41/01/21
الموضوع: - التنبيه الأول ( اشتراط عدم الأصل الحاكم ) - تنبيهات أصالة البراءة - مبحث الأصول العملية.
وفي مقام التعليق نقول:-إنه اثبت أنَّ عنوان الميتة أمر وجودي وليس هو أمراً عدمياً - يعني بمعنى عدم التذكية - فهو اثبته بكلمات أهل اللغة وفهم المتشرعة ، ونحن نقول:-أولاً:- لا يمكن الاستناد إلى أهل اللغة في هذه القضية لأنهم ليست عمدهم تدقيقات من هذه الزاوية وأنها ارم وجودي أو هي أمر عدمي فإنها لا تهمهم وإنما هي تهم الأصولي أما هم فليست لهم دقة من هذه الزاوية، فالاستناد إليهم في هذا المجال أمر مشكل.
ثانياً:- إنه لو رجعنا إلى كلماتهم لم نجد فيها ما يدل على ما ذكره، وهو قد ذكر مجمع البحرين والمصباح المنير ، أما بالنسبة على مجمع البحرين فغاية ما ذكره[1] أنَّ الموت ضد الحياة، وهذا لا يمكن أن يفهم منه أنه أمر وجودي أو عدمي، فهو ليس في هذا الصدد ، وأما المصباح المنير ذكر ( الميتة من الحيوان ما مات حتف أنفه )[2] ، ثم اصاف قائلاً ( والمراد بالميتة في عرف الشرع ما مات حتف انفه أو قتل على هيأة غير مشروعة ).
أما ما ذكره أولاً من أنَّ الميتة من الحيوان ما مات حتف أنفه فهذا لا ينفعنا لأنَّ نتيجة هذا الكلام أنَّ الموت حتف الأنف فقط هو يصير ميتة أما إذا ذبح لا على القبلة أو ذبحه غير مسلم أو من دون تسمية فهذا عنده ليس بميتة، ونحن عرفاً ليس من البعيد نفهم أنَّ الميتة هي ما مات حتف أنفه لا ما أصابه شخص بسهم أو غير ذلك، فإذا مات حتف انفه فحينئذٍ نسمّيه ميته، فهو ناظر إلى هذا المعنى وهو لا يفعنا، وهو ضد ما ذكره السيد الخوئي(قده) لأنه يريد أن يجعل الميتة أمراً وجودياً وهو ما مات ولكن بسببٍ غير شرعي أما على هذا فسوف يصير معنىً آخر.وأما ما ذكره المصباح المنير فبناءً على تعبيره وسع معنى الميتة وذكر الميتة بالمعنى الذي نريده ولكن هذا نقل عن المتشرعة أنهم هكذا يرون لا أنه بما هو لغوي، فإذاً هذا النقل منه لا ينفع.هذا مضافاً إلى إنَّ كلام واحد أو اثنين من اللغويين ليس بحجة، نعم إذا أطبق اهل اللغة أو الكثير منهم لا أن واحداً أو اثنين منهم فإنَّ هذا لا ينفع فإنَّ قول اللغوي لم تثبت حجيته في حدّ نفسه إلى في حالة توليد الاطمئنان وتوليد الاطمئنان يصير إذا فرض أنَّ مجموعة من أهل اللغة ذكروا هذا المعنى فحينئذٍ سوف يحصل الاطمئنان أما أن اثنين منهم قالوا بذلك فهذا لا ينفع بل لابد من وجود كثرة كاثرة منهم أو لا أقل ربع أو خمسة منهم، وخصوصاً مجمع البحرين.ثالثاً:- أما استشهاده بفهم المتشرعة فنقول:- نحن متشرعة أيضاً فهل نفهم من الميتة ما ذكره أي ما زهقت روحه بسبب غير شرعي بحيث تصير الميتة أمراً وجودياً فهذا ليس ملحوظاً في مدّ نظرنا، بل لعله يوجد في ذهننا أنه أمر عدمي يعني عدم الحياة بسبب غير شرعي، أو نقول إنَّ الذي في ذهننا أصلاً هو الموت حتف الأنف كأن يقع من الأعلى أو يمرض ويموت، فالاستناد إلى فهم المتشرعة أمر صعب، فأنا وأنت متشرعة ولكن ما نقله السيد الخوئي0قده) من أنَّ الميتة أمر وجود وهو ما مات بسبب غير شرعي ليس بواضح عندنا، ففهم المتشرعة ليس شيئاً واضحاً بل عائم غائم فالاستناد إليه أمر مشكل.
رابعاً:- وهو أنه من المناسب استناد السيد الخوئي(قده) في تفسير الميتة بالأمر الوجودي إلى قضية أخرى ذكرها حيث قال بأن للنجاسة وعدم جواز الانتفاع مترتب على الميتة ودليله هو أنه إذا فرض تحقق عدم التذكية - الأمر العدمي - نشك في تحقق النجاسة أو حرمة الانتفاع فنتمسك بأصل الطهارة وبأصل البراءة فيصير المدار في ثبوت النجاسة وحرمة الانتفاع على عنوان الميتة، ونحن نقول إنَّ نفس هذه الطريق الذي بينته يمكن أن نتمسّك به لجعل الميتة عنواناً وجودياً وليس عنواناً عدمياً، وذلك بأن نقول:- هناك حكم مترتب على الميتة وهو حرمة الانتفاع والنجاسة، وحينئذٍ نقول إذا تحقق عنوان الميتة بنحو الجزم فحينئذٍ يمكن الحكم عليه بالنجاسة وعدم جواز الانتفاع، وأما إذا فرض أنه لم يتحقق بنحو الجزم فلا يمكن أن نحكم بالنجاسة بل يجري أصل الطهارة لأننا لا نجزم بتحقق عنوان الميتة وهكذا لا تثبت حرمة الانتفاع، بل نتمسّك بأصل البراءة، وإنما نجزم إذا تحقق الأمر الوجودي فآنذاك نجزم بتحقق عنوان الميتة فينطبق آنذاك الحكمان.
خامساً:- يمكن أن نقول إنَّ الميتة هي نفس غير المذكى - خلافاً له حيث قال الميتة هي أمر وجودي غير المذكى - وذلك لأمرين:-
الأول:- النصوص، فإذا قرأنا النصوص نجد أنها تجعل مقابلة بين الميتة وبين غير المذكى، بينما على ما ذكره سوف يصير هناك شق ثالث، يعني لا نتمكن أن نقول هو ميتة ولا في نفس الوقت نقول حتماً هو غير مذكى، فالنصوص تجعل مقابلة وأحدها الآية الكريمة (حرمت عليكم الميتة ..... إلا ما ذكيتم )، فحينئذٍ يكون هو ليس بميتة، فجعلت مقابلة بين صدر الآية الكريمة وهو الميتة وبين التذكية، فهما متقابلان، فالميتة هي عدم التذكية ولذلك استثني وقيل ( إلا ما ذكيتم ) يعني فلا يكون ميتة، فالميتة هي غير المذكى، هكذا يستفاد، وأيضاً ما جاء في موثقة سماعة حيث قالت:- ( ...... إذا رميت وسّميت فانتفع بجلده وأما الميتة فلا )[3] ، فأيضاً هنا جعل مقابلة بين التذكية وبين الميتة، يعني إذا رميت فهو مذكّى وإذا لم يتحقق هذا فهو ميتة ولا يوجد شق ثالث في البين، وورد في صحيحة الحلبي ( وصلِّ حتى تعلم أنه ميتة بعينه )[4] ، وبعد أن نضم هذه الصحيحة إلى موثقة ابن بكير التي حرّمت الصلاة في غير المذكى تكون النتيجة هي غير المذكى، لأنها قالت ( صلِّ حتى تعلم أنه ميتة ) يعني إذا علمت أنه ميتة فلا تصلِّ فيه، وحيث إنَّ عدم جواز الصلاة ثابت في غير المذكى بقرينة رواية ابن بكير فسوف يثبت المطلوب حينئذٍ، وعلى أيّ حال توجد روايات متعددة في هذا المجال يمكن اثبات الأمر الأوّل منها.