41/01/16
الموضوع: - التنبيه الأول ( اشتراط عدم الأصل الحاكم ) - تنبيهات أصالة البراءة - مبحث الأصول العملية.
وقد طرحنا تساؤلاً وقلنا:- إذاً التذكية معناها واحد وليست هي الذبح واستقبال القبلة وغير ذلك ولكن ما هو ذاك المعنى الواحد ؟ فهو معنى واحد بالتبادر وليس معنىً مركباً ، ولكن يمكن أن نقول إنَّ ذلك المعنى الواحد هو الطهارة، فالتذكية هي الطهارة ، ومن أين لك ذلك ؟
والجواب:- إن لم يكن ذلك ثابتاً في اللغة تكفينا الروايات فإنه توجد عدة روايات تذكر أن التذكية هي الطهارة ، من قبيل ما ورد ( غسل الصوف الميت ذكاته )[1] ، يعني إذا كان عندك صوف أخذته من الحيوان الميت تغسل مكان الجزّ - لأنه لا يوجد احتمال تنجس نفس الصوف وإنما الأجزاء الملاصقة لبدن الميتة فهي بما انها ملاصقة سوف تصير نجسة وطهارتها بغسلها بالماء - ، وذكاته هنا في الرواية معناه طهارته بقينة الغسل، فغسل الصوف ذكاته يعني طهارته، فتستطيع أن تصنع منه لباساً وتستطيع أن تصلي فيه وغير ذلك ، ومن قبيل صحيحة الحلبي:-( سألته عن الثنية تنفصم وتسقط أيصلح أن تجعل مكانها سنّ شاة ؟ قال:- إن شاء فليضع مكانها سنّا بعد أن تكون ذكية )[2] ، والشاهد أنه قال ( فليضع سنّاً بعد أن تكون ذكية ) يعني بعد أن تكون طاهرة ، فهنا بقرينة السياق المقصود من الذكاة هو الطهارة ، ومن قبيل ما رواه حريز قال:- ( قال أبو عبد الله عليه السلام لزرارة ومحمد بن مسلم اللبن واللباء والبيضة والشعر والصوف والقرن والناب والحافر وكل شيء يفصل من الشاة والدابة فهو ذكي )[3] ، ودلالتها واضحة حيث قالت كل شيء ينفصل من الشاة والدابة فهو ذكي بمعنى أنه طاهر، ولا يوجد احتمال آخر فهي واضحة في هذا المعنى ، وفي حديث عبد الله بن المغيرة عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( الجراد ذكي حيه وميته )[4] ، ودلالتها واضحة أيضاً حيث قالت الجراد ذكي حيه وميته وهذا معناه أنه طاهر ولا يوجد معنى آخر ، فعلى هذا الأساس هذه الرواية لا بأس بالاستشهاد بها ايضاً.
إن قلت:- إن هذه الرواية مرسلة فكيف يتمسك بها ؟
قلت:- الارسال هنا لا يؤثر لأننا نريد أن نستشهد بشاهد من اللغة سواء كان هذا صادراً من الامام حقاً أو كان صادراً من راوٍ كاذب فبالتالي هو يثبت اللغة ، ولا يخفى لطفه.
إذاً اتضح أنه لا يبعد أن تكون التذكية هي ذات معنى بسيط وهو الطهارة.وينبغي الالتفات إلى قضية:- وهي أنَّ التذكية وإن قلنا عن معناها بسيط وهي الطهارة ولكن لا يبعد أنَّ هذا المعنى البسيط منطبق على الأجزاء لا أنه مباين بل هو معنى بسيط لكنه منطبق على الاجزاء ومتحد معها والوجه في ذلك الوجدان فإننا كما نشعر بالوجدان أنَّ الألفاظ المفردة معناها بسيط نشعر بالوجدان أيضاً أنَّ معناها تركيبي أيضاً، مثل كلمة دار أو سيارة، فكلمة دار قلنا ينصرف منها بالوجدان معنى بسيط ولكن في نفس الوقت لو سألنا طفل صغير ما هي الدار فنقول له الدار هي غرف وساحة وغير ذلك، فعلى هذا الأساس يمكن أن نقول إنَّ هذا المعنى البسيط متحد مع المعنى التركيبي، فعلى هذا الأساس بينهما وحدة وعينية، لا أنَّ هناك اثنينية خارجية ومغايرة خارجية، بل لا توجد مغايرة ذهنية ولا خارجية وإنما هناك اتحاد، والشاهد على ذلك الوجدان فإنه يقتضي ذلك، فإنه في كلة دار أو سيارة أو غير ذلك كما نشعر أنَّ مفاهيم هذه الألفاظ بسيطة ولكن في نفس الوقت نفسرها بالأمر المركب.
ومن خلال هذا يتضح أنَّ بعض الروايات حملت التذكية على هذه الأمور ، فاتضح أنَّ هذا شيء صحيح ولا يتوجد فيه مشكلة، بينما كان هناك اتحاد بين هذا المفهوم الوحداني وبين هذه الأمور من قبيل ( إنَّ السمك ذكاته خراجه من الماء )[5] ، هنا فسّرت الذكاة بالإخراج من الماء وهذا لا يتنافى مع ما ذكرناه من أنَّ الذكاة تعني المعنى البسيط وهو الطهارة ولكن حيث أن ذلك المعنى البسيط متحد مع هذه الأجزاء فيصح إذاً تفسير ذلك المفهوم بالأجزاء فإنه لا مانع من ذلك بعد فرض الاتحاد كما نقول عرفاً أن الدار هي ساحة وغرف فإنَّ هذا صحيح، لأنَّ هذه الأجزاء متحدة مع ذلك المعنى البسيط ، وفي حديث آخر عن علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال:- ( سألته عما أصاب المجوس من الجراد والسمك أيحل أكله ؟ قال:- صيده ذكاته لا بأس به )[6] والشاهد هو أن الحديث قال ( صيده ذكاته ) فحمل الاصطياد على الذكاة وهذا شيء لا بأس به كما ذكرنا لأنه بعدما كان ذلك المعنى البسيط متحداً مع الأجزاء فيصح حنئٍ تفسير التذكية بذلك المعنى البسيط مرّة كما فسرته بعض الروايات حيث فسرت الذكاة بالطهارة كما يفسّر بروايات أخرى بالأجزاء كما في هذه الروايات ولا محذور في ذلك.
هذا كله بالنسيبة إلى الأمر الأول.وأما الأمر الثاني والثالث:- ونريد أن ندمج بين ذهين الأمرين لأن البحث فيهما مترابط فلأجل ترابط البحث فيهما ندمج البحث فيهما ، فيصير عنواناً جانبيا يجمع كلا هذين الأمرين وهو الاتحاد والتغاير من حيث الذات والحكم ، و ( من حيث الذات ) إشارة إلى المطلب الثاني وهو أنه هل الميتة مع عدم التذكية ذاتاً واحدة ، ومن حيث الحكم يعين على تقدير المغايرة هل حكمهما واحد أو ليس بواحد ؟ وفي هذا المجال نقول لا إشكال في أن عدم التذكية أمر عدمي ولس أمراً وجودياً وإنما الكلام في عنوان الميتة هل هو متحد مع عدم التذكية يعني بناءً على هذا يصير عنوان الميتة عدمي أو أنه عنوان وجودي، ولابد أن يكون واضحاً لنا وهو أنه هناك تلازم خارجي بينهما، يعني كل غير مذكى لازمه الخارجي هو الميتة ولك ميتة لابد وأن يكون غير مذكى، فيوجد تلازم خارجي بينهما كما هو الحال بين السواد وعدم البياض فيما إذا كان لا يوجد لون ثالث، فإنه يوجد بينهما تلازم خارجي، فالتلازم الخارجي لا إشكال فيه وإنما الكلام هل هما واحد أو متعدد، وتظهر الثمرة في مسألة الأصل المثبت فمثلاً إذا استصحبنا عدم البياض فرغم أنه ملازم للسواد ولكن السواد ليس عين عدم البياض وإلا صار السواد أمراً عدمياً والحال أنه ليس أمراً عدمياً ، فرغم أنه توجد ملازمه بينمهما ولكن لا يمكن أن نستصحب عدم البياض لإثبات السواد أو نستصحب السواد لإثبات عدم البياض لأجل أن أحدهما ليس عين الآخر وإنما هناك ملازمة وجودية فقط ، ونفس الكلام يأتي في موردنا فإذا قلنا عدم التذكية مع الميتة يوجد بينهما تلازم خارجي جزماً ولكن إذا قلنا يوجد بينهما اتحاد من حيث الذات فنتمكن أن نستصحب عدم التذكية فيثبت لنا آنذاك عنوان الميتة، أما إذا قلنا بأنه مغاير فلا يمكن باستصحاب عدم التذكية اثبات الميتة وهذه ثمرة مهمة.