:- إنَّ هذا التوجيه مقبول إذا لم تقل الروايات ( كان له الثواب وإن كان النبي لم يقله ) يعني بأن كان تعبير الرواية هكذا ( من بلغه ثواب على عمل فعمله كان له ذلك الثواب )، فإذا كان التعبير هكذا من دون جملة ( وإن كان النبي لم يقله )، فهنا يستفاد من ذلك حجية البلوغ كما في باب الخبر، فلو قيل إن دل الخبر على شيء أو ( اعمل بما يدل عليه الخبر )، هذا يفهم منه حجية الخبر فطلب العمل بمدلول الخبر يدل على حجية الخبر فهذا صحيح ، ولكن إذا قيل ( وإن كان مفاد الخبر باطلاً وغير مطابق للواقع ) فسوف لا نستفيد حجية الخبر، وإنما يكون المفاد شيء آخر وهو التفضل والتبرع الإلهي بالثواب أما حجية الخبر فتعبير ( وإن كان الخبر باطلاً وغير مطابقاً للواقع ) لا يتناسب مع افادتها، وهنا في أخبار من بلغ المفروض وجود هذا التعبير حيث قيل ( منب بلغه ثواب على عمل فعمله كان له ذلك الثواب وإن كان النبي لم يقله )، فإن تعبير ( وإن كان النبي لم يقله ) لا يتناسب مع حجية البلوغ، وإنما هذا افادة لمطلب آخر وهو أن الله تعالى يتفضلّ فيعطي الثواب لا أن البلوغ حجة، إذاً استفادة الحجية مشكل.
إن قلت: - ربما يقال إنَّ الحجية تنشأ من ترجيح أحد الاحتمالين على الاحتمال الآخر والتعابير ليست مهمة، فعلى هذا الأساس لا ينبغي التدقيق في التعابير، فهذه التعابير لا تضر في استفادة حجية الخبر الذي بلغ الثواب من خلاله
قلت: - هذا صحيح إذا كان الاختلاف بلسان المنجزية او الحجية، فمثلاً في باب الخبر إذا قال ( ما أرشدك إليه الخبر ) فمرة يقول ( منجّز عليك ) ومرة يقول ( هو طريق ) أو ( بمثابة العلم ) فنعم هذه التعابير لا تؤثر في استفادة الحجية، أما إذا فرض أنه قيل ( وإن لم يكن مطابقاً للواقع فخذ به ) فهنا لا يمكن استفادة الحجية للخبر، فإذاً اختلاف الألفاظ إنما لا يؤثر فيما إذا لم يكن التعبير سنخ عبير يتنافى مع احجية، أما إذا كان يتنافى معها فلا يمكن استفادة الحجية، وفي مقامنا المفروض أنَّ الرواية قالت ( من بلغه ثواب على عمل فعمله كان له ذلك الثواب وإن كان النبي لم يقله )، يعني وإن لم يكن البلوغ مطابقاً للوقاع فهنا استفادة الحجية للبلوغ محل تأمل للتعبير المذكور، فإذاً نحن نسلّم أن اختلاف التعابير لا يؤثر على استفادة الحجية ولكن بشرط أن تكون التعابير المختلفة تتنافى عرفاً مع الحجية وفي مقامنا المفروض أنها منافية لأنها قالت ( وإن كان النبي لم يقله ).
وقد يقول قائل: - يوجد عندي طريق آخر للجواب عن استفادة الحجية للبلوغ، يعني الحجية للبلوغ لا نستفيدها لنكتة أخرى، وهو أن نقول إنَّ هذه الروايات لم تطلب العمل على وفق البلوغ حتى نستفيد الحجية، فهي لم تقل 0 من بلغه ثواب على عمل فليعمل على طبق البلوغ )، فلو كانت تقول هكذا فسوف نستفيد الحجية للبلوغ وإنما قالت ( كان له ذلك الثواب )، فمن أين نستفيد طلب العمل على طبق البلوغ حتى نستفيد الحجية؟!! قلت: - صحيح إنه بالدلالة المطابقية لم تقل ( اعمل على طبق البلوغ )، ولكن بالدلالة الالتزامية نفهم منها عرفاً الحث على العمل على طبق البلوغ وإن لم يستفد ذلك بالدلالة المطابقية.
وعلى هذا الأساس هذا الجواب ليس بتام والجواب الصحيح ما أشرنا إليه.