40/11/05
الموضوع:- التنبيه الأول ( اشتراط عدم الأصل الحاكم ) - تنبيهات أصالة البراءة - مبحث الأصول العملية.
الصورة الرابعة:- الشك في كون الآلة التي تحصل بها التذكية من الحديد هل هي شيء معتبر في تحقق التذكية ؟ عين التذكية يعتبر فيها فرس الأوداج والقبلة وهل يلزم أن تكون السكين من الحديد أو المهم أن تكون قاطعة سواء كانت من الحديد أو من غيره كبعض السكاكين المصنوعة من الاستيل وشكننا أن الاستيل حديد أو لا فحينئذٍ هل يكفي أو لا يكفي ، فهنا ما هو المناسب ؟
والجواب:- إنه إذا كان لدينا عموم أو اطلاق فنتمسك به نقول إنه لم يقيد بأن تكون وسيلة التذكية من الحديد فمقتضى الاطلاق نفي اعتبار كون السكين من الحديد ، وبالتالي تكفي السكين إذا من الاستيل وإن لم يكن الاستيل من جنس الحديد فإنَّ ذلك لا يؤثر تمسّكاً بالاطلاق.
وناقش السيد الخوئي(قده)[1] وقال ما حاصله:- إنَّ المورد ليس من موارد التمسّك بالاطلاق أو العموم وذلك باعتبار أن التمسك بالاطلاق يكون وجيهاً إذا كان المفهوم مفهوماً عرفياً كمفهوم الرقبة فالشارع حينما يقول لك ( اعتق رقبة ) فليس تدخّل في ذلك أو ( جئني بماء ) فهنا نتمسّك بالاطلاق الماء يصدق على الصافي وغير الصافي ويصدق على الماء الحار وعلى الماء البارد وغير ذلك فهو مفهوم عرفي فتستطيع أن تتمسّك بالاطلاق فتقول عرفاً يصدق عنوان الماء على هذا ولم يقيد المولى بأن يكون الماء صافياً أو بارداً أو غير ذلك فنتمسّك بالاطلاق وهذا وجيه إذا كان مورد التمسّك بالاطلاق من المفاهيم العرفية ، وأما إذا لم يكن من المفاهيم العرفية إما أبداً ليس هو مفهوماً عرفياً كالصلاة فإنها ليست مفهوماً عرفياً وإنما هي مفهوم شرعي ، أو هو مفهوم عرفي ولكن تدخل فيه الشرع كما هو الحال في التذكية فالتذكية يمكن أن نقول هي إما مفهوم شرعي محض أو هجين ، يعني هو عرفي وتدخل فيه الشرع فالشرع تدخل فيه حيث اعتبر بعض الشرائط كالقبلة فإنَّ المفهوم العرفي للتذكية لا يشترط القبلة ولا التسمية وما شاكل ذلك ، فإما أن نقول إنَّ مفهوم التذكية ليس مفهوماً عرفياً من الأساس وإنما هو مفهوم شرعي أو نقول هو مفهوم عرفي ولكن تدخّل الشارع فيه فبالتالي هو ليس مفهوماً عرفياً بحتاً ومعه لا يجوز التمسّك بإطلاق مفهوم التذكية ولفظ التذكية ، يعني بتعبير آخر إنه في قوله تعالى ﴿ حرمت عليكم الميتة والدم .... إلا ما ذكيتم ﴾ نستطيع أن نقول إنَّ مفهوم ﴿ إلا ما ذكّيتم ﴾ ليس مفهوماً عرفياً فلا يمكن التمسّك بالاطلاق لنفي اعتبار كون الآلة من الحديد لأنَّ هذا المفهوم ليس مفهوماً عرفياً بحتاً بل إما هو مفهوم شرعي بحث أو مفهوماً هجيناً كما بينا ، إذاً في باب التذكية لا ستطيع أن تمسك بالإطلاقات.
والجواب:- إنَّ هذا يتم في الأدلة التي اشتملت على مفهوم التذكية وعنوانها ، ولكن إذا لم يشتمل الدليل على ذلك فآنذاك نتمسك بإطلاقة ، ومثال الذي اشتمل على لفظ التذكية الآية المتقدمة ﴿ حرمت عليكم الميتة والدم .... إلا ما ذكيتم ﴾ فهذا سلّمنا أنه لا يصح التمسّك بإطلاقه لإجماله الشرعي فنحن لا ندري أنَّ مفهومه الشرعي ما هو ، ولكن هناك آيات أو لا أقل روايات لم تأخذ عنوان التذكية فنتمسّك بإطلاقها ، كقوله تعالى ﴿ فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منه ﴾[2] فهنا الآية الكريمة أخذت عنوان ﴿ فاذكروا اسم الله عليها ﴾ فنتمسّك بالاطلاق ، فمتى ما قتلتها وذكرت اسم الله عليها كفى ذلك ، ولم يذكر أن تكون الآلة من الحديد.
إن قلت:- إنه بناءً على هذا لا يشترط حتى القبلة ، لأنَّ الآية الكريمة لم تشترط القبلة ولا أن يكون الذابح مسلما ولا غير ذلك من الشرائط وعليه فسوف تصير النتائج غريبة ؟
قلت:- صحيح أنَّ الآية الكريمة مطلقة لكن نخرج من الاطلاق بمقدار ما دل عليه الدليل والذي دل عليه الدليل الخارجي هو اعتبار القبلة واعتبار أن يكون الذابح مسلماً وغير ذلك ، أما أن تكون الآلة من الحديد حيث لم يدل دليل على ذلك فنتمسك بإطلاق الآية الكريمة ، ولا يخفى لطفه.
إذاً نحن نسلّم أنَّ هذا الاطلاق بعرضه العريض لا يمكن التمسك به ولكن نقول إنَّ هذا الاطلاق بمقدار ما انثلم نرفع اليد عنه ، وهو قد انثلم بالمقدار الذي دل عليه الدليل حيث دل الدليل على أن يكون الذابح مسلماً ولابد من شرطية القبلة وما شاكل ذلك أما الذي لم يدل عليه دليل فنتمسك بإطلاق الآية الركيمة وحيث إنه في موردنا لم يثبت بدليل اعتبار أن تكون وسيلة الذبح من الحديد فنتمسك بإطلاق الآية الكريمة ، فإذا لا يأتي ما أفاده السيد الخوئي(قده).وعلى هذا المنوال قوله تعالى ﴿ فكلوا مما ذكر اسم اله عليه ﴾ فهو نفس المضمون السابق.
وورد في رواية محمد بن قيس:- ( قال أمير المؤمنين علي السلام:- ذبيحة من دان بكلمة الاسلام وصام وصلى لكم حلال إذا ذكر اسم الله تعالى عليه )[3] فهنا ايضاً لم يأخذ عنوان التذكية فنتمكن أن نتمّسك بالاطلاق بالبيان المتقدّم ، وورد في رواية عمر بن أذينة عن غير واحدٍ عنهما عليهما السلام:- ( إنَّ ذبيحة المرأة إذا أجادت الذبح وسمت فلا بأس بأكله وكذلك الصبي )[4] فهذه الرواية أيضا نتمسّك بإطلاقها حيث لم تأخذ عنوان المذكّى حتى يقول السيد الخوئي(قده) هو مجمل فلا يصح التمسك بالاطلاق.
هذا إذا فرضنا وجود عموم أو اطلاق نتمسّك به.وإذا فرضنا أنه لا يوجد عموم أو اطلاق وشككنا - ولو لرواية ضعيفة أو أنَّ بعض الأصحاب افتى بذلك أو ما شاكل ذلك - أنَّ كون الآلة من الحديد معتبر أو غير معتبر فهل النتيجة هي الاعتبار أو عدمه ؟وقد يقول قائل:- إذا كان هذا معتبر فلابد ان تأتي رواية معتبرة ويتفق عليه الأصحاب وحيث لم يكن هذا فهذا يدل على عدم الاعتبار.وجوابه:- إنَّ هذا معناه أنك بنيت على أن الشك ليس بموجود وهو خلف الفرض ، كلامك صحيح أو ليس بصحيح فهذا ليس مهماً لنا ولكن بالتالي أنت تثول لا يوجد شك ولكن نحن نقول لو كان هناك شك فعليك أن تفترض وجود الشك فإذا كان يوجد عندنا شك فما هو الحكم ؟إنه بناءً على بساطة مفهوم التذكية نتمسّك بالاستصحاب ، لأنه عنوان واحد بسيط لم يكن ثباتاً قبل ان نذبح بالحديد وبعدما ذبحنا بغير الحديد نشك هل تحقق ذلك العنوان البسيط أو لا فنستصحب عدم تحققه ، وأما إذا بنيا على أنَّ التذكية أمرٌ مركّب من مجمعة أمور وواحد منها نحتمل أن تكون الآلة من الحديد فهنا هل يمكن التمسّك بالأصل ؟ لا لا يمكن التمسّك به ، لأنَّ شرط الاستصحاب وجود حالة متيقنة سابقاً وبناءً على بساطة التذكية لا يوجد عنوان التذكية قبل أن نضع السكين على رقبة الحيوان وبعدما وضعناها ولكم تكن الآلة من حديد نشك في تحقق التذكية فنستصحب عدم تحقق ذلك العنوان البسيط ، أما بناءً على أنها أمر مركّب فالاستصحاب يلزم أن تجريه في كل جزء جزء إذا شككت فيه فنضع اصبعنا على كون الآلة من الحديد فهل تود حالة سابقة للاعتبار حتى نستصحبها أو عدم الاعتبار حتى نستصحبها او التحقق أو عدم التحقق حتى نستصحبها ؟ إنَّ كل هذا ليس له معنى لأنه لا توجد حالة سابقة متيقنة بأي شكل من الاشكال فالاستصحاب لا معنى له وكذلك لا يوجد عموم فماذا نفعل ؟ إنه بعد ذبح الحيوان نرجع إلى الأصول الطولية ، فصحيح أنَّ استصحاب عدم التذكية لا يجري لا في العنوان لأننا بنينا على عدم البساطة ولا في الجزء لعدم الحالة السابقة فنتمسك بالأصل الطولي وهو أصل الطهارة وأصل الحلّية ، لأنَّ هذا الحيوان أشك أنه حلال أو لا فيشمله ( كل شيء لك حلال حتى تعرف أنه حرام ) ، ويشمله أصل البراءة - ( رفع عن أمتي ما لا يعلمون ) - ، ويشمله أصل الطهارة أيضاً - ( كل شيء لك نظيف حتى تعلم أنه قذر ) - ، فإذاً نتمسّك بالأصل الطولي والنتيجة سوف تصير عدم الاعتبار ولكن بها الطريق الذي وضحناه.
وقد جاء في بعض كلمات السيد الخوئي(قده)[5] أنا نرجع إلى أصالة عدم التكية.
ولا نعرف له وجهاً ، إلا أن يكون مقصوده أننا نرجع إلى أصالة عدم التذكية بناءً على بساطة عنوان التذكية ، وأما بناءً على التركّب فلا يوجد وجه في الرجوع إلى أصالة عدم التذكية ، هذا كله فيما إذا كانت الشبهة حكمية.